كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن تقرير أعدّه خبير الشؤون الاستخبارية فيها رون بن يشاي، بعنوان "خريطة الطريق الجديدة في غزة: هكذا يخطط الجيش الإسرائيلي للسيطرة على غزة عسكريًا، دون حكم عسكري"، مسلِّطًا الضوء على استراتيجيات الجيش الإسرائيلي لإحكام سيطرته على القطاع دون اللجوء إلى احتلال كامل أو إقامة حكومة عسكرية.
إستراتيجية إسرائيلية للسيطرة على غزة بلا حكم عسكري، من خلال منطقة عازلة ومحاور استراتيجية على الحدود بهدف القضاء على "حماس" ومنعها من تنفيذ عمليات مستقبلية
بحسب الصحيفة العبرية، فإن الجيش الإسرائيلي يُعدّ منذ سنوات لوجود استخباراتي عملي داخل قطاع غزة، عبر شبكة من "الممرات الآمنة" القابلة للتفكيك في حال التوصل إلى اتفاق سياسي.
وتركز الإستراتيجية على السيطرة على منطقة عازلة ومحاور استراتيجية على الحدود بهدف القضاء على "جيش حماس" ومنعه من تنفيذ عمليات مستقبلية.
ويعارض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ضم السلطة الفلسطينية للجهود الرامية لإدارة غزة خشية انهيار ائتلافه الحاكم أمام ضغوط وزراء حزب عوتسما يهوديت (القوة اليهودية) بزعامة ايتمار بن غفير.
عوامل مؤخرة لإنهاء الحرب
يشير التقرير إلى عاملين يؤخران إنهاء الحرب في غزة؛ الأول مسألة الأسرى الإسرائيليين، إذ تطالب حماس بوقف الحرب كشرط للمفاوضات، بينما تصر "إسرائيل" على عدم التنازل في قضايا مثل السيطرة على محور فيلادلفيا ومحور نيتساريم. العامل الثاني يتعلّق بتعثر تشكيل حكومة مدنية بديلة لحماس، رغم رغبة دول عربية مثل الإمارات والسعودية في المشاركة في حفظ السلام وتشكيل حكومة مدنية بقطاع غزة، بشرط مشاركة السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن، وهو ما يرفضه نتنياهو لدواعٍ سياسية، تجنّبًا لتفكك ائتلافه.
خطّة نتنياهو والضغط الدولي
تعتمد خطة نتنياهو على الضغط الدولي، خصوصًا على الأمريكيين، مستغلًا الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة. فمع حلول الشتاء، يعيش 70% من سكان القطاع في مخيمات مؤقتة بوسط وغرب غزة، والتي تشغل 25% من مساحة القطاع فقط. ويواجه هؤلاء ظروفًا قاسية تزداد صعوبة، وتعاني المساعدات من عقبات متعددة، إذ يتم نهبها من قبل حماس وعصابات الجريمة، مما يزيد من معاناة السكان.
نتنياهو يراهن على أن تفاقم الوضع الإنساني سيثني المجتمع الدولي عن مطلبه بإشراك أبو مازن في حكم غزة
يرى التقرير أن نتنياهو يراهن على أن تفاقم الوضع الإنساني سيثني المجتمع الدولي عن مطلبه بإشراك أبو مازن في حكم غزة، أو يدفع الجيش الإسرائيلي لإقامة حكومة عسكرية تحت ضغط الجناح الديني اليميني في ائتلاف نتنياهو، الذي يطمح لإقامة حكومة عسكرية لفتح المجال أمام المشروع الاستيطاني اليهودي في القطاع. ومع ذلك، تترقّب الحكومة الإسرائيلية حلولًا مدنية بديلة لحكم غزة وتفكيك حكومة حماس.
السيطرة المدنية والمساعدات
على صعيد آخر، ما تزال حماس تسيطر مدنيًا على المناطق التي لم يصل إليها الجيش الإسرائيلي. يشير تقرير بن يشاي إلى أن شاحنات المساعدات القادمة من "إسرائيل" تواجه مصاعب خلال التوزيع؛ إذ تتعرض للنهب من قبل عصابات الجريمة في طريقها إلى غرب غزة، ما يؤدي إلى تهريب المساعدات وإعادة بيعها بأسعار باهظة.
في المقابل، ينتشر الجيش الإسرائيلي في غزة لحماية سكان جنوب إسرائيل وضمان الشروط اللازمة لعودة المختطفين، وينفذ عمليات في شمال القطاع للحد من قدرات حماس والجهاد الإسلامي على تنفيذ عمليات تهدد المستوطنات الجنوبية.
الأهداف الاستراتيجية
بحسب التقرير، يركّز الجيش الإسرائيلي في المرحلة الأولى على تفكيك القوات القتالية الكبيرة لحماس والجهاد الإسلامي، وتطورت الاستراتيجية لسحق المجموعات الصغيرة المتبقية ومحاولات حماس لإعادة بناء قوتها. يشير التقرير إلى أن هذه الجهود متمركزة في الشمال، لكن هناك احتمالًا بتمدد العمليات إلى الجنوب بهدف الضغط على قيادة حماس للقبول بالتفاوض حول المختطفين، حيث يحاول الجيش الإسرائيلي منع حماس من استغلال المساعدات أو المتفجرات المستخرجة من القتلى لإنتاج عبوات ناسفة وتجنيد مقاتلين.
وتسعى الاستراتيجية الإسرائيلية مستقبلًا إلى تحقيق أهدافها دون احتلال كامل للقطاع، وبدون حكومة عسكرية، بل عبر تواجد استخباراتي-عملياتي يركز على أمن إسرائيل من خلال شبكة "الممرات الآمنة" التي تشمل محور فيلادلفيا ومنطقة أمنية تمتد كيلومترًا على طول الحدود.
وتركز هذه "الممرات الآمنة" على عدة أهداف، منها:
1. جمع المعلومات الاستخباراتية: لرصد القطاع عن كثب وكشف أي محاولات من قبل حماس لإعادة بناء قدراتها العسكرية.
2. تأمين التحركات العسكرية: لتمكين الجيش الإسرائيلي من التدخل السريع في أي نقطة تتطلب التدخل الفوري لمنع إنتاج الذخيرة أو التحضير لأي عمليات هجومية.
3. الحد من الدعم الخارجي لحماس: عبر السيطرة على محور فيلادلفيا لمنع تهريب الأسلحة والمواد من مصر.
4. التحكم في حركة السكان: للضغط على حماس بملف المختطفين ومنع تواجد عناصرها في الشمال، حيث سيشكل ممر نيتزر منطقة نفوذ للجيش الإسرائيلي تسمح بعمليات تمتد شمالًا وجنوبًا.
5. تسهيل توزيع المساعدات: دون تدخل مباشر من الجيش الإسرائيلي لضمان حماية الجنود من أي مخاطر أثناء مرافقة قوافل المساعدات.
وأشار التقرير إلى أن شبكة الممرات وصلت إلى مراحل متقدمة، ومن المقرر أن تبقى لعدة سنوات بانتظار تسوية حول المختطفين، أو في حال التوصل إلى اتفاق سياسي حول مستقبل القطاع، وذلك ضمن سياسة تهدف إلى تجنب إدارة عسكرية إسرائيلية كاملة في غزة.