على بعد عشرات الأمتار، من تجمع "السخن" البدوي، شمال شرق محافظة نابلس، أقام أحد المستوطنين الإرهابيين قبل نحو أسبوعين نواة لبؤرة استيطانية رعوية. أحضر المستوطن في البداية عربة مجرورة وخيمة، ثم صهريج مياه قديم صدئ، لا يصلح إلا لوضع موطئ قدم، ثم أحضر بعدها حافلة قديمة للسكن فيها، وهيأ الأرض لجلب قطيع من الأبقار والأغنام.
بأيديهم العارية، قام سكان التجمع بهدم خيامهم وبيوتهم من الصفيح، وعلى متن جرارات زراعية، رحلوا من التجمع الذي عاشوا فيه معًا طوال نحو 35 عامًا
نواة هذه البؤرة الاستيطانية الرعوية حولت حياة 10 عائلات فلسطينية تعيش في تجمع "السخن" إلى جحيم، وجعلت من العيش في هذه المنطقة من شبه المستحيل. خمس عائلات فلسطينية لملمت متاعها وخيامها وأغنامها، ورحلت من التجمع قبل نحو أسبوع، وبعدها بأيام قليلة استكملت بقية العائلات رحيلها، وتفرقت جميعها في أرجاء المعمورة.
بأيديهم العارية، قام سكان التجمع بهدم خيامهم وبيوتهم من الصفيح، وعلى متن جرارات زراعية، رحلوا من التجمع الذي عاشوا فيه معًا طوال نحو 35 عامًا، وتفرقوا في مناطق عدة قرب قرى وبلدات دوما وعقربا والطيبة.
تمتد منطقة "شفا الأغوار" إلى الشرق من شارع "ألون" الاستيطاني، الذي يمتد من حاجز زعترة العسكري، جنوب نابلس، وحتى قرية مخماس شرق رام الله. وفي هذه المنطقة، شيد الفلسطينيون طوال السنوات الماضية عشرات التجمعات البدوية، كلها رحلت تباعًا في آخر عامين، وبشكل خاص بعد السابع من أكتوبر.
يقول فراس بني فضل أقدم من سكن تجمع السخن قبل 36 عامًا، وآخر من رحل منه يوم الخميس الماضي، إنه اضطر للرحيل نتيجة الظروف الصعبة التي عاشها وأفراد أسرته في الأيام الأخيرة. وفي حوار مع بني فضل، الذي انتقل للعيش في أرض قريبة من بلدة عقربا، قال لـ"الترا فلسطين"، إن هذا المستوطن الإرهابي منعهم من رعي الأغنام منذ أن أقام في المنقطة. وأضاف بأن المستوطن قام بقطع خطوط المياه التي تغذي التجمع، ومنعهم من التنقل لجلب المياه عبر الصهاريج، وكل من كان يحاول الخروج من التجمع كان مهددًا بالاعتداء عليه، لذا فرض عليهم حصار مطبق لعدة أيام.
وتابع بني فضل أن جنود الاحتلال داهموا التجمع أكثر من مرة، وقبل كل اقتحام كانوا يمرون بهذا المستوطن، وكأن الأمر يجري بناء على ترتيب مسبق بين الطرفين وبتلقي أوامر من المستوطن.
يروي بني فضل (46 عامًا)، وهو متزوج وأب لخمسة أولاد، بأنه في أكثر الأيام الماطرة الأسبوع الماضي، داهم الجنود خيمته، وطردوه هو وأفراد أسرته للخارج في العراء وفي ظل المطر الشديد فوق رؤوسهم لأكثر من 4 ساعات، وطوال هذه المدة، نام الجنود على فراشهم وبداخل خيمتهم.
ضاق الحال ببني فضل ومن معه من عائلات من عرب الرشايدة وعرب الزواهرة ومن عائلات تعود جذورها لقرية قصرة وقرروا الرحيل تباعًا، وتشتتوا في أكثر من منطقة. وأكد بني فضل، أنهم طوال هذه الفترة لم تتم مساعدتهم على الصمود من أي جهة، وفقط وسائل الإعلام والنشطاء من تواصلوا معهم لتوثيق ما يجري.
وحول التجمع، يقول إنه أول من سكن فيه قبل 36 عامًا، وهو يقع إلى الشمال الشرقي من مدينة نابلس بالتحديد قرب مستوطنة "معاليه أفرايم" فوق قرية فصايل في الأغوار الوسطى.
في هذا السياق، يقول الناشط في توثيق انتهاكات المستوطنين في التجمعات البدوية أيمن غريب، إن التجمعات التي رحلت من منطقة "شفا الأغوار" بعد السابع من أكتوبر هي تجمع واد السيق بواقع 30 عائلة، وتجمع عين الرشاش المكون من 18 عائلة، وتجمع المعرجات من 40 عائلة، بالإضافة إلى 4 عائلات صغيرة من وسط طريق المعرجات، وتجمع صغير شرق قرية الطيبة، وتجمع آخر صغير يسمى جبعيت شرق قرية المغير.
وفي العامين الأخيرين، رحلت من هذه المناطق تجمّعات أخرى منها تجمع عين سامية والقبون ورأس التين والواد الأحمر وحمصة الفوقا والبقعة، بالتالي لم يبق أي تجمع بدوي كبير، وآخرها كان رحيل تجمع السخن، بحسب غريب.
يؤكد مدير دائرة التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود لـ "الترا فلسطين"، بأن عدد التجمعات الفلسطينية التي رحلت بعد 7 أكتوبر هي 24 تجمع
ويؤكد مدير دائرة التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود لـ "الترا فلسطين"، بأن عدد التجمعات الفلسطينية التي رحلت بعد 7 أكتوبر هي 24 تجمع، وعدد الأشخاص المرحلين منها بلغ 1733 شخص، أما عدد العائلات فهو 284 عائلة. كذلك يؤكد داوود، بأن غالبية هذه التجمعات التي جرى ترحيلها بشكل قسري بفعل جرائم المستوطنين هي من مناطق "شفا الأغوار".