27-نوفمبر-2015

الملوك الثلاثة لـ نيراز سعيد

"الإنسان أهم من الفيلم، والإنسان أهم من المهرجان، وإن لم يكن أهم فلماذا الأفلام؟ ولماذا السينما؟". بتلك الكلمات يختتم المخرج الفلسطيني رشيد مشهرواي حديثة عن فيلمه "رسائل من اليرموك" مع صحيفة "البيان" الإماراتية مؤخرًا. 

تجاهل مشهراوي خبر اعتقال النظام السوري لنيراز سعيد، الصانع الحقيقي لفيلمه

الفيلم الذي وصفه القائمون على صفحة مشهراوي الزرقاء بأنه "رسائل من مخيم التُقطت في لحظات بالغة التعقيد، رسائل انحازت إلى الحياة في مواجهة الموت، لحظات حب في زمن الحرب". الفيلم من إخراج مشهرواي وتصوير الشاب نيراز سعيد الذي اعتقل مؤخرًا في دمشق من قبل المخابرات السورية بعد خروجه من المخيم برسائل مشهراوي التي فازت بجائزة "مهرجان مالمو للسينما" عن أفضل فيلم وثائقي. 

نيراز لم يغادر المخيم لعامين ونصف العام. بقي وكاميراته يرصد التفاصيل في حياة الحصار، حيث جعل من عدسته منبرًا تصدح عليه الصور بآلاف الكلمات. تلك الصور التي وجدت طريقها إلى بلاده فلسطين من خلال معرض فوتوغرافي هو "للحلم بقية"، أقيم في "متحف محمود درويش" برام الله، قبل أن تفوز إحدى صوره "الملوك الثلاثة" بجائزة الأنروا لعام 2014. 

صور نيراز بكاميرا الفيديو خاصته يوميات المخيم المحاصر في جنوب مدينة دمشق، وأرسلها إلى المخرج رشيد مشهراوي الذي أخرج منها ومن محادثات سكايب مع نيراز فيلمه "رسائل من اليرموك". وهي رسائل ظن مشهرواي أنها توقفت بانتهاء الفيلم وحصده لجوائز مضرجة بتعب أبطاله. ربما تلك الجوائز هي الردود البريدية لأهل المخيم على رسائلهم، لكن فاتته رسالة الفيلم وغايته الأولى، إذا ربطنا ذلك بحديثه عن الإنسان الذي قال إنه أكثر أهمية من الأفلام والمهرجانات. هكذا بالضبط فاته أنّ يذكر نيراز، مصوّر الفيلم وبطل رسائله، والذي اعتقل قبل أيام من لقاء مشهراوي في صحيفة "الحياة".

وحتى بعد أن انتشر خبر الاعتقال إعلاميًا إلا أن صفحة الفيلم على الفيسبوك التي يديرها منتجو الفيلم، وكذلك صفحة مشهرواي نفسه، لم يكن لنيراز نصيب من منشورات أي منهما، بل اقتصر حديثهما على جوائز الفيلم وجولاته العالمية، وهو ما أثار استياء أصدقاء نيراز وغضبهم، بعد أن كانوا يمنون النفس بأن يأتي رشيد مشهراوي على ذكر نيراز من باب التضامن معه في محنته، ومساندته إعلاميًا على الأقل، إلا أن ذلك لم يكن ليحدث، رغم كثرة إطلالات المخرج في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بعد مرور شهرين ونصف على الاعتقال.

غضب شباب اليرموك من رشيد مشهراوي الذي أنهى علاقته مع مخيمهم بعد انتهائه من غنيمته السينمائية

كتب "راديو اليرموك" الذي يديره أصدقاء نيراز على موقعه الرسمي تحت عنوان "رسالة إلى رشيد مشهرواي": "هل تعلم يا رشيد أن نيراز اعتقل؟ كلي إيماني أنك تعلم، لكنك لا تهتم، نيراز لم يعد يستطيع اليوم أن يصوّر لك المزيد من المشاهد كي تضمها معًا وتطوف بها العالم، فلم تكون مهتمًا به اليوم؟ أنت حتى قبل الاعتقال لم تذكره! هل تبدو باريس جميلة يا سيد مشهراوي، أم أن برلين أجمل؟ نيراز رأى أن اليرموك أجمل من يلدا، وببيلا أكثر كرمًا من بيت سحم، والحصار أفضل من الاعتقال، والموت قنصًا أرحم منه جوعًا، والبرد في الحصار يُحتمل، لكن الظمأ لا حل له، واليرقان أصابه ونجا منه، لكنه فضّل التيفوئيد. فهل القهوة مع العصافير في باريس، تشبه طعم القهوة مع الحمام في روما؟".

لم يكتف مشهرواي في فيلم "رسائل من اليرموك" بسرقة جهد نيراز ورفاقه في المخيم، رغم أنهم عملوا في أقسى الظروف، كما لم يبال بتقديم نفسه متمايزًا عن أبناء المخيم من خلال "البرنيطة" الأوروبية، طيلة التسع والخمسين دقيقة التي يقوم عليها، بالإضافة إلى تقديم نفسه على أنه المخرج الذي أعاد إحياء المواد التي صورها نيراز؛ لم يكتف بكل ذلك بل ذهب إلى مكان أقبح بالعلاقة مع أبطال "فيلمه"، عبر إنكارهم في الوقت الذي كانوا بانتظار إجابة واحدة عن رسالتهم الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا:

قصة حقيقية".. القاتل يربح الأضواء

فيلم "العبور".. اللاجئ السوري في المختبر الغربي