25-يونيو-2018

صورة توضيحية - (getty)

تحول المتسوّل إلى لص فجأة، انتقل من طلب المعونة من نوال النجار (37 عامًا) إلى سرقة حقيبتها وهرب. حدث هذا في أحد شوارع مدينة غزة المُعتمة، وهي ليست حالة نادرة، فمشهدٌ كهذا تزايد مؤخرًا في الشوارع على غفلة من المارّة، رغم أن القطاع يخضع تحت منظومة أمنية قوية.

في الثالث من شهر أيار/مايو 2018، خرجت النجار من الباب الخلفي لـ "كابيتال مول" وسط منطقة الرمال في غزة، فأوقفها شاب تقول إنه كان "يرتدي زيًا مناسبًا ولا تظهر عليه أي ملامح متسول". قال الشاب لـ النجار إنه عاطل عن العمل ويريد أي مبلغ لمساعدة أسرته، "لكن ما إن نظرت إلى حقيبتي حتى سرقها وهرب. المشكلة أن حقيبتي كانت فيها بطاقة الائتمان، والصراف الآلي، ونقودًا وأوراقًا ثبوتية" أضافت النجار لـ الترا فلسطين.

تزايد في حالات السرقة في شوارع غزة باستخدام سيارات ودراجات نارية، وانتحال صفة متسولين

توجهت النجار لمركز شرطة منطقة الرمال في غزة، وعندما وصفت ملامح السارق تبيّن أنها مألوفة لدى الشرطة. أبلغت النجار الضابط المناوب، أنها تتنازل عن حقّها في حال تبيّن أن السارق فقير ويحتاج للمال، مقابل أن يعيد لها أوراقها الثبوتية والبطاقات.

اقرأ/ي أيضًا: منتجات "1 شيكل".. جودة ضعيفة وغش خفي

عندما عادت النجار لمنزلها وجدت أن زوجة أخيها تعرّضت للسرقة أيضًا من رجل ثلاثيني، مستغلًا الظلام في الشارع. كما علمت أن زميلتين لها في العمل تعرضتا للسرقة، إحداهما سرقتها شابة في متجر يقع في شارع عمر المختار، بعد أن استغلت انشغالها في المحل وسرقت حقيبتها على غفلة منها.

وفي شهر أيار/مايو أيضًا، تعرضت شابتان للسرقة قرب "كير فور"، وهو أكبر "مول" تجاري في قطاع غزة. السيدة الأولى كانت معها حقيبة بداخلها أموال لأجل التسوق، والأخرى كانت معها حقيبة فيها أوراق ثبوتية ومبلغ مالي، وقد تمت السرقة عندما اقتربت منهما سيارة وسرق من فيها الحقيبتين بالقوة، ثم لاذوا بالفرار من خلال السيارة. إحدى الضحيتان - آية 20 عامًا - جُرحت يدها نتيجة محاولتها تخليص الحقيبة من يد السارق.

وليست النساء وحقائبهن الأهداف الوحيدة للسرقة، فالشاب مدحت صالح (30 عامًا) سُرق هاتفه من نوع "آيفون S7" في حي الشيخ رضوان وسط غزة، وقد تمت السرقة بواسطة دراجة نارية يقودها شخص، ويركب خلفه شخص آخر هو من سرق الهاتف أثناء اتصال هاتفي كان يجريه مدحت.

يقول صالح لـ الترا فلسطين: "الحادثة صدمتني، لكن عندما أخبرت أصدقاء لي، أخبروني بحالات سرقة كثيرة وقعت خلال السنة الأخيرة"، مضيفًا، "كأننا في فلم، سرقات بشكل مدروس جدًا".

وارتفعت أعداد الشكاوى الواردة للشرطة من سرقات في الشوارع، خلال الربع الثاني من سنة 2018، وفق ما أكده لنا الناطق باسم الشرطة أيمن البطنيجي، الذي قال إن هذه السرقات يقف خلفها لصوص كبار، يستغلون صغارًا في السن، ويخططون لهم كيف تتم السرقة، ويختارون مواقع السرقات أيضًا، لكنه رأى أن حالات السرقة التي سُجّلت حتى الآن "لا تشكل خطرًا على المجتمع".

لصوص كبار يقفون خلف السرقات في شوارع غزة، مستغلين حاجة شبان المادية وتعطلهم عن العمل

ويبين البطنيجي لـ الترا فلسطين أن أكبر جرائم السرقة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة استهدفت منزل أحد الشخصيات المهمة في غزة، وبعد إلقاء القبض على السارق، تبين أن السرقة تمت بالتنسيق مع شاب آخر يضع الخطط لأعمال السرقة هذه.

اقرأ/ي أيضًا: المحل للإيجار.. الإعلان الأشهر في غزة

ويبدو واضحًا أن تزايد هذه السرقات يرتبط باشتداد الحصار على قطاع غزة، تحديدًا مع مرور أشهر على الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية ضده، وهو ما تراه الباحثة والأخصائية الاجتماعية وديان أبو جامع، سببًا مباشرًا لهذه السرقات، مبينة أن دراسة أجرتها تناولت فيها أكثر من 4 آلاف شاب غزي، أظهرت أن 60% من الشبان يشعرون بالاغتراب النفسي في المجتمع.

  تزايد هذه السرقات قد يرتبط باشتداد الحصار على قطاع غزة، تحديدًا مع الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة  

وتوضح أبو جامع لـ الترا فلسطين أن هذه الحالة تصيب الشبان بفقدان الثقة في البيئة المحيطة والقيادة أيضًا، وتجعلهم عرضة لأي ردة فعل سلبية تجاه المجتمع، وتحديدًا العاطلين عن العمل منهم، مضيفة، أن فقدان الأمل من مصادر الرزق تدفع بعض أرباب الأسر أو العاطلين عن العمل نحو السرقة كمرحلة مؤقتة، لكن غالبيتهم عرضة للاستمرار.

سألنا البطنيجي عن أسباب التوجه إلى السرقة؛ التي يُدلي بها السارقون خلال التحقيقات، فأجاب بأن غالبية السرقات كانت لدوافع تأمين الاحتياجات، لكن قرابة النصف من السارقين هم أصحاب سوابق، ومنهم لصوص كبار يستغلون شبانًا مقابل حاجتهم البسيطة.

وعندما طلبنا الحصول على أرقام عن حالات السرقة ونسبة الجرائم التي تم كشفها، قال البطنيجي إن هذه الأرقام تخص الشرطة، ولا يمكن الحكم عليها كظاهرة، مبينًا أن استهداف المارة في الشوارع يعود لوجود كاميرات مراقبة في المحلات التجارية ومنازل الشخصيات المهمة، ما يعني أن السارقين يعتقدون أن استهداف الناس في الشارع أكثر سهولة، ويمنع كشفهم لاحقًا.

يُشار إلى أن قطاع غزة يعاني أزمة إنسانية غير مسبوقة بعد 11 سنة من الحصار المحكم، وقد تفاقم نتيجة الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية على القطاع، وقد أضرت هذه الأزمة بتجار كبار وشخصيات اعتبارية، بعد أن عجز هؤلاء عن سداد التزاماتهم ووجدوا أنفسهم في السجون.


اقرأ/ي أيضًا:

تجار وموظفون "رايحين جايين" على سجون غزة

من أين يأتي المُحاصَرون في غزة بمصاريفهم؟

غزة: عائلات تجاور تجمعات الصرف الصحي هربًا من الغلاء