15-أكتوبر-2015

أعلام فلسطين وملصق الدعوة لانتفاضة ثالثة في ميدان التحرير 2011 (تصوير ثيمبا لويس)

الجيش هو الذي بنى "إسرائيل". "الهاجاناه" التي تعني "الدفاع"، قررت التعاون في البداية مع الانتداب البريطاني لتشكيل جماعة مسلحة لقيادة التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين عام 1920. "البالماخ" هي اختصار للعبارة العبرية "بلوجوت ماحاتس" أي "سرايا الصاعقة" التي ارتبط أفرادها بالحركة العمالية الصهيونية في الكيبوتس. 

كل صهيوني بالضرورة هو عضو فاعل أو خامل في جيش الاحتلال

يقول إيلان غورنزيف أستاذ الفلسفة في "جامعة حيفا": "العنف موجود في أساس المشروع الصهيوني، سواء العنف الداخلي أو العنف الخارجي، من ناحية أخرى فإن الروح العسكرية والحاجة إلى الاحتلال والعنف شرط لنجاح المشروع الصهيوني".

كل صهيوني بالضرورة هو عضو فاعل أو خامل في جيش الاحتلال. في أي مكان في العالم حين تنتهي فترة الخدمة العسكرية تنتهي الصلة بالجيش إلا في إسرائيل، فارتباط الشخص بالجيش هناك يبقى مستمرًا عبر ما يسمى بخدمة الاحتياط، التي قد تصل إلى عشرين أو ثلاثين عامًا، يحدد ذلك الأهمية التي تشكلها إمكانات هذا الصهيوني.
 
إحدى شركات الأجبان وضعت على إحدى ملصقات الدعاية الخاصة بها ملصقًا فحواه أن من يريد أن يكون من عائلتها عليه أن يكون إما من عائلة "لواء جولاني" أو من "قوات النضاليين". بدءًا من الحضانة يدخل ضباط الصف ليعطوا للأطفال دروسًا عن أهمية الجندية وليحكوا لهم حكايات عن أبطال الحروب في مواجهة العرب الخنازير الذين احتلوا مدينة الربّ. وحين يبلغ الطالب سنته السابعة أو الثامنة عشر، أو قبل ذلك بقليل، يكون عليه إلزاميًا –في كثير من المدارس– أن ينضم لما يسمى بـ"الكدناه"، وهي معكسرات لتدريب الشباب اليافع على الخدمة العسكرية، يتعلمون فيها حمل السلاح وإدارة المواجهات، ويتلقون فيها محاضرات عن الصهيونية والجندية وأمن إسرائيل. هكذا يتربى الأبناء هناك، هكذا يصبح من المسلم به أنهم سينضمون إلى الجيش.

الشابات أيضًا عليهن الانضمام إلى خدمة الجيش. لا تحصل المرأة في المجتمع الصهيوني على حقها دون أن تكون قد التحقت بالجيش فترة ما في حياتها، وإذا تعرضت للمضايقات الجنسية فأغلبهن يملن إلى عدم البوح بها يئسًا من تغيير شيء. 

يخرج الجنرال العسكري من جيش الاحتلال، ليتقلد أرفع وأهم المناصب وأكثرها حساسية في البلد. هم على أي حال أكثر أهل البلد خدمة له وهو أمر منطقي. كل شخص في "إسرائيل" يشعر بجو الحرب ذاك وهو متورط فيها بطريقة أو بأخرى. أحدهم رفع السلاح على الشاب ليمنعه من المرور لصلاة الجمعة في المسجد الأقصى. الآخر منع رجلًا وامرأة و طفلًا على أحد المعابر من المرور من أجل العلاج، الذي هو حق إنساني محض لا دخل للصراع فيه. 

المذابح التي ارتكبتها "إسرائيل" ليست همجية، فقط سكين المطبخ الفلسطيني هي الإرهاب

تروي إحدى الفلسطينيات كيف احتضرت ابنتها وماتت بين ذراعيها لأن جنديًا رفض عبورها من أجل العلاج، وظل يتشاجر مع أبيها على المعبر. المشهد المتكرر ليافعة تمضغ علكة بينما تفتش امرأة عجوز تخطت الثمانين بقليل قبل أن تسمح لها بالمرور من البوابة. 

وعلى الرغم من كل تلك الحقائق الموجودة في آدابهم وتاريخهم وثقافتهم، يخرج من بين ظهرانينا من لا يزال يرى أن الطعن بالسكاكين همجية تُفقدنا التعاطف العالمي مع القضية وتجعل منا بعيرًا هائجة في المدنية العالمية. لكن سور الفصل العنصري ليس جريمة همجية، حصار غزة الذي جعل الناس يضعون موتاهم في ثلاجة البيبسي ليس همجية، المعابر والإذلال ليست همجية، المذابح التي ارتكبتها "إسرائيل" في تاريخها الطويل ليست همجية، "صبرا وشاتيلا" و"عناقيد الغضب" و"مذبحة جنين" ليست همجية، سكين المطبخ هي الإرهاب والهمجية والعنف. 

هذه أجندة جديدة، ودين جديد يسوقه مدعو المدنية والتعاطف الإنساني، ولم نسمع به وقت كانت القنابل العنقودية تضرب غزة ليلًا فتضيء سماءها وكأننا في رابعة النهار. الرضيع الذي أحرقه المستوطنون مع أمه وأبيه ليس همجية، وحده سكينهم همجية! فليسقط العالم وتعاطفه العنصري!

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. انقلاب الانقلاب على فلسطين

الطريق إلى حيفا