26-أكتوبر-2024
طفلات في الحرب على غزة

(ultrapal) الطفلة غنى الكفارنة وشقيقاتها يجمعهن الأخشاب والكرتون على فترتين يوميًا

قبيل شروق شمس كل يوم، تستيقظ الطفلة غنى الكفارنة وشقيقاتها الثلاثة، يُفطرن بالقليل المتوفر من طعام، وينطلقن في مهمة يومية شاقة في شوارع خانيونس وأزقتها، بحثًا عن الأخشاب والكرتون، لمساعدة والدتهن في إيقاد نيران فرن من الطين تستخدمه للطهي وإعداد الخبز.

عند كل صباح تحمل غنى وشقيقاتها الأصغر منها أكياس دقيق فارغة، وينطلقن في خانيونس حتى وقت الظهيرة. وبعد استراحة قصيرة تنطلق وشقيقاتها مجددًا في جولة ثانية تمتد حتى مغيب الشمس

الشقيقات الأربعة لسن بحاجة إلى وقت طويل لإعداد أنفسهن كما اعتدن قبل الحرب للخروج من المنزل، فاليوم لم يعد لديهن منزل، ولا تتوفر المياه النظيفة للاستحمام، وليس لديهن ملابس أخرى لتبديلها، وقد نزحن مع أسرتهن في اليوم الأول للحرب من بيت حانون شمال القطاع.

اجتاحت قوات الاحتلال بيت حانون، ودمرت كليًا منزل غنى الكفارنة وأسرتها، كما دمرت المدرسة التي كانت تدرس بها مع شقيقاتها، وهي الآن تَعُدُّ الأيام والسنين والحلم يكبر معها أن تلتحق بجهاز الشرطة، و"تصبح شرطية تساهم في ضبط الأمن".

تنقلت أسرة غنى الكفارنة من مكان إلى آخر في شمال القطاع حتى جنوبه، قبل أن ينتهي بهم التنقل إلى خانيونس في شهر أيار/مايو الماضي. ولا تُحصي الطفلة غنى عدد مرات النزوح، لكنها توضح لـ "الترا فلسطين"، إن أسرتها المكونة من 9 أفراد مع 4 أسر أخرى يزيد عددها عن 30 فردًا، يقيمون في ممر داخل مدرسة.

مهمة شاقة

عند كل صباح تحمل غنى (13 عامًا) وشقيقاتها الأصغر منها أكياس دقيق فارغة، وينطلقن في خانيونس حتى وقت الظهيرة، ثم يرجعن إلى المدرسة بهذه الأكياس مملوءة بكل شيء يعثرن عليه، ويعتقدن أنه قابل للاشتعال.

تتجمع غنى وأسرتها حول ما يتيسر من طعام كوجبة غذاء، وتقول: "الحرب علمتنا نأكل كل شيء، ولا نسأل عن نوعية الطعام". وبعد استراحة قصيرة تنطلق وشقيقاتها مجددًا في جولة ثانية تمتد حتى مغيب الشمس.

غنى الكفارنة
غنى الكفارنة  | الترا فلسطين

تستخدم والدة غنى ما تجمعه طفلاتها من الشوارع وتحت ركام المنازل المدمرة "لإحماء الفرن وإشعال النار من أجل إعداد الخبز والطعام". وتقول غنى بكلمات تفوق عمرها: "بنلف بالشوارع عشان نلاقي لقمة نأكلها".

ولا يتوقف يوم غنى الشاق عند هذا الحد، بل يمتد لساعات متقدمة من الليل لبيع الخبز للمارة. وتقول شقيقتها الأصغر روعة (11 عامًا): "نبيع ب 15 أو 20 شيكل عشان نطبخ ونأكل". وتضيف: "قبل الحرب كنا عايشين كويس في بيتنا وبابا بيصرف علينا، وبنروح على المدرسة وبنتعلم وحلمي أكون طبيبة، أما الآن ما بدنا إلا نرجع على بيت حانون، وما بدنا ننزح أكثر من هيك".

طفلة تعيل أسرة

ومثل غنى وشقيقاتها، هناك فتيات كثر أجبرتهن الحرب على أعمال صعبة تنوء بها أجسادهن الغضة، ولا تناسب أعمارهن، للمساعدة في تأمين لقمة العيش لأسرهن تحت حصار إسرائيلي حاد، وحرب عدوانية دخلت عامها الثاني.

الطفلة ملك نضال (14 عامًا)، وجدناها تُسند ظهرها إلى جدار منزل شبه مدمر، وتأخذ قسطًا من الراحة، بعد ساعات متعبة تنقلت بها من شارع إلى آخر، ومن حارة إلى أخرى، تجمع كل شيء قابل للاشتعال من أجل نيران فرن تستخدمه والدتها للخبيز وطهو الطعام في أحد مراكز الإيواء بمدينة خانيونس.

ملك نضال
ملك نضال | الترا فلسطين

أسرة ملك مكونة من 7 أفراد، ووالدها مبتور السابق إثر إصابته في العدوان الإسرائيلي عام 2021، ونتيجة لذلك لا يستطيع العمل. وتقول ملك لـ "الترا فلسطين"، إن لها شقيقة طفلة مصابة بمرض حساسية القمح، وتحتاج أن تتناول أطعمة خاصة غير متوفرة في السوق، وقد تدهورت صحتها بسبب اضطرار أسرتها لإطعامها، مما يتوفر لهم من تكية خيرية ومعلبات.

لا تتذكر ملك آخر مرة تذوقت فيها الخضار والفواكه واللحوم الشحيحة في الأسواق. وتوضح أن لديهم "بقايا طحين ومعلبات" يعتاشون عليها، ولا تعرف إذا نفدت من أين سيأتون بالطعام

أمام هذه الظروف وجدت ملك نضال، نفسها مجبرة على مساعدة أسرتها في تدبر الاحتياجات اليومية الأساسية. فمع ساعات الصباح الباكر يوميًا تحمل "كيسين فارغين" وتنطلق بهما في شوارع خانيونس لجمع الكرتون وقصاصات الورق والأخشاب، وقد تركت الحرب أثرها الثقيل على جسدها وملامح وجهها. وتقول: "قبل الحرب كنت أجمل من هيك (..) الحرب غيرت شكلي وملامحي".

عندما تنجح ملك في مهمتها تعود إلى والدتها بما تحمله من أجل إيقاد نيران فرن على الطين في مدرسة ينزحون بها، وتقول إن "حياتهم ازدادت قسوة في الفترة الأخيرة، حيث الطعام شحيح، والدقيق المفقود من السوق وأسعاره الباهظة".

وارتفعت أسعار كيس الدقيق زنة 25 كغم من 10 شواكل إلى أكثر من 200 شيكل، هذا في حال العثور عليه، فقد اختفى من الأسواق جراء إغلاق المعابر والقيود المشددة التي تفرضها سلطات الاحتلال على إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع للقطاع.

وتوضح ملك نضال، أن لديهم "بقايا طحين ومعلبات" يعتاشون عليها، ولا تعرف إذا نفدت من أين سيأتون بالطعام. ولا تتذكر ملك آخر مرة تذوقت فيها الخضار والفواكه واللحوم الشحيحة في الأسواق، وأسعار المتوفر منها لا تُناسب غالبية المحاصرين في قطاع غزة الذين ألحقتهم الحرب بقوافل البطالة والفقر.

بائعة صغيرة والحلم طبيبة

وعلى مقربة من مجمع ناصر الطبي في خانيونس، تفترش، الطفلة سعاد زعرب (13 عامًا)، الأرض وأمامها كومة من الملابس تعرضها للبيع، إذ يواجه الغزيون أزمة ملابس حادة، جراء توقف حركة الاستيراد وتدمير غالبية المحال التجارية.

كان والد سعاد يعمل في بيع هذه الملابس قبل الحرب، وبحسب حديثها لـ "الترا فلسطين" فقد احتفظ والدها بما تبقى لديه من ملابس، وتنقل بها من مكان إلى آخر في رحلة النزوح بين مدينتي رفح وخانيونس، ثم بعد اجتياح مدينة رفح في شهر أيار/مايو الماضي، عادت سعاد وأسرتها إلى منزلهم في خانيونس فوجدوه أنقاضًا، وهي الآن تقيم مع أسرتها المكونة من 6 أفراد، مع آخرين من الأقارب، في خيام بمنطقة بطن السمين بالمدينة.

سعاد زعرب
سعاد زعرب وأحد أشقائها يبيعان الملابس للنازحين | الترا فلسطين

تقضي سعاد زعرب مع أحد أشقائها نهارهما في بيع الملابس للمارة، وغالبيتهم من النازحين، وممن دمرت منازلهم، وفقدوا كل ملابسهم ومقتنياتهم تحت أنقاضها، ووفقًا لهذه الطفلة، فإن والدها مريض لا يغادر الخيمة، وتعمل من أجل المساهمة في إعالة أسرتها.

رغم واقعها المرير إلا أن سعاد تتمسك بأمل النجاة من هذه الحرب والعودة إلى مقاعد الدراسة، ومواصلة طريقها لتحقيق حملها بأن تصبح طبيبة أطفال

ورغم واقعها المرير، إلا أن سعاد تتمسك بأمل النجاة من هذه الحرب والعودة إلى مقاعد الدراسة، ومواصلة طريقها لتحقيق حملها بأن تصبح طبيبة أطفال، وتُبين أنها تعلقت بحلمها أكثر خلال الحرب التي قتل وأصيب فيها آلاف الأطفال.

وخلال عام من الحرب حصدت نيران الاحتلال أرواح 5 آلاف و757 طفلة دون سن 18 عامًا، بينهن 364 طفلة رضيعة أعمارهن أقل من عام، بحسب توثيق وحدة نظم المعلومات الصحية في وزارة الصحة.