03-أغسطس-2024
أمراض جلدية في غزة

في ساحة مدرسة حكومية مجاورة لمجمع ناصر الطبي غرب مدينة خانيونس، تفترش الثلاثينية هند أبو فسيفس مع أطفالها الثمانية الأرض، وتتملكها مثل آلاف العائلات النازحة، مخاوف شديدة من إصابتهم بأمراض معدية، خاصة فيروس شلل الأطفال، بعدما أصيب أصغر أطفالها الرضيعة علياء (6 أشهر) بمرض جلدي يحرمها النوم من شدة الألم.

تخلط هند صنفي الدواء، وتدهن جلد رضيعتها علياء بهما، كما تضطر إلى التخفيف عنها وإبقائها بالملابس الداخلية فقط، وتستخدم قطعة من الكرتون المقوى للتهوية عليها حتى تتمكن من النوم ولو قليلًا

عقب نزوحها الأخير من بلدة عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس، قبل نحو أسبوع، ظهرت على جلد علياء حبوب حمراء مملوءة بالماء، تجعلها دائمة الصراخ من الألم، وقد عرضتها والدتها هند (34 عامًا) على الأطباء، ولم تجد لها دواء في المستشفيات والمرافق الصحية الحكومية.

كان تشخيص الأطباء للمرض الذي أصاب الرضيعة علياء بأنه نتيجة "فايروس" ينتشر بسبب حرارة الطقس المرتفعة والازدحام الشديد في خيام النازحين ومراكز الإيواء، ووصفوا لها علاجًا اضطرت إلى شرائه من صيدلية خاصة بعد عناء شديد بالبحث عنه.

علياء أبو فسيفس

وتعاني مخازن وزارة الصحة والصيدليات التجارية الخاصة من نقص حاد في كثير من الأدوية والمستهلكات الطبية بسبب استمرار احتلال معبر رفح البري مع مصر، وتدمير قوات الاحتلال له في بدايات العملية العسكرية البرية على مدينة رفح في 6 أيار/مايو الماضي.

"الله أعلم بحالي ولكن مضطرة، فتوفير الدواء لعلياء أهم من الأكل والشرب"، تقول هند أبو فسيفس، وهي أرملة شهيد ارتقى بنيران قوات الاحتلال في الحرب على قطاع غزة.

ولا تملك هند أبو فسيفس مصدر دخل يساعدها في مصاريف أطفالها الثمانية، بعد استشهاد زوجها دون أن يرى أصغر أطفاله علياء، وتقول: "مثل غالبية الناس في قطاع غزة نعيش ظروفًا مأساوية (..) الحرب طالت ولم يعد لنا غير الله ليفرج همومنا ومعاناتنا".

تخلط هند صنفي الدواء، وتدهن جلد رضيعتها علياء بهما، للتخفيف من آلامها و"الحكة" التي تصيبها نتيجة انتشار الحبوب واحمرار جلدها، كما تضطر إلى التخفيف عنها وإبقائها بالملابس الداخلية فقط، وتستخدم قطعة من الكرتون المقوى للتهوية عليها حتى تتمكن من النوم ولو قليلًا.

وإلى جانب معاناة رضيعتها،  تعيش هند أبو فسيفس في حالة قلق مستمرة على باقي أطفالها منذ إعلان هيئات صحية محلية ودولية عن اكتشاف فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي. وتعود مخاوف هند تعود إلى الظروف المحيطة بها داخل المدرسة، حيث لا تتوفر مراحيض نظيفة، كما تنعدم وسائل النظافة الشخصية، والمياه الصالحة للشرب، وتتساءل: "كيف يمكن أن ألتزم بالوصفة الطبية وأقوم بتغسيل أطفالي مرة على الأقل يوميًا دون أن تتوفر المياه، وليس لدي المال الكافي لشرائها؟".

وعلى مقربة من هند وأطفالها بدت أم ثلاثينية أخرى مشغولة في التخفيف عن طفلها. تقول "أم سند أبو عليان"، إن طفلها سند (عامان) أصيب منذ اندلاع الحرب ببثور تشبه الحروق في أنحاء جسده، ولا يكاد يبرأ منها بالعلاج حتى تعاوده من جديد.

تنقلت "أم سند" بطفلها بين المستشفيات والمراكز الصحية في مدينة خان يونس، وفي كل مرة يصف له الأطباء مضادًا حيويًا ومراهم مرطبة للتخفيف عنه من آلام الحكة. وتُوضح، أن الأطباء أخبروها أن ما يعاني منه نتيجة فيروس ينتشر في قطاع غزة، ويصيب الأطفال خصوصًا في مخيمات النزوح ومراكز الإيواء، حيث الازدحام الشديد وتدني مستوى الخدمات الأساسية والنظافة.

سند أبو عليان

شاركتنا الحديث امرأة تكنى "أم البراء" تجلس إلى جوار "أم سند"، إذ أفادت بإصابة طفلتيها جنان (12 عامًا) وجوان (4 أعوام)، بمرض جلدي يظهر في حبوب حمراء برؤوس بيضاء، وقد انتشر في جسديهما، ويسبب لهن آلامًا رهيبة.

تصف جنان حالتها بأنها "تشعر وكأن جسدها يحترق من شدة الألم، وتضطر إلى حك جلدها بأظفارها لتخفيف الألم لكنه يزيد"

وتصف جنان حالتها بأنها "تشعر وكأن جسدها يحترق من شدة الألم، وتضطر إلى حك جلدها بأظفارها لتخفيف الألم لكنه يزيد".

جنان أبو عليان

ومثل هند أبو فسيفس، فإن "أم سند" و"أم البراء"، تشعران بقلق شديد على أطفالهن من شلل الأطفال، "إذ أن الأمراض الجلدية رغم آلامها، إلا أنها تشفى بالعلاجات ومع الوقت، لكن شلل الأطفال خطير جدًا على الأطفال وصحتهم ومستقبلهم".

وكانت منظمة الصحة العالمية حذرت من أن الظروف في غزة تخلق البيئة المثالية لانتشار أمراض مثل شلل الأطفال.

ويدعم مدير مستشفى كمال عدوان، الطبيب حسام أبو صفية هذا التحذير، مؤكدًا لـ الترا فلسطين أن جميع مسببات وعوامل تفشي فيروس شلل الأطفال متوفرة في قطاع غزة، خاصة في مناطق شمال القطاع، وهو ما ينذر بكارثة صحية، مع انعدام التطعيمات لهذا الفيروس.

ونتيحة تدمير الاحتلال للبنية التحتية، ظهر الفيروس في مياه الصرف الصحي التي تختلط بالمياه الجوفية، وتتجمع خيام النازحين ومراكز الإيواء وتجري بينها. وظهر الفيروس في الفحوصات التي أجرتها وزارة الصحة بالتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) لعينات من الصرف الصحي.

وبحسب حسام أبو صفية، فإن فيروس شلل الأطفال يصيب بالدرجة الأولى الأطفال ما دون سن الخامسة، غير أنه قد يصيب أي شخص مهما كان عمره ما لم يكن مطعمًا بلقاحات مضادة.

وينتقل هذا الفيروس، وفقًا لأبو صفية، من خلال تناول الطعام أو الشراب الملوث بالفيروس الذي يكون في براز المصابين، وله أعراض عدة تظهر على المصاب به كالصداع والغثيان والقيء والاحتقان، أو على شكل التهاب السحايا الفيروسي، وقد يسبب الفيروس شللًا ارتخائيًا دائمًا، وهناك أعراض أخرى قد تصيب الجهاز التنفسي للمصاب.

يذكر أنه منذ نحو ربع قرن لم تسجل أي إصابة بفيروس شلل الأطفال في قطاع غزة، وكانت اللقاحات المضادة للفيروس متوفرة على الدوام.

الحرب غير المسبوقة التي تشنها إسرائيل على القطاع، ودمرت خلالها كل مقومات الحياة والبنية التحتية، تسببت في ظهور أمراض وعودة أمراض قديمة، مثل الأمراض الجلدية المعدية كالجرب، والكبد الوبائي، وشلل الأطفال

ويوضح مدير المستشفيات الميدانية في قطاع غزة، مروان الهمص، أن الحرب غير المسبوقة التي تشنها إسرائيل على القطاع، ودمرت خلالها كل مقومات الحياة والبنية التحتية، تسببت في ظهور أمراض وعودة أمراض قديمة، مثل الأمراض الجلدية المعدية كالجرب، والكبد الوبائي، وشلل الأطفال.

ودعا الهمص، الهيئات الصحية الدولية، ومنظمة الصحة العالمية، إلى التدخل السريع وتزويد القطاع باللقاحات اللازمة، وكذلك بالأدوية والمستهلكات الطبية التي تعاني المستشفيات والمرافق الصحية من نقص حاد فيها، وتوشك على الانهيار التام في أي لحظة.