25-مارس-2019

في ثمانينات القرن الماضي، خرجت عائلة محمد شلالدة من منزلها في سعير شمال شرق الخليل، وتنقلت في عدة مناطق نصبت فيها خيامها وأطلقت أغنامها في مراعيها الواسعة، لكنها أُجبِرَت في أحيانٍ كثيرةٍ على مغادرة أراضٍ سكنت فيها، بسبب المستوطنات وتدريبات جيش الاحتلال.

والآن، على الطريق الواصل بين جامعة بيرزيت وأبو شخيدم، تعيش عائلاتٌ ينحدر أصلها من عائلة شلالدة، سكنت المنطقة التي كانت في حينها تصلح لرعي الأغنام.

عائلة شلالدة خرجت من سعير بحثًا عن المراعي والخير، فطاردها الاستيطان والجيش من منطقة لأخرى

إياد محمد شلالدة (45 عامًا) كان عمره عشرة أعوام عندما خرج مع عائلته من منزلهم في سعير، ونصبوا الخيام في منطقة شرق البلدة، إذ أن اختيار مكان السكن يكون بناءً على الأرض الواسعة الخالية من السكان، ووفرة عيون الماء، لكن المناطق التي تمتاز بهذه المواصفات تعتبر مطمعًا للاحتلال.

يقول إياد: "رحلنا لمناطق عديدة في الخليل من أجل تربية الأغنام، لكن كلها كانت قريبة على مستوطنات، أو يُنفذ فيها جيش الاحتلال تدريبات عسكرية، وفي كل مرة نختار منطقة للسكن فيها، إما نتعرض لاعتداءات المستوطنين، أو يطردنا جيش الاحتلال بحجج واهية".

يُبين إياد، أن الترحيل يمثل معاناة كبيرة، فإزالة الخيام ونقل الأغنام وكذلك المقتنيات والأغراض على الدواب تحتاج لوقتٍ وجهدٍ كبيرٍ وتستغرق شهرًا كاملاً، لكن في حالاتٍ كثيرة، ما إن تنصب العائلة خيامها، حتى يُجبرها الاحتلال على الرحيل مجددًا.

معاناة الترحيل والاستهداف لعائلة شلالدة، دفعتهم لمغادرة مدينة الخليل نحو رام الله، وهنا نصبت العائلة خيامها في مناطق شمال رام الله وشمال غربها، لكن اعتداءات المستوطنين طالتها، وقد أطلقوا -ذات مرة- الرصاص على خيام العائلة، لكن نجا إياد وأولاده بأعجوبة، وهو ما دفعه للرحيل مجددًا.

على أرض تابعة لجامعة بيرزيت، يقيم إياد شلالدة وزوجته وأولادهما التسعة منذ 25 عامًا، تعتبر تربية الأغنام مصدر دخلهم الأساسي، لكن المنطقة اليوم أصبحت مكتظة بالسكان، وهو ما يهدد بقاءهم القائم على أراضٍ تصلح للرعي.

استقرت عائلة شلالدة منذ 25 عامًا في أرض تابعة لجامعة بيرزيت، لكن وجودهم الآن أصبح مهددًا

هذا الأمر، جعل أشقاء إياد يعزفون عن تربية الأغنام ويشترون أراضٍ في قرية أبو شخيدم وبناء منازل لهم، وكذلك فعل هو، لكنه حتى اليوم لم ينتهِ من بنائه، ويفكر بالتخلي عن تربية الأغنام بعد بضع سنوات، لأنه هو من يقع على عاتقه رعي الأغنام، في حين أن أولاده توجهوا للعمل في قطاع الإنشاءات، ومنهم من يكمل تعليمه الجامعي، ولا يرغبون في تربية الأغنام.

فصل الشتاء يعتبر ميلادًا للأغنام، وفيه يكون إنتاج الحليب ومشتقاته، لذلك تكون المعاناة أصعب على إياد وزوجته في هذا الفصل، فما أن تبزغ شمس الصباح حتى تستيقظ منى شلالدة زوجة إياد وتتوجه لخيمة الأغنام التي لا تبعد بضعة أمتار عن خيمة المعيشة، وتقوم بحلب الأغنام، ثم توقظ أولادها وتعد الفطور قبل ذهابهم لمدارسهم وجامعاتهم، وتبدأ في تنظيف الخيام وترتيبها، وتُنتج "لبن المخيض" يدويًا على يديها وهو ما يحتاج لجهد كبير نظرًا لعدم توفر الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء.

أما إياد، فبالإضافة لتعبئة المياه في خزانات منازلهم في أبو شخيدم ونقله بواسطة تراكتور لخيمته، فيقع على عاتقه رعي الأغنام، إذ يتوجه بـ120 رأس غنم إلى الأراضي المجاورة، وبعد ساعات يعود للمنزل، تكون زوجته منشغلة بتحضير الغذاء، وقبيل غروب الشمس تتوجه مجددا لخيمة الأغنام لحلبها، ليكون المساء فترة استراحتها الوحيدة.

تقول منى: "فصل الشتاء صعب علينا، كل شيء نعمله بصعوبة بسبب للبرد الشديد في الخارج، ولأن الأغنام وكل ما يتعلق بها يكون خارج خيمتنا التي تعتبر دافئة لوجود تدفئة تعمل على الحطب. وفي المنخفضات الجوية تبقى الأغنام في خيمتها ويذهب زوجي لإطعامهم".

فصل الشتاء شديد الصعوبة على عائلة شلالدة التي تسكن في خيامٍ شمال رام الله

ويضيف إياد، أنه قبل حلول فصل الشتاء يُثبّت الخيام بحبالٍ قوية ويضع الحجارة على أطرافها، ويحفر قنوات مياه حول الخيمة للحيلولة دون تسرب المياه داخلها، لكن الخطورة تكمن عند هطول الثلوج التي تُهدد بسقوط الغطاء البلاستيكي، ما يضطر إياد وأولاده للخروج وإزاحته عن خيمتهم وخيمة الأغنام.

على بعد أمتار من خيام إياد، يعيش أبناء عمومته عيسى وإبراهيم شلالدة في خيامهم منذ 15 عامًا، نمط حياتهم مشابه، لكن الفارق الوحيد هو توفر الكهرباء بسبب وجود محول كهربائي يعمل على السولار، مما يسهل على زوجاتهم الكثير من أعباء المنزل، إذ يتوفر لديهم غسالة، ثلاجة، وتلفاز، وخضاضة اللبن.

سعاد شلالدة من سعير، تزوجت من إبراهيم وانتقلت للعيش في بيرزيت، فأصبحت مسؤولة عن 60 رأس غنم تقوم بحلبها وإنتاج المشتقات، وتتفرغ لمنزلها، لذلك تعتبر أن فصل الشتاء لا راحة فيه. أما فصل الصيف "فيكون وقت فراغنا فيه طويلاً، لكنه أيضًا قاسٍ علينا بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ولا سبيل لنا سوى رفع الغطاء البلاستيكي من جهة واحدة" كما قالت.

وأضافت، "في أول سنة لنا في الخيام، دخلت مياه الأمطار للخيمة من الأرض، لكننا حللنا المشكلة فيما بعد، ووضعنا الباطون حول الخيمة".

الطفلة سماح (16 عامًا) من أطفال العائلة، تُضطر يوميًا لقطع مسافة تُقارب 2 كم مشيًا على الأقدام للوصول إلى مدرستها في أبو قش، وتزداد معاناتها في فصل الشتاء عند هطول الأمطر لأن طريق ذهابها يكون صعودًا.


اقرأ/ي أيضًا: 

عائلات على خط النار.. "رعبٌ وحذر"

نساء "جبل الطول" في مرمى الرصاص والتهجير والاستيطان

صور | شوقية.. امرأة في وجه الاحتلال