18-نوفمبر-2024
عزمي بشارة

(alarabytv) من مقابلة المفكر العربي عزمي بشارة مع التلفزيون العربي مساء الأحد

أكّد المفكّر العربيّ مدير عامّ المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، عزمي بشارة، أنّ "علينا التحضير للأسوأ على صعيد القضيّة الفلسطينيّة، مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض"، مشيرًا إلى أنّه "من غير المستبعد استئناف ترامب على صفقة القرن (صفقة ترامب- نتنياهو)، وهي عقليّة الأذرع جميعها الّتي سوف تستخدمها إدارة ترامب في المنطقة".

جاء ما سبق، خلال مقابلة للمفكّر العربيّ مدير عامّ المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، عزمي بشارة، مع التلفزيون العربيّ، مساء يوم الأحد، الّتي تناولت الانتخابات الأميركيّة وفوز دونالد ترامب، بالإضافة إلى قراءة في النتائج والأثر داخل أميركا، وتطرّقت إلى تداعيات فوز ترامب على القضيّة الفلسطينيّة والمنطقة والعالم.

عزمي بشارة: فترة ترامب الأولى تجاه القضية الفلسطينية، كانت في منتهى السوء؛ لأنّها غيّرت قواعد اللعبة، أي لم تكن سيّئة بالكم بل بالنوع، أي أدّت إلى تغيير نوعي، المشكلة أنّ بايدن لم يراجع هذا السلوك، بل اعتبرها إنجازات، واستكمل العمل عليها، وواصل هذا الطريق

وردًّا على سؤال "امتلاك الرئيس الأميركيّ مطلق الصلاحيّات في السياسة الخارجيّة"، قال بشارة، إنّ "الإجابة هي نعم، صاحب القرار في السياسة الخارجيّة هو الرئيس، يتأثّر في لوبيّات ومصالح ومؤسّسات، ولكن ضمن خيارات ما تتيحه مصالح الولايات المتّحدة، فإنّ صاحب القرار في السياسة الخارجيّة هو الرئيس. ولكن في حالة ترامب المجال الأوسع؛ لأنّه محاط في رجال يوالونه، وهناك مزاج بكونه اجتاز العوائق كلّها في الوصول إلى البيت الأبيض، وهناك شعور أنّه جاء بتفويض قويّ، رغم أنّ شعبيّته لم تتجاوز حدود المعسكرات، ولكن لديه أجندة أعلنها بجلاء وحاز على أغلبيّة على أساسها، وهي ’أميركا أوّلًا’، و’سياسة تعتمد على عقليّة الصفقات التجاريّة’، أي الربح والخسارة، دون الالتزام بالسياسات الليبراليّة، ومحاط بمستشارين متحمّسين لهذه السياسة، خلافًا للمرّة السابقة، إذ من كان حوله من الخلفيّة التقليديّة، ومع ذلك نفّذ أجندات لم يعتقد أحد أنّها ستنفّذ، مثل الاعتراف في ضمّ القدس والجولان وإلغاء مكتب تمثيل منظّمة التحرير في واشنطن، ووقف تمويل الأونروا، والضغط على الدول العربيّة للتطبيع مع إسرائيل بدون مقابل".

وتابع بشارة ارتباطًا في النقطة السابقة، قائلًا: "هذا النوع من السياسات، اتّخذه في فترة لم يكن بنفس القوّة مثلما يحصل اليوم، ولذلك المتوقّع تنفيذ أجندته بدرجة أكبر من السابق، وكلّ من يقول إنه سيكون أكثر اعتدالًا، من غير المعروف على ماذا يُبنى هذا التحليل، فالماضي تكلّم ترامب وفعل ولماذا نعتقد أنّه لن يفعل؟ الآن لديه تجربة، ويعين على أساس الولاء، ولماذا لا ينفّذ ما يقول؟ حتّى لو خصمنا من كلامه كلّ الجزء الدعائيّ، تبقّى هناك نواة صلبة من الأمور الّتي يريد تنفيذها، وسيكون هو المقرّر". وحول سياسة ترامب الخارجيّة، أوضح بشارة: "بالمجمل يجب أن ننطلق من أنّ لديه برنامجًا ويريد تنفيذه".

وعن تعيينات ترامب الأولى، مثل السفير الأميركيّ في إسرائيل مايك هاكابي، وردًّا على سؤال "هل هذا يعطي انطباعًا بأن نتحضّر للأسوأ بما يخصّ القضيّة الفلسطينيّة"، قال بشارة: "بالتّأكيد، فترته الأولى كانت في منتهى السوء؛ لأنّها غيّرت قواعد اللعبة، أي لم تكن سيّئة بالكم بل بالنوع، أي أدّت إلى تغيير نوعي، مثل دفعه إلى كون القضيّة الفلسطينيّة ليست مهمّة للتطبيع مع إسرائيل، والعرب يجب أن يصنعوا السلام مع إسرائيل بعيدًا عن قضيّة فلسطين".

واستمرّ بشارة في الحديث عن فترة ترامب الأولى، قائلًا: "ما حصل كان تغيّرًا في جوهر الموقف من قضيّة فلسطين، والمشكلة أنّ بايدن لم يراجع هذا السلوك، بل اعتبرها إنجازات، واستكمل العمل عليها، وواصل هذا الطريق".

وواصل بشارة استشراف مرحلة ترامب، بالقول: "الآن ترامب سيجدّد أكثر، إذ رأى أنّ هذه الأمور مرّت فإنّه سيستمرّ"، مضيفًا أنّ "تعيين هاكابي، ارتبط في تعيين وزير الخارجيّة وغيره من المنصب المهمّة"، مشيرًا إلى أنّ "الاهتمام بإسرائيل إلى هذا الحدّ مؤشّر، وهو رسالة إلى بعض الحلفاء في الولايات المتّحدة، ممّن دعموه في حملته الانتخابيّة، والسفير المقبل في إسرائيل، هو إسرائيليّ أكثر من الإسرائيليّين، ومستوطن أكثر من المستوطنين، وصهيونيّ أكثر من الصهاينة، وتعيين سفير من هذا النوع هو مؤشّر إلى أين يتّجه ترامب في العلاقة مع إسرائيل، وكذا تعيين السفير الإسرائيليّ في أميركا، الّذي كان عضوًا في حركة كاهانا، يظهر تغيّرًا كاملًا في أمور نظر إليها كمسلّمات، مثل أنّ قضيّة الاستيطان تعدّ عقبة أمام السلام".

وحول ضمّ الضفّة الغربيّة، قال بشارة: "هناك متطرّفون في إسرائيل، من أمثال سموتريتش وبن غفير يتحدّثون عن الاستيطان في غزّة، وليس فقط ضمّ الضفّة، وسموتريتش كتب مقالات عن هذا الأمر ولديه برنامج متكامل، لكنّ هذا تيّار هامشيّ في إسرائيل"، لكنّه أوضح، أنّ "ضمّ الكتل الاستيطانيّة وغور الأردنّ -والأخير أضيف في صفقة ترامب نتنياهو/صفقة القرن- يعتبر أمرًا واقعيًّا في إسرائيل، وهذا أمر قد ينفّذ، وإذا أقدمت إسرائيل على هكذا خطوات قد يعترف بها ترامب"، ونبّه إلى هذه النقطة، بالقول: "هذا خطر ممكن ووارد وأحذر منه، لكنّ المشكلة أنّ الدول العربيّة المؤثّرة، لم تضع أيّ تحذيرات خلال حرب غزّة، ولم تفعل أيّ شيء عند الاعتراف بضمّ القدس، وأنبّه إلى أنّ من يريد العمل لمقاومة هذا الخيار؛ لأنّه أمر متوقّع وواقعيّ، إذ إنّ صفقة القرن صياغة أميركيّة إسرائيليّة، وتعتمد على خطاب الحركات الصهيونيّة الدينيّة، وتفسيراتها للصراع، ولماذا نستبعد أن ينطلق ترامب منها؟ هذه صفقته، واعتبرها أمر عظيم حين كتبت وأعلنت".

وأكّد بشارة أنّه "من غير المستبعد استئناف ترامب على صفقة القرن، وهي عقليّة الأذرع جميعها الّتي سوف تستخدمها إدارة ترامب في المنطقة، أي السفير وزارة الخارجيّة ومستشار الأمن القوميّ ومبعوث الشرق الأوسط"، وتساءل بشارة: "لماذا نستبعد أن يتّجه بهذا الاتّجاه؟ خاصّة بعد الضربة الكبيرة، في الضفّة الغربيّة والتعاون المحكم بين الجيش والمستوطنين، وحرب الإبادة المستمرّة في قطاع غزّة".

وردًّا على سؤال، "تناقض خطط ترامب، مع خطط توسيع التطبيع في المنطقة"، قال المفكّر العربيّ: "بلغة الأخلاق، يفترض أن تتناقض مع عمليّة التطبيع، وهذا يجب أن يقوله أصحاب الشأن، أي هل من الممكن تجاهل كلّ هذه الدماء، وكلّ ما فعلته إسرائيل والوقوف على كلّ هذا الركام، ومصافحة نتنياهو، الّذي يواجه قضايا جرائم الحرب، وإسرائيل الّتي تواجه دعوى الإبادة الجماعيّة، ومن دون حقوق الشعب الفلسطينيّ، ومن يخاطبهم ترامب للتطبيع يجب عليهم الإجابة".

وأضاف بشارة: "هل هذه الدولة المارقة ستكون جزءًا من اتّفاقيّات سلام، وتدمج في المنطقة، على هذا الركّام والخرائب، دون تحقيق حقوق الشعب الفلسطينيّ؟"، وحول اشتراط وجود مسار للدولة الفلسطينيّة مقابل التطبيع، قال بشارة: إنّ هناك اشتراطًا بوقف الحرب على غزّة ومسار نحو الدول الفلسطينيّة، والأمران لا يكفيان. موضّحًا: أنّ "وقف الحرب في غزّة دون إعادة إعمار شاملة وسريعة وكاملة تعني التهجير"، أمّا عن المسار نحو دولة، فهذه نشهده منذ عام 1993، ولم يتحقّق أيّ شيء، كما أنّ تسمية الدولة يمكن إطلاقها على أيّ شيء.

وقال إنّ إعادة الإعمار في غزّة، مطلب ملح وضروريّ، وهو الحدّ الأدنى، مع حاضنة عربيّة لهذا الأمر، لأنّ العرب لم يقوموا في دورهم بهذه الحرب، خاصّة أنّ المخاطر واضحة جدًّا، إذ أنّ مخاطر سياسة الصفقات الترامبيّة، ستضرّ بالعرب أيضًا.

عزمي بشارة: إسرائيل تستمرّ الحرب، ليس لأنّ لديهم أهدافًا إضافيّة يريدون تحقيقها، رغم وجود جيوب مقاومة بطوليّة وأسطوريّة بعد عام وشهر من القصف الوحشيّ، ولكنّ السبب الرئيسيّ لعدم وقف الحرب في غزّة؛ لأنّ البديل السياسيّ المطلوب إسرائيليًّا غير جاهز

وكرّر بشارة التحذير، من أنّ ترامب سيعمل على الاستفراد بالدول العربيّة إذا لم تواجه سياساته بشكل جماعيّ، وقال إنّ مصلحة الدول العربيّة هي في التكتّل للضغط على إدارة ترامب لإيجاد حلّ عادل لقضيّة فلسطين. وأضاف: "إذا طبّق ترامب تصوّراته بشأن غزّة والضفّة، فإنّ مصر والأردنّ سيكونان من أهمّ المتضرّرين، في ظلّ خشية موجودة فعلًا على نتائج ذلك لناحية عدم الاستقرار فيهما".

وحول نهاية حرب غزّة، أوضح المفكّر العربيّ، إنّ "نهاية الحرب في غزّة تقترب على كلّ حال، لأنّه لم يبق شيء في غزّة". مشيرًا إلى أنّ "إسرائيل تستمرّ الحرب، ليس لأنّ لديهم أهدافًا إضافيّة يريدون تحقيقها، رغم وجود جيوب مقاومة بطوليّة وأسطوريّة بعد عام وشهر من القصف الوحشيّ، ولكنّ السبب الرئيسيّ لعدم وقف الحرب في غزّة؛ لأنّ البديل السياسيّ المطلوب إسرائيليًّا غير جاهز، ولم يوجد حتّى الآن شريك للتصوّر الإسرائيليّ الّذي يريد أن يفكّك القضيّة الفلسطينيّة تمامًا، من منطلقات أمنيّة، بوجود إدارة بإشراف عربيّ أو دوليّ، والمهمّ أن يكون الإشراف صديقًا لإسرائيل، بحيث تكون نتساريم منطقة إداريّة موسّعة تبقى فيها إسرائيل لعدّة سنوات، ولكن لا يوجد أيّ شريك حتّى الآن للتصوّر الإسرائيليّ، الّذي ينبع من منظور أمنيّ إسرائيل، وتستمرّ إسرائيل؛ لأنّه لا يوجد بديل سياسيّ، ولا تقبل في عودة السلطة الفلسطينيّة والانسحاب الإسرائيليّ من غزّة، إذ إنّ إسرائيل لا تقبل بذلك، والولايات المتّحدة لا تضغط عليها في هذا السياق، ولا الدول العربيّة، وهذا هو جوهر الخلاف بين نتنياهو وغالانت". متابعًا القول: إنّ "الأمر نفسه ينطبق على لبنان أيضًا، حيث يستمرّون في الحرب؛ لأنّ شروطهم لم تقبل بعد، علمًا أنّهم يعتبرون أنّه من ناحية الإنجازات العسكريّة وجّهوا ضربة مؤلمة لحزب اللّه وحجموه، من ناحيتهم، ولو أنّ المقاومة لا تزال مستمرّة وبطوليّة".

وفي سؤال أخير، ردًّا على "هل الأرضيّة مهيّأة لمصطلح رسم الشرق الأوسط الجديد"، اعتبر بشارة أنّ الشرق الأوسط الجديد يرسم منذ كامب ديفيد وأوسلو، متابعًا: "عمليّة رسم الشرق الأوسط الجديد قائمة ومستمرّة ونعيشها، وكذلك مقاومتها جارية، لكن ليس بالقدر الكافي".

العرب يحتاجون إلى قرار استراتيجيّ في أميركا

وحول الانتخابات الأميركيّة، قال بشارة، إنّ من بين أسباب عودة ترامب للبيت الأبيض، الّتي لم تبحث كثيرًا، هي كون غالبيّة العوامل الّتي أدّت إلى فوز ترامب في الانتخابات، لم تختلف كثيرًا عن عام 2016، أي نفس الخطاب الشعبويّ الّذي يخاطب قضايا الهويّة والجزء المحافظ في المجتمع الأميركيّ و"الجزء الّذي يخشى على هويّة الولايات المتّحدة"، وهو الغالبيّة البيضاء الّتي تخشى من "أنّ الوطن يسحب من تحت أقدامها"، وصعود الخطاب الليبراليّ المتطرّف، الّذي لا يراعي مشاعر الأغلبيّة في قضيّة قيم العائلة الأميركيّة ونمط الحياة الأميركيّة، والقضايا التقليديّة، ومخاطبة القيم الأميركيّة المزعومة بقيم النجاح والقوّة والربح.

وأوضح بشارة، أنّ الفارق عن انتخابات عام 2016، يرتبط في زيادة الاستقطاب؛ ومن ثمّ الاستنفار في المعسكر اليمينيّ صار أكبر، قائلًا: "لم يحصل انتقال جدّيّ ولا غير جدّيّ أو هامشيّ من معسكر إلى آخر، ما حصل أنّ معسكر اليمين استنفر أكثر، أمّا المعسكر الليبراليّ حصل فيه نكوص، نتيجة ملابسات انتخاب هاريس، والتعب من فترة بايدن، أيّ انخفاض في نسبة التصويت عند الحزب الديمقراطيّ، وارتفاع في نسبة التصويت بالأوساط نفسها الّتي صوّتت بالماضي لترامب"، مشيرًا إلى أنّ 3-4% تغيّر الصورة كلّها.

وأشار إلى أنّ عدم التصويت في الانتخابات الأميركيّة، حصل، بسبب عدم وجود انتخابات تمهيديّة داخل الحزب الديمقراطيّ للمرشّح الرئاسيّ، والتعب من كلّ قضيّة بايدن واستبداله، ولكنّ السبب الأعمق، وخاصّة لدى يسار الحزب الديمقراطيّ، عدم وضوح الفرق بين سياسة بايدن وفترة ترامب، على المستوى الخارجيّ والداخليّ. وتابع: "يمكن القول: لم يكن هناك استنفار أو حماس في المعسكر الليبراليّ، من النوع الّذي وجد في المعسكر الآخر، أي الاستنفار الّذي أحدّثه ترامب، مستغلًّا أيضًا قضيّة الاغتيال".

وأوضح بشارة، أنّ دعايات ترامب، الّتي كان لها أكبر فعل على الجمهور الأميركيّ، ارتبطت في قضايا يفترض أن تكون هامشيّة، لكنّ بعض مؤيّدي الصواب السياسيّ، على هوامش التيّار الليبراليّ، جعلوها قضيّة أساسيّة.

photo_2024-11-18_02-26-50.jpg

وأكّد أنّ ترامب ليس شخصيّة شعبيّة في أميركا، إذ لم يتجاوز استقطاب المعسكرات داخل الولايات المتّحدة، أي لم يحصل على شعبيّة عابرة للمعسكرات، أي يوجد له معسكر متعصّب له، وآخر يكرهه تمامًا. مشيرًا إلى أنّ "صفاته الذهنيّة والنفسيّة والأخلاقيّة معروفة، لكنّ الناس لا تصوّت لها بسببها، لذلك لم يربح كثيرًا من التركيز على شخصيّة ترامب، بلعكس حصل استنفار في معسكره".

أمّا عن "ترشيح شخصيّة بيضاء في مواجهة ترامب وإمكانيّة تغيّر النتيجة"، قال بشارة: "عادة ما تنافس في الانتخابات مع رجال بيض"، ولا يوجد ضمان بهذه الإمكانيّة، وليس بالضرورة حدوث ذلك، وقال: "الكثير ممّن لم يصوّتوا لهاريس، لأنّها امرأة وسوداء، لكنّ هذا لا يقول إنّ أيّ مرشّح أبيض مكانها، كان سيربح الانتخابات"، موضّحًا: أنّ "عامل الهويّة الإثنيّة لعب دورًا أساسيًّا في الانتخابات الأميركيّة، ولكنّ كلّ الحديث عن هوامش في الانتخابات".

وحول التشديد على أنّ التصويت يجب أن يكون على الهويّة بشكل محض، قال المفكّر العربيّ: إنّ "الكثير يرفضون هذا الكلام، ويصوّتون لأسباب مختلفة". موضّحًا أنّ "جماعات الهويّة لعبت دورًا رئيسيًّا في الانتخابات، ويمكن النظر الفرق بين التصويت في الرجال البيض والسود، والنساء البيض والسود، أو فوارق التصويت بين أغلبيّة ممّن حصلوا على تعليم عال ومن لم يحصل". وتابع بشارة أنّ "هذه المسألة، تؤكّد على أنّ الاندماج لم يحصل فقط على أساس المواطنة، بمعنى أنّ تعامل الدولة مع الفرد كمواطن، ولكنّ سلوك الناس ليس بالضرورة مشتقًّا من كونهم مواطنين، وعامل الهويّة يلعب دورًا أساسيًّا".

وعن شعبيّة ترامب، رفض مدير عامّ المركز العربيّ للأبحاث والسياسات، الحديث عن استثنائيّة خطاب ترامب، قائلًا: إنّ "الكثير ممّا يخاطب به ترامب ويقوله، ليس غريبًا عن الولايات المتّحدة، وهناك أوساط واسعة تؤمن أنّ هويّة أميركا الأصليّة بيضاء، والبعض يضيف أنّها بروتستانتيّة، وهناك مؤامرة لتغيير ذلك، وهذا تيّار موجود، ولكن وجد في ترامب رمزًا له، متخطّيًا حدود الحرج والخجل تمامًا، ولا يخشى أن يقول ما يشعر به الآخرون، ويخجلون من قوله، وهذا أحد أهمّ أسباب قوّته، أيّ مخاطبة غرائز الناس ومخاوفهم، مثل قيم العائلة والضرائب واعتبارها نوعًا من السرقة والفقر نوعًا من الكسل ومنع جباية الدولة لها، واستقلاليّة الولايات في قضايا التربية والتعليم"، موضّحًا: "هذه مواقف موجودة في الولايات المتّحدة، وهي الأصل في السياسة الأميركيّة"، مشيرًا إلى أنّ التغيير حدث النصف الثاني من القرن العشرين، على مستوى دولة الرفاه، والضرائب، والحكم المركزيّ وقدرته على فرض القوانين، إذ إن الانعزاليّة الأميركيّة، كسرت في الحرب العالميّة الأولى، وثمّ الحرب العالميّة الثانية، وبعدها أصبحت الولايات المتّحدة تتصرّف كدولة عظمى، وهذه كلّها أمور جديدة، أي أنّ الولايات المتّحدة كانت انعزاليّة سابقًا، على مستوى السياسة الدوليّة والاقتصاد والتجارة الخارجيّة، والانفتاح الاقتصاديّ لم يحدث إلّا بعد كساد الثلاثينات.

ولفت إلى أن دعم التيّار المحافظ لترامب، يرتبط بالرغبة في العودة إلى "ما يعتبرونه قيم الدستور الأميركيّ، أي تفسيرهم للدستور، لكنّ ترامب ليس أحدهم، فهو انتهازيّ ورجل أعمال ومتعطّش للسلطة، ومحاط بأوساط تشبهه، معادية للنخب، والمعادين للمؤسّسات الدوليّة، والمعادين للّعب الولايات المتّحدة أدورًا مثل نشر حقوق الإنسان أو الالتزام بها، بالإضافة إلى العلاقات مع الأنظمة الدكتاتوريّة في العالم، وهناك نمط من الطفيليّين والأغنياء الجدد، الّذين نموا في تطوير العقارات وليس الإنتاج، وهم يؤمنون في هذه المبادئ، والتقوا مع الّذين يؤمنون في طبيعة أميركا القديمة، وهي موجودة من قبل ترامب، وخسرت المعركة في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي الآن تستعيد أمجادها في ظلّ ترامب". مضيفًا: "لكن هناك أمورًا أنجزت من الصعب مراجعتها".

أمّا عن فرضيّة حدوث تحوّل في المجتمع الأميركيّ، قال صاحب كتاب "في الإجابة عن سؤال: ما الشعبويّة؟"، إنّ التحوّل قياسًا في نهاية القرن العشرين، كما أنّ التحوّل لم يطاول المدن الرئيسيّة حتّى الآن، والتحوّل يرتبط في المقاطعات والريف، والتحوّل بعودة هذه الفئات إلى فعّاليّتها، قائلًا: إنّ "شعار جعل أميركًا عظيمة من جديد، يعني استعادة العظمة البيضاء، أو كما عرفتها هذه الفئات، وغالبيّة دعم ترامب، يأتي من خارج المدن، وهناك استنفروا، لكنّ عددهم لم يرتفع، وإذا لم يستغلّ ترامب فترته لتحقيق تحوّلات بنيويّة، ستكون فترة صعبة وتمضي، لكنّ تقديري هذه فترة خطيرة، لأنّها سوف تُستغلّ تمامًا لصنع تغيّرات حقيقة على مستوى التربية والتعليم والثقافة السائدة والضرائب، والأهمّ أنّ كلّ المؤسّسات الّتي ستعارض ترامب انسدّت -الكونغرس بمجلسيه في يده شخصيًّا والمحكمة العليا- ولن يكون أمام القوى المعارضة سوى الشارع، وستحصل معارضة قويّة مكانها الفضاء العامّ".

وتطرّق بشارة إلى قضيّة السياسة الخارجيّة، مشيرًا إلى أنّها لم تكنّ حاضرة ضمن القضايا الأساسيّة في أولويّات الانتخابات، إذ اعتبر السياسة الخارجيّة قضيّة أساسيّة 4%، قائلًا إنّ "قضيّة السياسة الخارجيّة، لم تكن قضيّة أساسيّة، وقد تكون سياسة بايدن الخارجيّة، أدّت إلى إحباط بين فئات من الحزب الديمقراطيّ، واحتجّت بعدم التصويت، ولم تكن متحمّسة بالتصويت له".

وأشار صاحب كتاب "في المسألة العربيّة: مقدّمة لبيان ديمقراطيّ عربيّ"، إلى أنّ الصوت العربيّ في الانتخابات الأميركيّة لم يكن مؤثّرًا، إذ كان بإمكان ترامب الفوز بدون ولاية ميشيغان. موضّحًا: "المسلمون والعرب لم يصلوا إلى درجة اتّخاذ قرارات استراتيجيّة بعيدة مدى، لأنّهم لم ينتظموا بعد على أساس قضاياهم هم، أي أنّ غالبيّتهم الساحقة يجب أن تتّخذ قرارًا على مستوى الولايات المتّحدة، بهدف التأثير السياسات، وعمومًا غالبيّة الأقلّيّات تتّجه للحزب الديمقراطيّ، لأنّه المكان الّذي يستطيعون التأثير فيه، بمعزل عن الأسماء".

عزمي بشارة: ضمّ الكتل الاستيطانيّة وغور الأردنّ -والأخير أضيف في صفقة ترامب نتنياهو/صفقة القرن- يعتبر أمرًا واقعيًّا في إسرائيل، وهذا أمر قد ينفّذ، وإذا أقدمت إسرائيل على هكذا خطوات قد يعترف بها ترامب

وأوضح بشارة، أنّ هناك قسمًا واهمًا، يعتقد أنّ ترامب يحافظ على قيم العائلة، وهذه ليس حقيقًا، وليس "مهتمًّا بها، ولكنّه يخاطب مخاوف الناس"، مضيفًا: "هناك موقف عنصريّ حقيقيّ داخل الحزب الجمهوريّ، من المسلمين والعرب، وهذا يجب أن نراه".

أمّا حول سياسة بايدن تجاه فلسطين وتأثيرها على الانتخابات، قال بشارة إنّ "سياسة الحزب الديمقراطيّ، تجاه فلسطين سيّئة جدًّا، وتجاه حرب غزّة بالغة السوء، ومن المتفهّم كلّ من لم يتمكّن التصويت له ضميريًا، لكن نتحدّث على أساس استراتيجيّ، وعلى المدى البعيد، بهدف التأثير".