02-أبريل-2017

من أجل التأكيد على الارتباط الفكري بالدكتور عزمي بشارة والاحتفاء به وبأفكاره ومنجزاته، عقد التجمع الوطني الديمقراطي وثلة من المثقفين والسياسيين والأكاديميين، السبت (2 نيسان/ ابريل)، يومًا دراسيًا مطولًا، في الذكرى العاشرة لخروج د. بشارة للمنفى.

اللقاء سلّط الضوء على مساهمات عزمي بشارة الفكرية، السياسية والثقافية، وعلى مساهمته النوعية في التجربة الكفاحية لفلسطيني الداخل

وهدف هذا اللقاء إلى تسليط الضوء على مساهمات عزمي بشارة الفكرية، السياسية والثقافية، والتي أنتجها على امتداد عقود من الزمان، وبالتأكيد، على مساهمته النوعية في التجربة الكفاحية لفلسطيني الداخل، وعلى دوره الريادي والطلائعي في ترسيخ قيم الحرية والديمقراطية، ليس فقط لفلسطيني الداخل، إنما للأمة والشعوب العربية.

بالإضافة إلى أهمية تعريف "أجيال ما بعد المنفى" بهذا الدور، والسياق الذي نبعت منه الأفكار والأطروحات التي طرحها بشارة، والتدافع في الأفكار التي خاضه من أجل تطويرها دومًا.

عشرة أعوام على المنفى، أو لحظة الحسم التي اختار بشارة توقيتها قبل أن تختارها المؤسسة الإسرائيلية، حين بات جليًا ما تحضّر له المستويات السياسية والأمنيّة الإسرائيلية ضد بشارة، فاختار هو، بتوقيته وإيقاعه، أن يفاجئ المؤسسة ويخرج إلى المنفى قبل أن تفاجئه هي بالسجن.

المنفى، الذي دفعه عزمي بشارة ثمن مواقفه الوطنية، المتحديّة والتي أكّد المشاركون في اليوم الدراسي، أنها عرت الصهيونية من زيف ادعاءاتها بالديمقراطية وفضح ديمقراطيتها الموبوءة، عشرة أعوام سبقتها ملاحقة يومية لبشارة الشخص والفكر، عشر أعوام تلتها ملاحقة يومية لمشروع خاطب الناس وحاجاتهم المدنية وتطلعاتهم الوطنية والقومية كان بشارة أحد مؤسسية المركزيين.

أرادوا عزمي بشارة أن يكون سجينًا بين أيديهم، يستدعونه للتحقيق متى رغبوا أو شاءوا، لكّنه كان يريد أن يكون حرًا في إيقاعه، كما قال بعيد استقالته أثناء لقاء على قناة الجزيرة في العام 2007، وهذا ما كان، فشهد المنفى غزارة فكرية وسيولة إنتاجيّة ضخمة لم تتوقف عن قض مضاجع نظام الأبرتهايد الصهيوني، ما زاد أهمية تناول هذه الإنتاجات والمساهمات وإعادتها إلى مركز اهتماماتنا ووضعها على طاولة النقاش وتداولها من جديد والتي قد تشكل رافعة نحو فهم التحديات الجديدة التي تواجهنا كشعب بهدف تجديد وتطوير خطابنا الفكري والسياسي والاجتماعي، مع الأخذ بالحسبان جميع المستجدات على المستوى الفلسطيني والعربي والعالمي.

تخلل هذا اليوم الدراسي، أو "التظاهرة الفكريّة" 3 لقاءات مركزية:

اللقاء الأول: المواطنة الوطنية

شارك فيها الباحث الدكتور مهند مصطفى، المحاضر في جامعة حيفا د. أيمن إغبارية، الباحثة عرين هواري والقائد في التجمع الوطني الديمقراطي، د. باسل غطاس. وأجمع المتحدثون على دور ومساهمة الدكتور عزمي بشارة النوعية في دراسة هذه الجدلية المرتبطة بالمواطنة والوطنية في سياق نظام استعماري، ودوره في جعل مسألة المواطنة أكبر تحدٍ ديمقراطي أمام إسرائيل، والتي تجلت مع طرح دولة المواطنين الذي قاده بشارة إبان تأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، إضافة لمساهمته في تفكيك التناقضات الجدلية في مسألة الربط بين القومي والمدني ودور الحزب السياسي في حل هذا التناقض من جهة وفِي الحفاظ على البوصلة التي تحافظ على المعايير الوطنية وتمنع تشويهات الهوية القومية بخضم السعي لتحقيق المساواة المدنية ضمن دولة المواطنين من جهة أخرى.

إضافة إلى ذلك، أكد المتحدثون على إن الإنتاج البحثي والفكري للدكتور بشارة، "يشكّل، اليوم، مساهمة معرفية، سياسيّة وأخلاقيّة، وتاريخيّة هامّة في الفكر العربي المعاصر حول الثورة والإصلاح، الديمقراطيّة والمواطنة، الدين والدولة التراث والحداثة، وغيرها، ممّن لا يمكن للباحث الجاد تجاوزها، قراءةً، بحثًا أو نقدًا، ليس كمقولات فكرية وبحثيّة تسعى إلى فهم ومقاربة المرحلة الحاليّة، بل كمقولات ساهمت في التأثير على صيرورتها، أيضًا" بحسب تعبير د. مصطفى.

المحور الثاني: المثقف وفضاؤنا العربي

شارك فيه، الكاتب والصحافي أنطوان شلحت، الكاتب والباحث علي حبيب الله، الكاتب الباحث السياسي د. ثائر أبو صالح.

انطلاقًا من كون بشارة وطنيًا فلسطينًا وذا انتماء عربي، والتي لم يرَ من خلالها أن فلسطينيي الداخل يشكلون أقلية يومًا إنما جزءًا من أغلبية، باعتبارهم امتدادًا للشعوب العربية المجاورة، ينتمي لهذا الشعب تاريخًا وفكرًا وحضارة، ما دفع إلى امتداد فكره إلى كل المدن والعواصم العربية، وهي بدورها احتضنته وجعلت منه منارة فكرية ذات شعبية واسعة، ما ساهم في انفتاح الفلسطينيين في الداخل لمحيطهم العربي والعكس كذلك. تجلت مساهمات بشارة قبل الثورات، خلالها ومن ثم بعدها، التي انحاز من خلالها إلى الشعوب ضد الاستبداد طارحًا الديمقراطية كالمشروع السياسي البديل للأنظمة الاستبدادية.

وفي هذا السياق الإشكالي، أكّد حبيب الله أن "السياق العربي هو الذي جعل من عزمي بشارة مثقفًا إشكاليًا، ولكن هو الذي ميّز بشارة منذ مراحل تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي الأولى في التسعينيات ودوره في العمل بالمجال السياسي، بالإضافة إلى أمرين ميزا بشارة، هما أنه مثقف تورط تورطًا مباشرًا في العمل السياسي، وهذا التورط هو الذي جعل منه مثقفا إشكاليا".

المحور الثالث: تحديات الخطاب والميدان

شارك فيه، النائب عن التجمع حنين زعبي، ونائب الحركة الإسلامية د. منصور عباس، والبروفيسور نديم روحانا . ركز هذا اللقاء الفكري على دور بشارة المثقف وتشابكه مع دور عزمي بشارة السياسي في ربط تحديات الخطاب النظري والدور العملي التطبيقي على الميدان، أي الربط بين الجانب الفكري والجانب السياسي، الذي ولَّدَ، في النهاية، مشروع التجمع في خضم موجات الأسرلة الجارفة ونتائج أوسلو الوخيمة التي جعلت منا، أي فلسطيني الداخل، شأنًا إسرائيليًا، ما سهّل الاستفراد بنا وصرنا عرضة أكثر إلى مخططات التعايش والاندماج ثم الانسلاخ عن هويتنا الوطنية والقومية، وهي ظروف دفعت بشارة مع مجموعة من الوطنيين إلى أخذ مصائرهم بأيديهم ودفعهم إلى تأسيس التجمع.

وهو ما عرضت له زعبي، قائلة إن "المشروع الفكري السياسي لبشارة هو نجاح عبقري في الخروج من مصيدة منهُزِمَ وما زال أسير المنتصر. من هُزم، ومن تستطيع إسرائيل، لامتلاكها أرضه ومواشيه ومؤسساته ومدارسه، أن تعيد إنتاج هزيمته، التسليم بهزيمته، والإعجاب بقامعه، كل يوم من جديد"، وأردفت "عادةً، التنظير السياسي مهم للسياسة. لكن التنظير السياسي حاسم عندنا، ولا يستطيع أي مشروع سياسي أن يقام".

ومع أهمية ما عرضه وقدمه هذا اللقاء، لكنه بالمقابل يضعنا أمام أسئلة كثيرة وكبيرة، جزء أبقاه بشارة مفتوحًا لنا، جزء آخر تستحضره التحديات التي نشأت بعد خروج بشارة إلى المنفى وجزء آخر قد يتطلب منا مراجعة لإمكانية تطبيقه أو قد تكون الحاجة إلى تطويره وملائمته مع الواقع المتغير. فعلينا أن نطرح بجرأة ومسؤولية على أنفسنا الأسئلة الصعبة، ماذا طورنا بعد خروج بشارة للمنفى؟ كيف تعاملنا مع هذا الإرث الفكري والقيمي؟ ماذا حققنا؟ وعن ماذا تنازلنا؟ ففي النظر إلى مشروعنا الوطني الفلسطيني فهو غائب عن وعي وهمّ الناس ويعاني حالة من الانسداد وفقدان الاتجاه، والحركة الوطنية في تراجع كبير، انعدام أفق سياسي بكل ما يخص القضية الفلسطينية واستمرار الانقسام، وموت حل الدولتين، واستفحال في المد الاستيطاني، قوانين فاشية تسن يوميًا، مُستعمر يزداد فتكًا وشراسة، كل هذا يؤكد أننا أمام واقع جديد يتطلب منا مراجعة جدية ونقدية، فالظروف السياسية التي نشأ فيها هذا المشروع الفكري والسياسي(التجمع) تغيرت، والتحديات التي نوجهها تبدلت وتأزمت وأخذت طابعًا مختلفًا وتأتي في ظروف وسياقات مختلفة، كل هذا يؤكد حاجتنا إلى تطوير ما جاء به بشارة على المستوى الفكري والسياسي، على أن نحافظ على ذات المنطلقات الأخلاقية والإنسانية، وإلى حاجتنا إلى تناول هذه المساهمات الفكرية نحو تجديد وتقوية الحركة الوطنية من خلال أخذها دورها الحقيقي في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني وإعادة الهيبة والاعتبار لها.

 


اقرأ/ي أيضًا:

"راجع".. عن عزمي بشارة وسنوات المنفى العشر

إعلام إسرائيل الحاقد على عزمي بشارة

استهداف "التجمّع": ما قبله وما بعده