ما تزال ظلال الانقسام تلقي بثقلها على الفلسطينيين منذ ما يقارب عقدًا من الزمن، بين حركة فتح، حامية المشروع الوطني، وحركة حماس، حامية المشروع المقاوم، فاعتبرت هذه الفترة أنها صفحة من صفحات العار في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، وثمة من وصفها بالكارثة الحقيقية والنكبة الجديدة التي حلت بالشعب الفلسطيني، فالصراع على السلطة بين الحركتين أدخل القضية والشعب الفلسطيني، وأدخلهما هما أيضًا، إلى نفق مظلم كلما حاولوا الخروج منه مرة أعيدوا إليه مرة أخرى.
الصراع على السلطة بين فتح وحماس أدخل القضية والشعب الفلسطيني، وأدخلهما هما أيضًا، إلى نفق مظلم
في 2006، كان الممهد لانفجار معالم الانقسام المضمر سابقًا، والذي ظهرت تجلياته عندما حصدت حركة حماس أغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في أول انتخابات تخوضها الحركة، ما أدى إلى إثارة الغضب في وسط بعض قيادات حركة فتح، والتي وصل الحال في بعضهم إلى وصف المشاركة بحكومة ترأسها حماس "بالعار".
فتح التي تحكم الفلسطينيين منذ عام 1994، صعب على قيادتها تقبل النتيجة، لذا لم يوفروا جهدًا للإطاحة بالحكومة التي رأسها إسماعيل هنية وقتها، وقاموا بسحب الكثير من صلاحيات حكومته، إلى أن وصلت الأمور إلى طريق مسدود أدت إلى سفك الدماء وزهق الأرواح، وتعميق الأزمة إلى حد التعقيد.
جابت هذه القضية البلاد باحثة عمن يحلها، فحطت في عدد من عواصم العرب وغيرهم، فمن الوساطة القطرية إلى اتفاق مكة، ومنه إلى المبادرة اليمنية، تلتها محاولة سنغالية، فورقة مصرية تلاها حوار في دمشق، فعودة إلى الدوحة، وصولًا إلى القاهرة، لكن دون جدوى فكل تلك الجولات باءت بفشل ذريع.
لم يكن اتفاق غزة الذي وُقّع عام 2014 عقب حرب غزة أفضل حالًا من سابقاته، فرغم النوايا الحسنة التي أبداها الطرفان، والتي سبقتها استقالة لرئيس الحكومة في غزة إسماعيل هنية، تم توقيع الاتفاق وسط أجواء من الحميمية والتقارب، إلا أن الأمور بعدها بأشهر فقط عادت من حيث بدأت، فكل ما اتفق عليه عاد ليكون محل خلاف.
الحكومة صارت حكومتين، والشعب الواحد انشطر إلى شطرين، والرابح الوحيد هو إسرائيل
يطل رئيس السلطة الفلسطينية وحركة فتح محمود عباس تارة بخطاب حانٍ، فيدعو "حماس" إلى نبذ الفرقة البغيضة والجلوس إلى طاولة المصالحة الوطنية والوفاق، ويشدد على ضرورة تماسك شعبه وأن يكون الفلسطينيون جسدًا واحدًا في وجه المرحلة الخطرة التي يمر بها شعبه وقضيته كما وصفها.
ويعود تارة أخرى بلهجة هجومية ليتهم حماس بتعطيل جهود المصالحة، وأنها لا تريد انتخابات وتماطل في تشكيل الحكومة، لتنطلق بعدها موجة من التصريحات لقيادات "حماس" تنفي ما قاله عباس، وتؤكد التزامها بكل ما وقعت عليه في الاتفاق، وأن قرار المصالحة قرار اتخذته الحركة وقدمت الكثير لإنجاحه، ويتبع تلك التصريحات سجالات لا تنتهي، فيترك هؤلاء منصاتهم قائمة للقيادات الأقل وزنًا ولأتباعهم في الشارع، لتبدأ بعدها جولات طويلة من الحرب الكلامية والإعلامية والتخوين والشتم، وتوجيه الاتهامات إلى الطرف الآخر على أنه هو من يفشل مساعيها الصادقة في إنهاء الانقسام.
تعددت أسماء المشهد لكن الواقع بقي واحدًا، فأسمته حماس "حسمًا عسكريًا"، وأطلقت عليه فتح "انقلابًا دمويًا"، واعتبرها الفلسطينيون "انقسامًا" كارثيًا حل بهم وبقضيتهم فأصابهم في مقتل، حيث تم تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، عبر حكومة حمساوية في غزة وحكومة فتحاوية في الضفة، والسلطة صارت سلطتين والشعب الواحد انشطر إلى شطرين، والرابح الوحيد هو إسرائيل.
اقرأ/ي أيضًا: