07-أكتوبر-2017

تستحق ظاهرة الفضائيات التعليمية؛ أو تلك التي تتبع جامعات فلسطينية، الكتابة والبحث في ظل حداثة التجربة التي تعتبر مغرية ومشجعة لجامعات فلسطينية أخرى، هذا أولا، ولكونها الفعل الإعلامي الأكثر تكلفة مالية في ظل ما تعانيه الجامعات من مشاكل مالية مزمنة، وهذا ثانيا، ولكون هذه الفضائيات نموذجًا لإعلام يرتبط بمؤسسات تعليمية ويفترض أن يكون متخصصًا، حتى لو فقد البوصلة وبدا تائها في بداياته، وهذا ثالثا. أما رابعًا فيمكن رده إلى طبيعة التجربة ذاتها، فالجامعات أصبحت تعتلى الفضاء ولا تبث على الصعيد المحلي، إنما تصل للمستوى العربي والعالمي، وبالتالي من المهم معرفة صورتنا وما نقدمه لهذا العالم ومقدار تميزنا في ذلك.

الجامعات أصبحت تعتلي الفضاء ولا تبث على الصعيد المحلي، وبالتالي من المهم معرفة صورتنا وما نقدمه لهذا العالم، ومقدار تميزنا في ذلك

وفي هذا المقال نقدم مجموعة من الإشكاليات التي قد تعاني منها الفضائيات التعليمية، أو تلك التي تتبع جامعات فلسطينية، وهي تحديات يفترض التفاكر حولها، وملامح عامة قد تساهم في إشاعة مجال من الحوار حول الجامعات ودورها الإعلامي/ الفضائي، وهو أمر مطلوب ومستحق.

أولاً: خضوع العمل التلفزيوني لاعتبارات السوق:

وهو ما قد يتعارض مع رسالة الجامعة ودورها التقليدي. سيقول البعض إن هذه التجارب يمكن أن تقدم نموذجها الخاص والمشرف. لا نستبعد ذلك، لكن ما يرشح من منتجات وبرامج، وما يعرض عليها لا يبشر بهذا الخير الكثير الذي نأمله.

اقرأ/ي أيضًا: تعامل السلطة مع الإعلام.. محاولة لفهم الجنون!

ومن المهم طرح سؤال: هل هناك تعارض بين القيم التي يعمل في ظلها الإعلام الفضائي، وبين القيم التي تكرسها الجامعات كمنابر فكر وثقافة؟ ذلك مؤكد حتمًا، ويمكن لنا النظر في القيم التي تكرسها الشاشات، مثل: المنافسة الشرسة، النجومية، إثارة الصراع، الارتباط بالآني والعاجل...الخ. وهي قيم لا يمكن أن تتوافق مع قيم الجامعات التي كرست نفسها للعمل عليها والرسالة التي تتصدى لتكريسها، بل تعتبر قيم عملٍ تُكرس التسطيح، والبعد عن الأفكار...الخ. وبالتالي سيكون السؤال: هل يمكن أن تتجنب الفضائيات الفلسطينية هذا الفخ؟

ثانيًا: تفتت الجمهور وعامية الخطاب:

هو مأزق عالمي وليس عربي فقط، ويعني هذا المفهوم أن الجمهور لم يعد جمهورًا وفق التصور التقليدي الذي يتابع قناة تلفزيونية أو حتى عشرة فقط، بل الجمهور أصبح مفتتًا مبعثرًا، وهو ما يثير موضوع الإعلام المتخصص، بمعنى أن هذا الجمهور الذي تفتت أصبح يذهب إلى وسائل إعلام متخصصة تقدم له ما يريد وفق الحاجات التي يعيها. فأهم معطى في عالم تكنولوجيا الاتصال والإعلام، هو التحولات الهائلة التي يمكن اختصارها: "من التجميع إلى التفتيت، ومن الجماهيرية إلى الفردية".

الفضائيات التعليمية انطلقت من دون أن ترى هذه الحقيقة، وصاغت وثائقها على هذا الأساس، وصكّت أهدافها العامة الفضفاضة بعيدًا عن رؤية أهداف القنوات الفضائية الفلسطينية المنجزة حتى، لذا نرى تقاطعًا كبيرًا بين ما تقدمه هذه الفضائيات، وما تقدمه الفضائيات العامة والخاصة والحزبية الأخرى.

ثالثًا: تحدي تعبئة الهواء، ملء وقت البث:

وهذا التحدي يجبر، أحيانًا، من يريد أن ينطلق بأطول فترة بث ممكن إلى البحث عن الكم لا النوع، البحث عن ما يسد جوع الشاشة لمزيد من البرامج والفقرات والأعمال الفنية، وهذا جعلنا نرى أعمالاً درامية (أُنتجت وفق تصورٍ تجاريٍ بحتٍ أو تتضمن قيمًا وسلوكيات ماضوية)، ومسرحيات، وإعلانات تجارية، وأفلام...الخ أقل ما يقال عنها إنها لا تعكس هوية أو روح فضائية تتبع مؤسسة تعليم عالي.

تحدي تعبئة الهواء جعلنا نرى في "فضائيات الجامعات" برامج وفقرات وأعمالاً فنية تتضمن قيمًا وسلوكيات لا تعكس هوية فضائية تتبع مؤسسة تعليم عالي

المشكلة هنا، أن هناك دومًا تحديًا حاضرًا لكل من يتصدى للبث الفضائي، يتمثل في تقديم برامج علمية تعليمية تربوية تثقيفية غير تقليدية، وهذا أمرٌ مكلفٌ ويتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، وتكاليف مالية مضاعفة. فليس المطلوب تقديم دروسٍ أو محاضراتٍ نسخة عن المساق أو المنهاج الجامعي مثلا، فهذا غالبًا ما سيفشل، وهو بالأساس بُني على تصورٍ تقليديٍ للعملية التعليمية.

اقرأ/ي أيضًا: "خارج الإطار".. حكاية شعب في بحثه عن صورته

أصبحنا نستخدم وسيلة حداثية لكن رؤانا ما زالت حبيسة التصورات التقليدية للتعليم، جاء ذلك في ظل أن التطور الحاصل في العالم على صعيد شبكة الإنترنت، ينسف تلقي المعرفة التقليدي كلية، ويكاد يبشر "بموت الجامعة"، ويقدم أشكالاً أكثر تنوعًا وثراءً مما اعتدنا عليه.

رابعًا: مساحات التنافس والعمل:

على الأغلب أن قضايا التعليم العالي (جامعات، طلبة، أكاديميين، منشورات، دراسات، أحداث، فعاليات، أمور تتعلق بالثقافة، معرفة عامة....الخ) كلها مواضيع وثيمات تصلح أن يكون هناك من يتخصص في تقديمها للجمهور التي هي في الصميم أساس حاجياته. لكن ما نراه العكس، وهو البعد عن مناقشة ذلك، أو التعامل مع هذه القضايا بطريقة تقليدية تحاكي الفضائيات الأخرى، حيث الارتماء في حضن السهل والتقليدي.

قد يكون الأمر مرتبطًا بنقص الرؤى والأفكار والقدرات والإمكانيات والخيال، وحتى عدم وجود رغبة بالتميز...الخ، كل هذا وارد ويستحق النقاش وخططًا للتطوير من أجل التفرد وتقديم المحتوى التلفزيوني النوعي، بعيدًا عن الاهتمام بالكم.

القنوات الفضائية التعليمية عليها أن تمتلك جرأة الطرح بمهنية وحرفية، وبما لا يتعارض مع علمية المضمون، وبطريقة تحقق جاذبية الشكل

وهذا يطرح سؤالاً عن من يعمل بالفضائيات التعليمية، وهنا لا ننتقص من أحد، فهؤلاء خريجو أقسام الإعلام في الجامعات الفلسطينية، أو ممن يمتلكون خبرة من الفضائيات الفلسطينية العامة أو الخاصة، لكن فاقد الشيء لا يعطيه في موضوع متخصص، وهذا يفرض دورًا مركزيًا على الجامعات التصدي له من أجل تطوير العاملين في الفضائيات وبناء مسار تخصصهم.

خامسًا: تحدي القدرة على الامتاع والمؤنسة:

لا مجال في العمل التلفزيوني من أن لا يحقق شرط الإمتاع، وهذا لا يعني الإضحاك، بل يعني أن تقدم عملاً ممتعًا بصريًا، ومحكيًا بطريقة مشوقة، وهذا ليس سهلاً؛ لكنه يحمل تحديًا يفترض أن نعمل على تذليله. التجربة وليدة لكن لا مانع من البداية. وعلى هذه الفضائيات وبرامجها أن تقوم بدورين أساسيين: النصح والمصاحبة، بما يحقق النفع والعملية في الخطاب المقدم تلفزيونيًا.

سادسًا: الحرفية والمهنية، والانضباط العلمي:

 القنوات الفضائية التعليمية عليها أن تمتلك جرأة الطرح بمهنية وحرفية، وبما لا يتعارض مع علمية المضمون، وبطريقة تحقق جاذبية الشكل، وعليها أن تُلزم نفسها بذلك، ومن دونه يعتبر غيابها أفضل من وجودها. فلا يمكن الاستهانة بالدقة العلمية مثلما يجب أن تقدم نموذجا للكفاءة المهنية وتحقيق المتعة الفنية.

والله أعلم


اقرأ/ي أيضًا: 

نحن والإعلام الإسرائيلي.. ثلاث ملاحظات

غزة.. دكاكين إعلامية!

فضيحة المهندسة أم هندَسةُ الفضيحة؟