03-سبتمبر-2015

فلسطين.. الاستعمار هو السؤال (أ.ف.ب)

لا يفهم الحديث عن دور المؤسسات الدولية في المجتمعات العربية بمعزلٍ عن فهمنا للبروتوكولات العامة، التي تشتغل هذه المؤسسات من خلالها، ضمن مرجعية واحدة مشتركة وعالمية، مع كل المجتمعات الموجودة فيها، فلا يخفى دور هذه المؤسسات في التأثير على السلطة السياسية وفي ترتيب وبناء المنظومة الاجتماعية في المجتمع الناشطة فيه، تحديدًا في اقتصار الفاعلين فيها على مجموعات لها خلفيات اجتماعية وطبقية محددة ومشتركة، إضافة إلى الدور المالي الذي تقدمه في سبيل النهوض بالواقع الاجتماعي وفقًا لخططها المعلن عنها.

يكاد يكون معدومًا، وجود خطاب نسوي يروج لثقافة التحرر من الاحتلال

في الحالة الفلسطينية، تنشغل المؤسسات الدولية، والنسوية خاصة، في قضايا محددة مسبقًا وفقًا للمعاجم الدولية والقوانين الإنسانية والحقوقية دون أدنى مراعاة لخصوصية المجتمعات الثقافية والاجتماعية، وخاصة الفلسطينية منها، حيث يتم تركيز خطابها بشكل مبالغ فيه على التخلص من التبعية الذكورية والدعوة إلى الاستقلالية مقابل الانشغال عن قضايا المرأة الفلسطينية كونها جزءًا أساسيًا من مجتمع مستعمر.

ولعل النظر إلى تعامل هذه المؤسسات مع حوادث وقعت مؤخرًا في الساحة الفلسطينية كالتنكيل بالمرابطات بالأقصى بشكل يومي، وحرق عائلة الدوابشة بأكملها، واستشهاد طفل ووالده وحرق والدته بشكل شبه كامل بعد اقتحام منزلهم، حيث ينتهك الاحتلال أبسط حقوقهن في العيش الكريم والآمن. 

لا بد من التساؤل حول مرجعيات وأولويات هذه المؤسسات، وكيف يكون حجم التفاعل مع مثل هذه الانتهاكات، ويمكننا مقاربة جرائم مشابهه باختلاف الفاعلين وتوحد الضحايا كجرائم الشرف على سبيل المثال لا الحصر والخطاب الذي يتم صياغته في هذه الحالة، وهذه المقارنة ليست مقارنة بين جريمتين وليس للتقليل من هول أي جريمة منهما، لكن تعاملها مع هذه الجرائم يفسر لنا البروتوكولات الجاهزة والمسبقة حول سياسة هذه المؤسسات وتجنبها الاهتمام، أو اهتمامها المحدود بأي انتهاك يمارسه المستعمر بحق أي امرأة.

إن مراجعة انشغالات المؤسسات النسوية الناشطة في فلسطين يظهر أنها تقتصر على محاولة، لا تبدو جادة حتى، في تقويض دور المرأة التقليدي والتقليل من تبعيتها للرجل دون الالتفات إلى تبعيتها المفروضة عليها والمقيدة لحريتها جراء الاستعمار، ومسؤوليتها المجتمعية والوطنية تجاه ذلك، فالبحث في مضامين خطاب نسوي يروج لثقافة المقاومة والنضال في سبيل التحرر من الاستعمار تكاد تكون معدومة، وبحذر يمكننا القول إن ما أفرزته هذه المؤسسات هي مجموعة من النخب المنسلخة عن الواقع، والساعية لمحاكاة النساء الأوروبيات عبر تخيلها عالمًا جديدًا مليئًا بالشكليات والجماليات والمناصب.

ضمن كل ما ذكر، ألا يبدو التساؤل مشروعًا عن علاقة هذه المؤسسات بالجهات الممولة، وشروطها الواضحة، أو غير الواضحة، التي تفرض على نشاطات من هذا النوع. حتى لو لم يكن التمويل كما قلنا مشروطًا بوضوح؟ وهل يحق لنا الشك في دورها الحقيقي في المجتمع الفلسطيني؟

إن الحديث هنا عن تمويل لا شروط واضحة له، يشير بالضرورة إلى "سوق التمويل" الذي تخوضه المؤسسات الفلسطينية، والمجتمع المدني الفلسطيني في الفترة الأخيرة، والى ارتكازه على هذا السوق ضمن حالة عامة من التنافس على تحقيق المتطلبات التي يفرضها. أي الحديث هنا عن عرض "العمل الاجتماعي" وفق ما يلزمه طلب الممولين وشروطهم المفهومة، ومعايير نجاحهم وقواميسهم التي صرنا بفعل التكرار نحفظها. وتبدو مواجهة جرائم الشرف، والاضطهاد الذكوري والعنف الاجتماعي ضد المرأة، كلها مفاتيح للسوق، على عكس الحديث عن دور فعال للمرأة الفلسطينية في مواجهة الاستعمار، أو العنف الذي تتعرض له المرأة كجزء من مجتمع مستعمَر، الذي لا يلبّي متطلبات هذا السوق ولا بقبل في شروطه. هنا يصير الحديث عن مؤسسات وطنية فعاّلة ضروري، وتصبح مطالبتها بالتحرر من تبعيتها للتمويل شرطًا أساسيًا في خوضها واجبها الوطني.