07-يوليو-2016

شمعون بيريز مكرمًا إيلي ويزل (Getty)

توفّي إيلي ويزل (1928- 2016)، أحد ألمع الشخصيّات اليهوديّة من الناجين من الهولوكوست، في الثاني من الشهر الجاري عن ثمانية وثمانين عامًا كتب خلالها أكثر من 57 كتابًا وحصل على جائزة نوبل للسلام، ودافع عن الكثير من القضايا الحقوقيّة العادلة. لكنّ ويزيل لم يجد بأسًا في تجاهل القضيّة الفلسطينية ومأساة الشعب الفلسطيني أمام آلة القتل الإسرائيليّة التي لا تخجل من الاتكاء ليل نهار على ذكرى المحرقة. يحدثنا مارك إليس، وهو باحث أمريكي مختص بالدراسات اليهوديّة عمّا تمثّله وفاة ويزل اليوم فيما يتعلق بالهولوكوست والقضيّة الفلسطينية. 

هل يمكن أن نقول إن العالم الذي نشأ على فكرة الهولوكوست ولف حولها قد شارف على الانتهاء أيضًا؟

لقد مات إيلي ويزل. ويبدو أنّ عالم الهولوكوست الذي ربيت عليه قد شارف على النهاية هو الآخر. وهل يمكن أن نقول إن العالم الذي نشأ على فكرة الهولوكوست ولف حولها قد شارف على الانتهاء أيضًا؟ إن الشخصيّات الشهيرة، سواء في مماتها ومحياها، تسوق غيرها من الناس في اتجاهات متضاربة. وبعد وفاة إيلي ويزل، لا بدّ أن نقف قليلًا لنسأل عن الاتجاه الذي كان يأخذنا فيه هذا الرجل. 

اقرأ/ي أيضًا: خوان جيلمان.. الشعر ضرورة كالخبز والمسدس

لقد قرأتُ وكتبت الكثير عن ويزل، وما زلت أفعل ذلك منذ أربعين عامًا. وبالرغم من اختلافاتي العميقة مع ويزل وغيره من علماء اللاهوت والفلاسفة الذين كتبوا عن الهولوكوست، فإنّني لا أجادل أبدًا بأنّه أو غيره شخصيّات زائفة كما أنني لا أتّهمه بالغباء أو السفه، كما أنني لن أفعل ذلك اليوم. 

إنّ الجيل الذي بحث في الهولوكوست وتفاصيله هو جيل مهمّ ولكنّه يعاني من مشكلة عميقة. إنني أرى أنّ ويزل وغيره ممن كتبوا عن الهولوكوست لم يفهموا تمامًا ما كانوا منخرطين فيه، وحتى لو أدركوا ذلك الآن فلاتَ حين إدراك. 

إنّ الفساد الذي لحق بويزل مرتبط باستخدامه لقضيّة الهولوكوست، تلك الحادثة التي عايشها وعانى من آثارها على نفسه وحياته. لقد كان ويزل صوتًا صاخبًا في الحياة اليهوديّة، يؤكّد مرارًا وتكرارًا على أهمية الهولوكوست، ولكنّه  في سنيّ حياته الأخيرة أصبح ناطقًا متحمّسًا باسم دولة إسرائيل القائمة على العنصريّة ومدافعًا عن الحملات العسكريّة للولايات المتحدة وعقوباتها الاقتصاديّة في الشرق الأوسط، وكل ذلك في سبيل دعم دولة إسرائيل. لقد صار ويزل رسمًا ساخرًا عن نفسه وذلك حين ابتذل الهولوكوست الذي كان يكتب عنه بكل حماسة وتأثير. لقد حقق ويزل بما كتبه عن الهولوكوست ثروة طائلة وحصل على العديد من الأوسمة والتشريفات، وهذا ما جعل شهادته في هذه القضيّة مجروحة. لقد استخدمه السياسيون كثيرًا، وهذا ما ظهر في عبارات التعزية والتأبين في حقّه. ولكنّه هو الآخر، والمؤسسة اليهودية معه، كانوا يستخدمون السياسيين لتعزيز نفوذهم وتأثيرهم السياسيّ. وما يزال الأمر يسير على هذا النحو. 

كان إيلي ويزل صوتًا صاخبًا يؤكّد مرارًا وتكرارًا على أهمية الهولوكوست، لكنّه في سنواته الأخيرة أصبح ناطقًا باسم إسرائيل

إننا نعيش الآن بعد الهولوكوست، وبعد إسرائيل، وبقولي "بعد إسرائيل" أقصد بعد ما فعلته إسرائيل وما تزال بالشعب الفلسطيني. وعلى اليهود الذين ما يزالون يعيشون في ظلال الهولوكوست أن يسألوا أنفسهم نفس السؤال الذي سقناه عند الحديث عن إيلي ويزل: ما هي شهادتهم عن هذا العالم؟ وهل بات موقفهم من الهولوكوست مصدر فسادٍ لهم كما كان لويزل. 

اقرأ/ي أيضًا: الطغيان.. أرض الضياع مرة أخرى

لم يكن ويزل الوحيد الذي علق في مأزق الاتّكاء على الهولوكوست حتّى نسي أو بات غير مكترث بما فعلته غطرسة الدولة اليهودية في إسرائيل بالشعب الفلسطيني. لقد أشاح الكثير منا نحن اليهود بوجوهنا عن هذه الفظائع. لقد أفسدَنا وأعمانا استخدام القوّة ضد الآخرين باسم دولة إسرائيل.

لقد كانت كتابات ويزل من أهمّ ما دفع العديد من المسيحيين للاهتمام بالهولوكوست وتبع ذلك تزايد الرغبة في تقديم الدعم لإسرائيل بلا أيّ اعتبار للكارثة التي حلّت بالفلسطينيين. فأشاح الكثير من الأوروبيين المسيحيين وجوههم عن مأساة الفلسطينيين، وأعماهم دعمهم للدولة اليهودية وقوّتها ضدّ الآخرين. 

هنا يكمن جانب شهادة السوء لدى إيلي ويزل. لقد استدعت أعمال ويزل وغيره من الذين تحدثوا عن الهولوكوست قدرًا كبيرًا من التعاطف مع معاناة اليهود حتّى صار هذا التعاطف أهمّ درس من دروس المحرقة. صحيح، لقد كان التعاطف مع اليهود أولويّة حينها، وامتدّ التعاطف لمن عاشوا من ضحايا الهولوكوست بعدها. أمّا الغائب عن استحقاق هذا التعاطف فهم بالتأكيد، الفلسطينيون. 

علينا في هذه الفترة التي نقرأ فيها عن ويزل بعد دفنه في مثواه الأخير أن ننظر جيدًا في حال الشخصيات الأيقونية من الأدباء والكتاب والفنانين وسواهم ونرى كيف يستغلّ البعض ذكراهم لأغراضهم الضيّقة ومطامعهم الخاصّة. وإن كان بالإمكان دفن هذه الشخصيّات تحت التراب، فإنّه لا يمكن بحال ردم الحقيقة وتجاهل الظلم. إنّ المقاومة قابعة دومًا بين جنبات السلطة الظالمة وحولها. هذا هو التحدّي الذي ينتظرنا، بعد رحيل ويزل ورحيل الجيل الذي يمثّله. 

اقرأ/ي أيضًا:

احذر اللقاء بكتابك المفضلين

أوقّفوا عن ابتذال اسم أورويل