09-ديسمبر-2016

تعبيرية

عندما تمر بجوارهم، يفاجؤك ترحيبهم بك باللغة العربية، السلام عليكم أو مرحبًا مع استبدال الحاء بالخاء، عندها تشعر بأنّ جسمك انتفض، وكأنك فوجئت بجنديّ إسرائيليّ يرحب بك وأنت تتمشى في مركز للتسوق في واشنطن، حيث لا جنود ولا حواجز، والقليل من  اللغة العربية! أمّا عن استبدال الحاء بالخاء فهذا أمرٌ يتعدى كون المتحدث لا يجيد العربية. فالفلسطينيون يدركون أن هذا الاستبدال لا يقع فيه إلا الإسرائيليون، ومن أجل هذا يصفعك حديث البائع معك بهذه الخاء التي تكره. تلتفت إليه وترغب في أن تهزه وتسأله لماذا تلحقني إلى هنا!

أكشاك بيع مواد التجميل الإسرائيلية المنتشرة في الولايات المتحدة، تبيع مستحضرات تجميل مصنعة من معادن البحر الميت، وتثير الكثير من الريبة 

يستمر بابتسامته العريضة غير مكترث بوجهك العابس المصدوم.. "تعال هنا يا صديقي لن أخذ من وقتك الكثير، ثواني وسأريك شيئًا مذهلًا سيجعل يديك ناعمتين وسيمنح أظافرك القوة واللمعان"، تتجاهله وتتجاهل العيّنة المجانية التي يمدُّها لك لتأخذها، تود لو تصفعه وهو يردد "تفضل هذه من منتجات البحر الميت جربها بالبيت"، تكمل مسيرك ولكنّه يصر على أن ينهي هذا الحديث بالطريقة التي ودّ لو أنه بدأه بها فيسألك بخبث: من أين أنت؟ تجيبه وكأنّك لا تراه ومع ذلك تبصق في وجهه: فلسطين.

اقرأ/ي أيضًا: إمبراطورية تجارة الأعضاء.. إسرائيل وراء كلّ هذا!

أكشاك بيع مواد التجميل الإسرائيلية منتشرة في أغلب مراكز التسوّق في الولايات المتحدة الأمريكية. شبان وشابات يبيعون مستحضرات تجميل وعناية بالبشرة مصنعة من معادن البحر الميت وفقًا لما يدعون. يتسابقون لإعطاء المارة عيّنات مجانية منها. يتشابه هؤلاء الشبان بأن اللغة الإنجليزية هي لغتهم الثانية، ويبدو هذا واضحًا من حديثهم مع الزبائن.

الغريب في الموضوع أنّك ومهما رأيت أكشاكًا مختلفة في مراكز تسوق متعددة في ولايات مختلفة، فإنهم جميعاً لا يجيدون الإنجليزية كلغة أمّ، وهذا يؤكد لك أنهم جميعًا إسرائيليون. فلماذا لا توظف الشركة إلا الإسرائيليين الذين تجلبهم للعمل معها؟ بينما جرت العادة في المحلات والشركات في الولايات المتحدة، أن يكون سوق العمل فيها مفتوحًا لكافة الأشخاص باختلاف جنسياتهم وأعراقهم!

في تقرير صحفي نشره العربي الجديد بعنوان: "بالفيديو: بنتاغون سيتي..باعة إسرائيليون يستهدفون الأميركيين الشرق أوسطيين"، تم تصوير مقاطع فيديو لحوار بين معد التقرير وبائعات الأكشاك الإسرائيليات اللواتي يبدين اهتمامًا واضحًا بالحياة الشخصية للزبائن، فيسألن العديد من الأسئلة حول جنسية الزبون، وعن عمله ومكان إقامته، وما إذا كان لعمله أيُّ علاقة بالجهات العسكرية والحكومية.

البائعات الإسرائيليات يسألن عن جنسية الزبون، ومكان إقامته، وما إذا كان لعمله أيُّ علاقة بالجهات العسكرية والحكومية

ووفقًا لذات التقرير فإنه وبحسب وثائق لموقع ويكيليكس المنشورة في شهر آب/ اغسطس 2005، كشفت أنه في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر 2001 تم القبض على العديد من الإسرائيليين من العاملين في الأكشاك المتمركزة في مول "بنتاغون ستي" الواقع أمام وزارة الدفاع الأميركية "تايسون كورنرمول" القريب من وكالة الاستخبارات الأميركية.

المثير للاستغراب بحسب ذات المصدر أن هؤلاء تم ترحيلهم بعد أن وجهت لهم تهم تتعلق بقضايا الهجرة وليس التجسس، في حين أن السلطات الفيدرالية تشتبه بأنهم جواسيس.

اقرأ/ي أيضًا: تجارة الماس في إسرائيل.. أرقام مرعبة

أكشاك التجميل الاسرائيلية ليست فقط بؤراً مزعجة للعرب والمسلمين في مراكز التسوق في الولايات المتحدة الأمريكية، والمشاكل حولها تجاوزت أيضًاشكوك أجهزة المخابرات الأمريكية بأنّ عملية البيع والشراء فيها ليست إلا غطاءً لعمليات تجسس على العسكريين الأمريكيين. بل إن إزعاج هذه الأكشاك وصل إلى دول أخرى مثل نيوزلندا.

ووفقًا لتقرير نشر في صحيفة "تايم اوف إسرائيل" بتاريخ 19 تشرين الأول 2014 بعنوان "الباعة المتجولون لمُنتجات شركة البحر الميت الإسرائيلية..فضيحة دولية" فقد أُتهم كشك شركة (ديد سي سبا) في مركز أوكلاندفي نيوزلاندا بالنصب على سيدة مسنة وإجبارها على شراء مستحضرات تجميل بقيمة 5000 دولار وفقاً لكامبل ليف (برنامج القناة الثالثة النيوزيلندية) التي بثت لأول مرة القصة عن المرأة المسنة، وكلفت (ديد سي سبا) أيضًا رجلًا مصابًا بالتوحد مبلغ 4400 دولار مقابل مستحضرات تجميل في فترة نصف ساعة، رغم أن 1000 دولار من ضمن الفاتورة لا علاقة لها بالمنتجات.

وفي حالة منفصلة، ​​باعت بائعة منتجات بقيمة 17000 دولار لرجل مصاب بفقدان الذاكرة على المدى القصير. وأفادت القناة أن سلسلة مراكز تسويق "ويستفيلد" وبناءً على هذه الحوادث قررت يوم 1 تموز/يوليو طرد شركة (ديد سي سبا) من أكشاك مراكزها التسوقية في جميع أنحاء نيوزيلندا.

اقرأ/ي أيضًا: نتنياهو يفتح إفريقيا.. سر الزائر والزيارة

إذا نجوت من إزعاج باعة الأكشاك الإسرائيليين ولم تصادفهم بينما تحاول قضاء يوم أحد لطيف وأنت تتسوق فأنت محظوظٌ حقًا لأن مجرد رؤية الكشك ومن فيه كفيلة بتعكير مزاجك، ولكن لا تنسى أنك قد تجد المنتجات الإسرائيلية في العديد من المحال التجارية. فمستحضرات شركة "أهافا" التجميلية تنتشر في كل مكان تقريبًا ليس في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، فهي تباع في أكثر من ثلاثين دولة حول العالم.

ونجح محتجون عام 2011 في إقناع محلات بيع مستحضرات وأدوات تجميل معروفة وسط العاصمة البريطانية لندن بالتخلي عن اقتناء وبيع المستحضرات المنتجة من قبل شركة "أهافا"، والتعهد بعدم بيعها وتسويقها.

وبحسب ما أوردته وكالة وفا الرسميّة بتاريخ 16 نيسان/ ابريل 2011 فإن هذا الإنجاز جاء بعد سلسلة اعتصامات قام بها عشرات المتضامنين والناشطين في حملات مقاطعة إسرائيل والتي  استمرت نحو عام كامل، بواقع مرة كل أسبوعين.

الشركة التي تأسست عام 1988 تكتفي بكتابة "صنع في إسرائيل" دون توضيح المكان الذي يتم فيه التصنيع تحديدًا، وهو مستوطنة "متسبيهشاليم" في الضفة الغربية المحتلة.

وسواء كنت داخل فلسطين أو خارجها فإنك ستشعر دائمًا بالوجود الإسرائيلي من حولك، وكأنّ هذا العالم أصغر من أن لا تسيطر عليه إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: 

"الجواسيس داخلنا".. كيف تجسس السوفييت على إسرائيل؟

إسرائيل عندما تعوِّل على الواقي الذكري

الخدمة المدنية: سلاح إسرائيل الناعم