بعد ثمانية أشهر من الإبادة وجرائم الحرب الإسرائيلية وأخرى ضدّ الإنسانية في قطاع غزة، وسقوط قرابة 150 ألفًا بين شهيد وجريح ومفقود، وتهجير 90 بالمائة من أهله داخليًا وخارجيًا، وتدمير ثلاثة أرباع القطاع وإعادته سنوات بل عقود إلى الوراء، وجعله عمليًا غير قابل للحياة، قررت السلطة الفلسطينية التحرّك أمام الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" لمحاسبة "إسرائيل" وعزلها رياضيًا على جرائمها ومعاقبتها.
التحرّك جاء أقل مما ينبغي، وبالتأكيد متأخرًا أكثر مما ينبغي، بينما جاء ترتيب بنود مشروع الشكوى كارثيًا ومأساويًا، حيث تم وضع بند جرائم الحرب بغزة في آخر المشروع مع تقديم بنود أخرى أقلّ أهمية
التحرّك جاء أقل مما ينبغي، وبالتأكيد متأخرًا أيضًا أكثر مما ينبغي، بينما جاء ترتيب بنود مشروع القرار-الشكوى الفلسطيني كارثيًا ومأساويًا، حيث تم وضع بند جرائم الحرب بغزة في آخر المشروع مع تقديم بنود أخرى مهمّة ولكنها بالتأكيد أقلّ أهمية منه.
قال رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم وهو أيضًا رئيس اللجنة الأولمبية، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأمين سرّها (الفريق) جبريل الرجوب إنه بادر بالتعاون مع اتحادات شقيقة وصديقة للتحرّك أمام اجتماع مجلس "كونغرس" الفيفا – تايلاند منتصف أيار/ مايو الجاري - لمحاسبة "إسرائيل" على جرائمها المتواصلة والفظيعة بحق الرياضة الفلسطينية.
حسب الفريق الرجوب يتعلق الأمر أوّلاً بتضييق الاحتلال على الرياضة والرياضيين في فلسطين -غزة والضفة الغربية بما فيها القدس- ومنع المنافسات والمسابقات المحلية، وقتل واعتقال الرياضيين وسلبهم الحركة داخليًا وخارجيًا، والتدخّل وفرض وصاية على استضافة فلسطين للفرق الأجنبية ضمن المنافسات والمسابقات القارية والدولية.
تحدّث الرجوب كذلك في البند الثاني عن دعم الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم لأندية بالمستوطنات -5 أندية- المقامة على أراضي فلسطينية محتلة وبما يخالف لوائح الفيفا والميثاق الأولمبي، كما شرائع وقوانين الأمم المتحدة التي من المفترض أن تمثل المرجعية الأخلاقية والقانونية للفيفا.
وفي البند الأخير بمشروع القرار الفلسطيني جرى التطرّق إلى جرائم الحرب الإسرائيلية بحق الرياضة والرياضيين بغزة.
وتضمن هذا البند إحصائيات ومعلومات مختصرة أشارت إلى استشهاد 256 رياضيًا، وإصابة واعتقال واختفاء مئات آخرين، وتدمير عشرات المرافق والمؤسسات الرياضية بشكل متعمّد بل تحويلها إلى مراكز اعتقال وتنكيل بحق المواطنين الفلسطينيين كما جرى في ملعب اليرموك التاريخي أحد أكبر وأعرق الملاعب بغزة.
جاء تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الذي صدر بالتزامن مع اجتماع مجلس "فيفا" أوفى وأشمل، وكان يجب على الرجوب الاعتماد عليه كما تقارير منظمات حقوقية فلسطينية ودولية مرموقة أخرى قدمت ولا تزال معلومات وإحصائيات محدثة وموسعة أكثر إفادة.
إذن، جاء التحرّك السياسي/ الرياضي الفلسطيني متأخرًا جدًا، فبعد ثمانية أشهر على الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وأخرى ضد الإنسانية التي ارتكبها الاحتلال ولا يزال بغزة، ومبدئيًا كان يجب أن يحصل هذا التحرك بعد أسابيع أو حتى أشهر قليلة، وعدم انتظار كونغرس "فيفا" العادي والمبرمج مسبقًا لمنتصف أيار/ مايو حتى ولو وصل الأمر إلى حد الدعوة إلى كونفرنس أو مؤتمر طارئ.
في السياق، لا بد من التذكير بتجربة مماثلة سابقة للسلطة التي كانت تحرّكت قبل عدة سنوات وقدمت شكوى أمام الاتحاد الدولي لكرة القدم تضمنت بنديّ التضييق والانتهاكات بحق الرياضة والرياضيين، والسماح لأندية المستوطنات بالمشاركة بمنافسات الاتحاد الإسرائيلي الرسمية، ولكن لم يتم المضي بها قدمًا وبجدية حتى النهاية، ولم تؤد إلى نتيجة، حيث جرى القبول بحلّ وسط قدّمه آنذاك رئيس الفيفا جياني إيفانتينو قتل الجوهر وأجهض على التحرّك عمليًا، وتضمّن تشكيل لجنة ثلاثية بين الفيفا والاتحادين الإسرائيلي والفلسطيني لمناقشة الشكوى والتوصّل إلى توافقات وحلول حولها، والنتيجة وكما يقول الأحبة بمصر "إذا أردت أن تماطل أو تقتل أي ملف أو موضوع شكّل له لجنة"، وفعلًا طوى الأمر وبات في غياهب النسيان رغم استمرار الجرائم بحق الرياضيين على الأرض ووقائع وممارسات وجرائم الاحتلال والمستوطنين طوال السنوات الخمس الماضية، تحديدًا التضييق والاعتقال ومنع إقامة مسابقات موحّدة بل واقتحام الملاعب، وإطلاق غازات مسيلة للدموع فيها كما جرى أثناء نهائي بطولة كأس فلسطين بالضفة الغربية حيث منع ويمنع الاحتلال تنظيم مسابقات موحدة مع غزة.
الآن وبعد ثمانية أشهر من الحرب جاء التحرّك متأخرًا جدًا لمحاسبة "إسرائيل" على جرائمها وكان يجب الانطلاق أصلًا من بند غزة أولًا، حيث جرائم القتل والقضاء على مناحي الحياة الرياضية المختلفة ضمن إيقاع نكبة جديدة، وجعل غزة غير قابلة للحياة وإبادة للبشر والحجر بمن فيهم الرياضيين باعتبارهم من النخب الذين تعمدت إسرائيل قتلهم أو تهجيرهم.
إذن الاستهداف للرياضة كان متعمّدًا تمامًا كما رأينا في مشهد ملعب اليرموك الصادم الذي يمثل بحد ذاته جريمة ضد الإنسانية، كما تقول منظمات حقوق الإنسان عن حق، ثم الانتقال بعد ذلك إلى البنود الأخرى السابقة على حرب غزة والتي تمثل بدورها انتهاكات وجرائم بالتأكيد وتستحق المحاسبة والعقاب لكنها ليست بحجم جرائم الإبادة المرتكبة بحق الرياضة والرياضيين بغزة.
جاء قرار" فيفا" بتأجيل مناقشة الشكوى إلى نهاية تموز/ يوليو -بعد انطلاق الأولمبياد- متوافقًا مع الخلاصات والاستنتاجات السابقة، وطلب استشارة قانونية هو نوع من المماطلة انتظارًا لانتهاء الحرب وطيّ الملف، ما يوكد الخلاصات عن ضرورة القيام بالتحرك المبكر ثم ملاحقة إيفانتينو حتى باب الفيفا.
بدا لافتًا وحتى مريبًا كذلك عدم التحرّك الفلسطيني المنسّق عربيًا وإسلاميًا ودوليًا أمام اللجنة الأولمبية الدولية، وطلب مقاطعة "إسرائيل" رياضيًا بصفته أي الرجوب رئيس اللجنة الأوليمبية الفلسطينية أيضًا، وكان يجب السعي المبكر لمنع "إسرائيل" من المشاركة بالألعاب الاوليمبية القادمة في باريس تموز/ يوليو القادم، والاستفادة من قرار محكمة العدل الدولية ثم مذكرات اعتقال الجنائية بحق المسؤولين والقادة الإسرائيليين لفرض مقاطعة وعزلة صارمة ومعاملة الرياضيين الإسرائيليين كالروس بمعنى المشاركة بدون نشيد وعلم وبشكل فردي.
يمكن القول إن الرجوب صعد ووصل إلى أعلى المناصب في بيئة غير ديموقراطية وهو لا يملك تاريخًا رياضيًا طويلًا، ولا يبدو كرياضي بالتأكيد، ويمكن النظر إليه "الرجوب" كتعبير عن الأزمة أكثر مما هو جزء من الحل
وبقراءة فكرية ومنهجية للمشهد الفلسطيني كلّه سياسيًا ورياضيًا، يمكن القول إن جبريل الرجوب صعد ووصل إلى أعلى المناصب في بيئة غير ديموقراطية وهو لا يملك تاريخًا رياضيًا طويلًا، ولا يبدو كرياضي بالتأكيد، ويمكن النظر إليه "الرجوب" كتعبير عن الأزمة أكثر مما هو جزء من الحل الفلسطيني، وتجسيد لتمسك الأجبال الهرمة المترهلة بمناصبها رغم الفشل الذريع سياسيًا ومؤسساتيًا من قبل المنظومة كلها التي يعتبر الرجوب عضوًا أصيلًا فيها.
في السياق لابد من الإشارة إلى أن واحدة من أهم دلالات "طوفان الأقصى" والحرب -التي يجري الهرب منها بمنهجية وعن عمد- تتمثل بفضح القيادة الفلسطينية الحالية التي ظهرت غير ذات صلة ومنفصلة ومنفصمة عن الشارع، وعاجزة عن تحقيق آماله الوطنية المشروعة، وتوفير الحياة الكريمة له وحتى حمايته من اعتداءات وجرائم جيش الاحتلال والمستوطنين، وتأكيد صحة المطالب الجماهيرية بضرورة رحيل القيادة والطبقة السياسية كلها.
أما الصادم أكثر فنلمسه في كون الرجوب يرى في نفسه مرشّحًا مُلائمًا لرئاسة السلطة والمنظمة وقيادة الشعب الفلسطيني، في هروب منهجي من مراجعة النهج المتبع خلال العقود السابقة بمناحيه المختلفة بما فيها الرياضية طبعًا.
وبالعموم فالبنود الأولى من الشكوى نفسها تدينه كما الطبقة السياسية كلها، كونها مستمرة منذ سنوات بل عقود طويلة صمتت وتغاضت وتساوقت خلالها مع تلك الممارسات والجرائم الإسرائيلية. ثم انتظرت 8 أشهر للتحرّك من أجل محاسبة ومعاقبة ومحاصرة وعزل "إسرائيل" بسبب جرائم الحرب والإبادة بحق الرياضة والرياضيين في غزة.