بعد تجارب نزوح بائسة، وجدت أسرة الفتى عبد الله أبو ناموس، مكانًا لها في مخيم مخصص لاستقبال وإيواء أسر نازحة تضم فردًا أو أكثر من ذوي الإعاقة، ويقدم لهم خدمات تخصصية، وسط واقع مرير نتيجة تداعيات الحرب الإسرائيلية الضارية المتصاعدة في شهرها الـ 11 على التوالي، ومترافقة مع حصار حاد.
94 أسرة تتكون من 687 فردًا، من بينهم 117 شخصًا من ذوي الإعاقة، تقيم في مخيم بسمة أمل للأسر النازحة التي تنطبق عليها المواصفات، وتشرف عليه مؤسسات أهلية فلسطينية
أسرة عبد الله أبو ناموس واحدة من بين 94 أسرة تتكون من 687 فردًا، من بينهم 117 شخصًا من ذوي الإعاقة، تقيم في مخيم بسمة أمل للأسر النازحة التي تنطبق عليها المواصفات، وتشرف عليه مؤسسات أهلية فلسطينية، ويقدم خدمات الرعاية والإيواء لهم، مع انهيار القطاع الصحي بما يشمل الخدمات التخصصية لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
وكانت أسرة عبد الله أبو ناموس من الأسر الأولى التي التحقت بالإقامة في مخيم بسمة أمل، بعد افتتاحه في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة مطلع شهر تموز/يوليو الماضي. وتقول والدة عبد الله لـ "الترا فلسطين" إن أسرتها تضم من بين أفرادها عددًا من ذوي الإعاقات الحركية والسمعية وضمور العضلات، ومن بينهم عبد الله الذي يعاني إعاقة حركية وسمعية.
بسمة أمل وسط الموت والدمار
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، خاضت أسرة عبد الله أبو ناموس تجربة النزوح القسرية مرارًا، وتنقلت من مكان إلى مكان في جنوب القطاع، حيث المخيمات ومراكز الإيواء لا تناسب ذوي الإعاقة، ولا تتوفر بها الخدمات التي تراعي أوضاعهم الصحية، بحسب والدة عبد الله.
ورغم أمنياتها بتوقف الحرب والعودة إلى منزلها، إلا أن هذه الأم تبدو أكثر راحة الآن في بسمة أمل، حيث تتوفر لأفراد أسرتها المتطلبات الأساسية، فضلًا عن المرافق الحيوية التي توائم احتياجاتهم.
وبالنسبة لوالدة عبد الله أبو ناموس، فإن ويلات الحرب تكون مضاعفة ليس على الشخص الذي يعاني إعاقة فقط، وإنما على أسرته وذويه، الذين يتحملون أعباءً كبيرةً ومعاناةً شديدةً في التنقل بهم من مكان إلى آخر، وسط أجواء من الموت والدمار، إضافة لانعدام الخدمات الطبية لهذه الفئة منذ اندلاع الحرب.
ويتكون مخيم بسمة أمل، المقام على 7 دونمات (7 آلاف متر مربع)، 93 خيمة، ويقدم الرعاية للنازحين من ذوي الإعاقة مع تدمير غالبية المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية، بحسب منسقة الإعلام والمناصرة في جمعية التنمية الزراعية نهى الشريف، وهي إحدى الجمعيات الشريكة المشرفة على المخيم.
وتقول نهى الشريف لـ "الترا فلسطين"، إن مخيم بسمة أمل يؤوي أشخاصًا يعانون من أشكال مختلفة من الإعاقة، سواء السمعية أو البصرية أو الحركية، أو الإعاقات المزدوجة، ويوفر المأوى وبعض الخدمات الأساسية التي توائم ظروفهم، وتراعي تسهيل الحركة والتعامل، إلى جانب المتابعة الدورية والرعاية اللازمة.
خدمات مواءمة لذوي الإعاقة
وتضم الأسر النازحة في مخيم بسمة أمل، 300 طفل، و270 امرأة، و117 من ذوي الإعاقة، وبحسب نهى الشريف، فإن مخيم بسمة أمل يضم مختلف أنواع الإعاقة، سواء الحركية أو السمعية أو البصرية أو الذهنية، أو من يحملون أكثر من إعاقة، وجُهِّزَت الخيام بمواصفات خاصة، وكذلك تجهيز دورات المياه المخصصة للرجال وتلك المخصصة للنساء، التي تمت مواءمتها لتناسب الأشخاص ذوي الإعاقة.
والمؤسسات الشريكة المشرفة على مخيم بسمة أمل، هي: جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وجمعية التنمية الزراعية (الإغاثة الزراعية)، وجمعية أطفالنا للصم، وتعمل على توفير المتطلبات الأساسية للنازحين من ذوي الإعاقة، سواءً المياه المخصصة للاستخدام اليومي، أو المياه العذبة للشرب، وكذلك السبل المتاحة التي من شأنها توفير الراحة لهم، خاصة أن الحرب ضاعفت معاناتهم، وزادت متطلبات الرعاية التي يحتاجونها.
وتقول نهى الشريف، إن الحرب خلفت آثارًا واضحة على مختلف شرائح المجتمع، لكن تداعياتها وتأثيراتها كانت أشد قسوة على الأشخاص ذوي الإعاقة، الذين لا تتوفر لهم مراكز رعاية من أجل تغيير أو حتى صيانة أدواتهم المساعدة مثل الكراسي المتحركة أو العكاكيز، جراء الحصار الخانق وإغلاق المعابر.
الحرب تسببت في إلحاق أكثر من 11 ألف فلسطيني بفئة الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، ومن بين هؤلاء 4 آلاف طفل
وتشير تقديرات محلية ودولية إلى أن الحرب تسببت في إلحاق أكثر من 11 ألف فلسطيني بفئة الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، ومن بين هؤلاء 4 آلاف طفل.
خدمات تفاعلية وتعليمية
وفي خيام الأمل الملحقة بمخيم بسمة أمل، يتجمع يوميًا أطفالٌ من النازحين لممارسة أنشطة متنوعة ترفيهية وتعليمية، بهدف التفريغ النفسي والتخفيف عنهم ويلات الحرب.
وتشمل هذه الخيام الخدماتية، بحسب نهى الشريف، عددًا من الزوايا التي تختص بتعليم الأطفال لإبقائهم على تواصل مع العملية التعليمية، بالإضافة إلى الأنشطة الترفيهية والتفاعلية والتفريغ النفسي، وتعلم المشغولات اليدوية مثل التطريز والرسم على الزجاج، إضافة إلى تخصيص منجرة لصناعة الأثاث والمقاعد لجلوس الأطفال خلال مشاركتهم في مختلف الأنشطة.
وتسببت الحرب في انهيار العام الدراسي، وبحسب آخر تحديثات صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن الحرب أدت إلى استشهاد أكثر من 500 معلم ومعلمة مدرسة، و110 من العلماء وأساتذة الجامعات، وتدمير 121 مدرسة وجامعة كليًا، و333 جامعة ومدرسة لحق بها دمار جزئي.
وتوضح نهى الشريف، أن الخيام الخدماتية انطلقت استجابة لاحتياجات مراكز الإيواء التي حددتها لجان الحماية المجتمعية، وتتضمن إقامة خيام في مراكز الإيواء، لتلبية احتياجات الأنشطة التعليمية، والصحية، والترفيهية، التي من شأنها توفير بيئة داعمة ومريحة للنازحين.
وتضيف، أن هذه المبادرة تسعى إلى تطوير الأنشطة المجتمعية، عبر توفير بيئة تفاعلية داعمة تساهم في تعزيز التكافل الاجتماعي، وتحسين واقع الأسر النازحة، مشيرة إلى أن الأنشطة داخل الخيام متعددة الأغراض، وتتضمن تقديم الرعاية الصحية الأولية، والأنشطة الترفيهية والنفسية، إلى جانب تحسين الحالة الصحية العامة من خلال تقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية، إضافة إلى توفير التعليم البديل للأطفال وتعزيز الصحة النفسية لهم ولأسرهم من خلال خلق بيئة مساندة وآمنة.
وتشارك إيمان سرور، وهي معلمة من فئة الصم، في هذه الخيام بتدريس الأطفال مادة الرياضيات، بمساعدة متطوعة تترجم المعلومات للأطفال من غير الأشخاص ذوي الإعاقة.
وتبدي إيمان سرور، التي نزحت برفقة زوجها وأطفالها من مدينة بيت لاهيا شمال القطاع، سعادة بما تصفه التفاعل الإيجابي للأطفال مع الدروس التي تُقَدَّم داخل الخيمة التعليمية، رغم استمرار الحرب التي تترك آثارها سلبية خطيرة على صحتهم النفسية والجسدية.
في خيام الأمل الملحقة بمخيم بسمة أمل، تُعَلَّم المشغولات اليدوية مثل التطريز والرسم على الزجاج، إضافة إلى تخصيص منجرة لصناعة الأثاث والمقاعد لجلوس الأطفال خلال مشاركتهم في مختلف الأنشطة
وبرأي عبير الوحيدي، المعلمة والاختصاصية الاجتماعية في "جمعية أطفالنا للصم"، فإن الزوايا التعليمية ضمن مبادرة خيام الأمل الخدماتية والتفاعلية تأتي حرصًا على استمرار المسيرة التعليمية للأطفال، ولو بحدها الأدنى، رغم الحرب الدموية والمدمرة، وقد وجدت هذه المبادرة صدى إيجابيًا واسعًا لدى أهالي الأطفال والطلبة، الذين يتوقون لعودة أطفالهم لمقاعد الدراسة.
وردًا على سؤالنا حول كيفية الجمع بين الأطفال من ذوي الإعاقة السمعية والبصرية والحركية في هذه الخيام التعليمية، توضح عبير الوحيدي، أن ذلك يتم عبر تقديم المواد التعليمية المتخصصة للمراحل الابتدائية، مع مراعاة النهج الشامل الذي تتم من خلاله عملية الدمج، وسبقه مجموعة من الأنشطة اللامنهجية بهدف تهيئة الدمج وكسر الجمود.