17-مايو-2016

وفد من الارتباط العسكري الفلسطيني يزور المعرض. pnn

مع انقضاء أيام "معرض فلسطين الدولي العاشر للكتاب" المنظم في رام الله، يمكن تسجيل عدة ملاحظات على هذه الفعالية التي يفترض أن تكون الأكبر والأهم في الساحة الثقافية الفلسطينية.

الاحتفاء بالتنظيم والأداء الإعلامي يغدو مضللا في الوقت الذي يغيب الكتاب الجديد والمتنوع عن معرض فلسطين

أولًا: كان المعرض دومًا وفي كل سنة حسب القائمين عليه وأصحاب المكتبات ودور النشر مناسبة لإدخال الكتب الجديدة إلى فلسطين في ظل حالة الحصار الثقافي المستمر، فسياسات الاحتلال تحظر دخول الكثير من الكتب إلى فلسطين تبعا لناشرها وجنسية الإصدارات، ولذلك عشنا ونعيش في شح كبير وفقر كتابي. يعوّضه في بعض الأحيان مزوروا الكتب بنسخ رديئة للرائج عربيا، دون رقابة جادة على نشاطهم. وكقراء مواظبين على القراءة ونعرف جديد الكتب والإصدارات، كان واضحا أن المعرض لم يعرض كتبا جديدة، كما حدث في النسخ الماضية منه، بل إن الأمر اقتصر على جلب متاجر الكتب في الضفة لكتبها من رفوف المكتبات للمعرض، هكذا ببساطة! حتى إن المشهد الرائج في أسواق الكتب والمتمثل في الاستعجال بإطلاق إصدارات جديدة قبيل المعرض لترويجها فيه، غابت هنا، وعرضت الكتب المتوفرة سلفا في السوق.

ثانيا: بالنسبة للقراء/ات فالمعرض بالدرجة الأولى فرصة للحصول على كتب غير متوفرة في السوق الفلسطيني، وهذا لم يحدث، وهو كذلك فرصة للحصول على الكتب بأسعار مخفضة أو مناسبة، خاصة ونحن نعيش طفرة قرائية لدى الجيل الشاب بقدرته الشرائية المتواضعة جدا في ظل الحالة الاقتصادية المتردية، غير أن هذا لم يحصل أيضا، وأسعار الكتب كانت في أحيان كثيرة أعلى من سعرها المتوفر بالسوق خارج المعرض. طبعا باستثناء جناح الدولة الضيف في المعرض، الكويت، ومنشورات مؤسساتها المعروفة بأسعارها الرمزية بطبيعة الحال.

اقرأ/ي أيضًا: "فلسطين تقرأ".. صورة لواقع الكتاب وقرائه

ثالثا: الأرقام المعلنة عن عدد الكتب في المعرض هائلة وغير منطقية نظرا إلى مساحة المعرض وما ترصده العين ويقوله الناشرون، الحديث عن مليون كتاب أو حتى نصف مليون غير دقيق، إلا إذا كان المنظمون يعدّون النسخ لا العناوين، وهذه لوحدها مشكلة إن صحّت.

رابعا: يضاف إلى ذلك عدم الوضوح في أعداد دور النشر المشاركة وطريقة مشاركتها، فالحديث عن 400 دار نشر محلية وعربية، غير حقيقي، فهنالك وكلاء محليون يعرضون كتبا لدور نشر عربية، وهي إصدارات قديمة لدور النشر تلك، ولذلك من غير الدقيق القول إن المركز القومي للترجمة في مصر مشارك في المعرض، وفي كل المعرض لا تجد أكثر من عشر عناوين لكتب صادرة عنه، وقديمة صدرت قبل سنوات! مثلا، في مدخل القاعة الرئيسة للمعرض تجد جناح منشورات المتوسط خاليا من الكتب لأنها لم تدخل، فيما الملصقات الترويجية للدار معلقة في الأرجاء.

خامسا: إن الاحتفاء بالتنظيم والأداء الإعلامي والأمسيات - رغم الاحتجاجات التي طالتها- وغيره، يغدو مضللا في الوقت الذي يغيب الكتاب الجديد والمتنوع عن المعرض، بل ويغيب “الكتاب” كمحدد تقييم رئيس! وإن الرغبة في إنجاح المعرض لا تعني بأي حال، تجاوز عديد الإشكاليات فيه، بل وعدم الوضوح حيالها. شحنات كبيرة من الكتب لم تدخل للضفة الغربية دون وضوح في سبب إعاقة دخولها. إن كان الاحتلال فلماذا لا تصدر وزراة الثقافة بيانا ومعها السلطة لتستثمر المناسبة في فضح ممارسات الاحتلال المدمرة لأي نشاط ثقافي فلسطيني! وإن لم يكن الاحتلال، فتلك قصة أخرى تحتاج تفسيرا.

اقرأ/ي أيضًا: في بؤس مثقف الفقاعة

من أتيحت له من الفلسطينين حضور معارض كتاب عربية، وهم قلة قليلة، يدركون جيدا الفارق النوعي بين معرض فلسطين والمعارض الأخرى، وإن كان يمكننا العثور على عشرات الأسباب لهذا التأخر، فإنه لا يمكن التقاط سبب واحد لعدم الوضوح في عرض وتشريح مشاكل الحالة الثقافية في فلسطين، تحت الاحتلال والسلطة، وأثرها على مناسبة كمعرض الكتاب.

لا يخفى على من يعايش الحالة الثقافية في الضفة الغربية سيطرة نزعة احتفائية بالنشاطات والأحداث

سادسا: وعلى صلة بالملاحظة السابقة، إن الرغبة بإقامة أحداث ونشاطات كتلك التي تقوم بها مؤسسات الدول، والخروج بانطباع القدرة على إدارة الحياة كدولة يبرئ في كثير من الأحيان الاحتلال من جرائمه وسطوته، بل يصل الأمر إلى التغاضي عما يفعله الاحتلال حتى لا يتضح حجم سيطرته على كل شيء وتظهر ادعاءات السلطة عن قدرتها جوفاء، أو لتجنب الحرمان من تسهيلات يقدمها الاحتلال نفسه، نتجاوز عن منع دخول الكتب والضرائب التي ترفع أسعارها لمستويات غير معقولة، حتى لا نفقد السماح بدخول بعض المثقفين من دولة عربية بتصاريح أمنية للمشاركة في النشاطات وإعطائها طابعا عربيا، وحتى هذه يضيقها الاحتلال ويمنع نصف أعضاء الوفود من الدخول. بعد كل هذا يظل الإصرار على مفردة "الدولي" في وصف المعرض، فكيف يمكن أن يستقيم الوصف مع هذه المعطيات كلها! يبدو الأمر غير مفهوم، فلا المحتوى ولا الحضور ولا الإمكانيات تسمح بهذه الأريحية في إطلاق هذا الوصف.

أخيرا: لا يخفى على من يعايش الحالة الثقافية في الضفة الغربية سيطرة نزعة احتفائية بالنشاطات والأحداث، لاعتبارات كثيرة منها ما هو شخصي أو حزبي أو مصلحي، ومنها ما يحدث بحسن نية، تحت قناعة أن كل ما نفعله هو إنجاز بالنظر إلى الظرف المحيط. إلا أن المشكلة اليوم هي تغييب الظرف المحيط والإبقاء على نزعة الاحتفاء المجاني في غالب الأحيان. 

إن نجاحا في تنظيم معرض للكتاب في الضفة هو ما يتمناه كل قارئ وكاتب، وسط القناعة بأن الثقافة قلعة أخيرة للمواجهة مع الاحتلال، أما أن يكون الاحتفاء بالمعرض حتى قبل زيارته وتفحص ما يقدم ورصد سلوك القراء وانطباعاتهم،  فهذا ما يعزز الانطباع بغلبة المجاملات الشخصية والصحفية التي لا تخدم الثقافة والفلسطينية بل تساهم في خفض سقف عملها وإنجازاتها وتحجيم أدوارها.

اقرأ/ي أيضًا:

لعنات النشر العربي

موسم الكتاب في المغرب