قد يظنّ البعض أنّ الإهمال أو التّجاهل أو التّشويه في السينما الغربيّة بما يتعلّق بالفلسطينيّ متعمدًا، وهو كذلك في بعض الحالات التي يكون فيها كلُّ فعلٍ من هذه الأفعال فاضحًا وساذجًا، كحال فيلم "بيروت" مثلاً. ولكنّه، في معظم الحالات، يكون تلقائيًا، عفويًا، غير متعمّد، وليس مخططًا له مسبقًا؛ إنّه ببساطة، منطق الدّولة وسُلطانها في مواجهة "فوضويّي العالم الثالث".
في حالة فيلم "7 أيّام في عينتيبي" للمخرج البرازيلي جوزيه بديا، نستطيع أن نرى ذلك "اللاتعمُّد" في التّشويه والسذاجة، في رواية قصّة عمليّة اختطاف الطائرة الفرنسيّة على يد فدائيِّي الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، وبمشاركة الثورية الألمانيّة بريجيت كولمان والثوريّ الألماني ويلفريد بوس.
في فيلم "7 أيّام في عينتيبي" نستطيع أن نرى ذلك "اللاتعمُّد" في التّشويه والسذاجة، في رواية قصّة عمليّة اختطاف الطائرة الفرنسيّة على يد فدائيِّي الجبهة الشعبيّة
إنّه منطق الدّولة، في مواجهة "الفوضويّة" و"إرهاب الأفراد". فمن المقبول جدًا - غربيًا - أن ترسل دولة، إسرائيل في هذه الحالة، قوّة عسكريّة ضخمة بعتادها العسكريّ كاملاً لمواجهة مجموعة لا تزيد عن بضعة أشخاص مسلّحين بالأسلحة الخفيفة، لاستعادة "مُواطنِيها"، وسيُسمّى ذلك "فعل دولة"، لحماية أمنها وأمن مواطنيها. وسيظلُّ الناقد الفلسطينيّ على الدوّام، يظنُّ أن الدقائق العشر الأخيرة من الفيلم؛ التي يظهر فيها تمجيدٌ هائلٌ للقوّة العسكريّة الإسرائيليّة، والتي تشبهُ ساعات وليس مجرّد دقائق أخرى في العديد من الأفلام، سيظلُّ يظنُّ في ذلك إجحافًا بحق الحقّ الفلسطيني وروايته المطموسة أوروبيًا وغربيًا.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم بيروت.. صدى قديم جديد للإمبراطورية
وعلى الرّغم من أنّ مخرج الفيلم حاول أن يجعل من الفيلم فوق القصّة؛ بمعنى أنّه حاول أن يُبالغ بالحياد في رواية الأحداث، وفي حوارات الشخصيّات وتوضيح دوافعهم الإنسانيّة والعاطفيّة لخطف الطّائرة، إلّا أنّه ظلَّ محكومًا بمنطق الدّولة في التّعامل مع الخاطفين بوصفهم "إرهابيين" لا أكثر.
سيطرت على الفيلم عدّة أفكار مركزيّة؛ عقدة ذنب النازيّة لدى الألمان المشاركين بالاختطاف. "ألمان يختطفون طائرة محمّلة بالإسرائيليين.. ماذا تعتقد أنّ العالم سيفكر؟"، لتردّ عليه بريجيت كولمان في عبارة قد تكون العبارة الوحيدة ذات المعنى غير الساذج في الفيلم: "أتعرف ما الذي يجب علينا التفكير فيه؟ أنّ الألمان غير قادرين على تحليل الصّراع في الشرق الأوسط، لأننا جميعًا مشلولون بعقدة الذنب". أمّا الثوريّ الآخر بوس، فيردّ بطوباوية وسذاجة واضحة – لأنّ مخرج الدولة لن يستطيع أبدًا أن يخترع شخصيّة فوضويّة حقيقية – يردُّ: "أنّ هنالك الحقّ دائمًا للثورة ضدّ الظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي"، ولكنّ الأوّل يجيبه أنه ليس مظلومًا، لا اجتماعيًا ولا سياسيًا ولا اقتصاديًا.
[[{"fid":"72795","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":355,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]
الثوريان الألمانيان بريجيت كولمان وبوس شاركا في العملية مع الجبهة الشعبية
ربّما جاء المخرج جوزيه بديا إلى "إسرائيل" للتأكّد من صحّة السيناريو الذي تسلّمه من شركة الإنتاج، ولكن، كان يجب عليه في البدء، التوجُّه إلى ألمانيا، ومقابلة أولئك الذين تبقُّوا من مجموعة "بادر ماينهوف" الثوريّة اليسارية الألمانيّة التي كانت لها علاقات وثيقة مع وديع حدّاد والجبهة الشعبيّة والثّورة الفلسطينيّة عمومًا. كان يجب أن يذهب لمقابلة أولئك النّاس حتّى يستطيع أن يُجري حوارًا واحدًا حقيقيًا على ألسنة الثوريين الألمان لا يتعلّق بالذنب النازيّ، لأنّ المجموعة الثوريّة لم تكترث يومًا بعقدة الذّنب هذه، ولم تكن شعاراتها مجرّد طوباويّة ساذجة كما صوّرها المخرج، تندم عليها مع مرور الوقت وتتراجع عنها، وذلك تمادٍ آخر للمخرج، أن يُجري تلك الحوارات، ويُبيِّن ذاك النّدم الدراميّ على المشاركة في عمليّة الاختطاف، لأشخاص ليسوا على قيد الحياة كي يرووا قصّتهم كما هي حقًا لا كما يُريد لها المخرج أن تكون.
في فيلم "7 أيّام في عينتيبي"، الفلسطيني لم يتعرض للظلم، ولم يتعرض للعدل أيضًا
يبقى الفلسطينيُّ الفدائيّ في مواجهة "إسرائيل" الدّولة. في حوار بين "جابر" الفدائيّ الفلسطينيّ المسؤول عن عملية الاختطاف، وبين الألمانيّ بوس، يسأل جابر الألمانيّ لماذا هو هنا، ويُخبِرهُ أنّه هنا لأنّه لا يملك وطنًا يعيش فيه حياة لطيفة كأوروبا مثله، وهو هنا لأنه ليس لديه مكان يعود إليه على عكسه. ربّما نستطيع القول، ومن باب الإنصاف، أنّ الفلسطينيّ إذا لم يتعرّض للظُلم في هذا الفيلم، فهو لم يتعرّض للعدل أيضًا. في مقابل، ذلك الشّيء الهائل المُسمّى "دولة إسرائيل"، التي احتلّت حيزًا كبيرًا من أحداث الفيلم لأغراض دراميّة. مكتبُ رئيس الورزاء من ناحية، وقصّة جنديّ وصديقته من ناحية أخرى، وعوائل المختطفين من ناحية أخرى. هناك الصّراع بين شمعون بيريز وزير جيش الاحتلال آنذاك، وإسحق رابين، رئيس الحكومة آنذاك، حيثُ الأوّل يؤيد الحلّ العسكريّ والثاني يؤيّد المفاوضات. الجندي يقول لصديقته: "أنا أقاتل حتى تستطيعي الرّقص"، وتظهر الصديقة وهي ترقص على وقع أغنية "الشيء الأول.. من يعرفه؟"، وهي أغنية عيد الفصح اليهودي، والتي تظهرُ في مقدّمة الفيلم عن طريق رقصة تبدأ مع بداية الفيلم وتُستكمل مع بدء عمليّة تحرير الرهائن، في مزج شبه ديني بين عمليّة تحرير الرهائن وصورة الجنديّ الإسرائيليّ، وتلك الحياة التي "يقاتل من أجلها" في "إسرائيل"، وباختصار: إنّه منطق الدّولة في مواجهة الإرهابيين.
في النهاية، لم يتعمّد الفيلم أن يتبنّى منطق الدّولة في مواجهة "الفوضويّ الإرهابيّ"، أي، المقاوم بلغة العالم الثالث المحلّية، لكنّه فعل ذلك لأنّه لا يستطيع إلَّا أن يفعل ذلك. لذلك، صوّر ثوريين آمنوا بشيءٍ واحد وهو الحريّة المطلقة في مواجهة الدّولة - وهم مجموعة "بادر ماينهوف" الألمانيّة - على أنهم مجموعة ثوريّة طوباويّة ساذجة. كذلك فعل بالفلسطينيّ، رغم محاولته بيان دوافعه الإنسانيّة والعاطفيّة، إلّا أنّه ببساطة، لم يستطع إلَّا أن يطمُسَ حُضوره في مقابل حضور الدّولة – إسرائيل – المذهل والطّبيعيّ.
اقرأ/ي أيضًا:
8 أفلام أجنبية تناولت القضية الفلسطينية