23-مارس-2024

تسعى لجنة الخط الأزرق إلى تأبيد المصادرة (Getty)

منذ تسعينيات القرن الماضي، أوجدت سلطات الاحتلال ما بات يعرف بطاقم الخط الأزرق، وهو طاقم يتبع للإدارة المدنية الاحتلالية المسؤولة عن وضع الأراضي والبناء في الأراضي الفلسطينية الواقعة أسفل الاحتلال الإسرائيلي، وتأتي تسمية الطاقم "بطاقم الخط الأزرق" لأن حدود الخرائط التي تنتجها هذه اللجنة، وهي خرائط تشير إلى أراضٍ تم إعلانها كأراضي دولة، تأتي ملونة باللون الأزرق. 

دور طاقم الخط الأزرق هو إما تثبيت أراضٍ تمت مصادرتها أو تشريع مصادرة أراضٍ جديدة

حجة إنشاء هذا الطاقم، أو هذه اللجنة، أن دولة الاحتلال حين قامت بإعلان مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين كأراضي دولة، يمنع على الفلسطينيين استصلاحها أو استخدامها، بل تنزع ملكيتها منهم، كانت تفتقر إلى الإمكانيات التكنولوجية، والخرائط المتطورة، لكن، ومنذ تسعينات القرن الماضي، ادعت أنها قامت بإيجاد هذه اللجنة حتى تراجع الإعلانات السابقة وتقوم بإعادة أراضٍ إلى أصحابها، وبالطبع مصادرة أراضٍ جديدة.

ينحصر إذن عمل طاقم الخط الأزرق في إعادة ترسيم الأراضي الفلسطينية التي جرى مصادرتها في الماضي عبر آلية إعلانها أراضي دولة تحت ذريعة التوقف عن زراعتها مدة من الزمن، أو لكونها وعرة، وغير قابلة للفلاحة. جزء من هذه الأراضي خصصتها سلطات الاحتلال لإقامة مستعمرات، ومع توسع المستعمرات فإن الكثير من هذه المستعمرات تمددت خارج مخططاتها التنظيمية القائمة بل وحتى خارج ما يعرف بمنطقة نفوذ المستعمرة وامتدت لتصل الأراضي الفلسطينية الخاصة خارج منطقة نفوذ المستعمرة.

وتكمن خطورة هذا الترسيم أو دراسة حدود الأراضي المعلنة كأراضي دولة في حقيقة أنه لا يحق لأحد الاعتراض عليها في المحاكم الإسرائيلية، بالرغم من أن الإعلانات الصادرة من طرف الاحتلال الإسرائيلي تتيح حق الاعتراض في فترة زمنية تصل إلى 45 يومًا، لكن تجربة الفلسطينين في هذا السياق، والمستمدة من القاسم المشترك لنتائج مسح طاقم الخط الأزرق تشير وكما تبين الخرائط، إلى أن المساحة الكلية المعلنة في أمر الإعلان القديم تبقى تقريبًا كما هي، أو مع اختلاف محدود نسبيًا. لكن الأخطر هو أنه يتم إدخال مساحات جديدة في خارطة الترسيم الجديد بحكم أنها ذات أهمية استراتجية لتوسع المستعمرات المستقبلي، مقابل إخراج مساحات مشابهة تقريبًا من حيث عدد الدونمات.

كما أن الأراضي التي يتم إخراجها من قرار إعلان الدولة، لا يستطيع أصحابها الوصول إليها، ولا يستطيعون حتى تسجيلها تسجيلًا مجددًا في قيود الأراضي لصالحهم، بحكم مجرد كونها غير قابلة للفلاحة أو أن المساحة غير القابلة للفلاحة تزيد عن نسبة 50% من مساحتها الكلية، فهي تعتبر أراضي دولة حتى لو لم يسبق أن تم الإعلان عنها كأراضي دولة. وفي حالات كثيرة فإن العديد من المساحات التي يتم إخراجها هي في الواقع جزء من المناطق المقامة عليها أبنية المستعمرات وبالتالي لا تعود إلى أصحابها.

وبعد انقطاع دام لأكثر من عامين عادت لجنة الخط الأزرق، أو طاقم الخط الأزرق المخصص لهذا الشأن للاجتماع في آذار الحالي من أجل مراجعة الحدود المرتبطة بمحافظة الخليل، وعلى إثرها قامت بتغيير حدود منطقة معلنة كأراضي دولة منذ العام 1982. التغيير قام بإخراج أراضٍ من الإعلان، وقام بإضافة مساحات أراضٍ أخرى للإعلان. والمنطقة المستهدفة في محافظة الخليل هي تحديدًا منطقة يطا/ سوسيا/وادي السويد.

الأراضي التي يتم إخراجها من قرار إعلان الدولة، لا يستطيع أصحابها الوصول إليها، ولا يستطيعون حتى تسجيلها تسجيلًا مجددًا في قيود الأراضي لصالحهم

والمساحة التي تم إخراجها تتوزع على 10 دونم وهي الملونة باللون الأصفر، في حين كانت المساحة التي تمت  مصادرتها وإضافتها إلى الأمر السابق تبلغ 19 دونمًا وهي معلمة باللون الأحمر، في حين أشارت الخارطة أن مجمل المساحة المعلنة في العام 1982 تبلغ مساحتها 90 دونمًا.

يشكل هذا النموذج إطارًا واضحًا لما يمكن أن ينتج عن اجتماعات هذه اللجنة من إمعان في مصادرة الأراضي، فهي من جهة تثبت عمليات مصادرة سابقة، تدعي دولة الاحتلال أنها افتقدت إلى الدقة نظرًا لانعدام إمكانياتها (انظر الخارطة الجانبية لمصادرة من العام 1982)، ومن جهة أخرى تقوم بإضافة أراضٍ أخرى للإعلانات السابقة، والأهم من ذلك، أنها تمنع على المواطنين الوصول إلى الأراضي التي أفرجت عنها، بحجة وجود أبنية أقيمت بحسن النية، وبالتالي لا تتنازل دولة الاحتلال عنها أيضًا، لتبقى الأمور في ذات الدوامة، مصادرة إلى الأبد.