24-يناير-2024
من جنوب الخليل في الضفة الغربية - getty

من جنوب الخليل في الضفة الغربية - getty

نهاية كانون أول/ ديسمبر 2023 المنصرم، أصدرت سلطات الاحتلال قرارًا عاجلًا بوضع اليد لـ "أغراض أمنية وعسكرية" على قطعة أرضٍ بمساحة 31.886 دونمًا من أراضي قرية دير اسيتا بمحافظة سلفيت، حمل الأمر رقم (م.د/53/23) أي أنّه يقضي بمصادرة الأرض لأغراض عاجلة. وعند تحليل الخريطة المرفقة مع الأمر العسكري، تتجلى خطورة ما يفرضه الأمر العسكري من وقائع باعتباره يشكّل بداية لتنفيذ مخطط بتسلئيل سموتريتش الذي اقترحه قبل أشهر، ويوصي من خلاله بفرض مناطق عازلة أو كما أسماها "مناطق آمنة" حول مستوطنات الضفة الغربية، تُشكّل شريطًا فارغًا يمنع الفلسطينيين من الاقتراب منها.

تتجلى خطورة الأوامر العسكرية الحالية في الضفة، باعتبارها تنفيذ لمخطط بتسلئيل سموتريتش الهادف لفرض مناطق عازلة أو "آمنة" كما أسماها حول المستوطنات لتُشكّل شريطًا فارغًا يمنع اقتراب الفلسطينيين منها 

الأمر العسكري الإسرائيلي المشار إليه في الخارطة (أدناه) يستهدف الأراضي التي تحيط بمستوطنة "رفافا" المقامة على أراضي دير استيا في محافظة سلفيت شماليّ الضفة الغربية، وتحظر من خلاله سلطات الاحتلال على المواطنين الوصول إلى مساحات شاسعة من أراضي المنطقة المحددة في الأمر العسكري. ولا يكتفي الاحتلال بحدود المستوطنة المعروفة والمخصصة للبناء والتوسعة، ولا للشريط الأمني الذي يمنع أصلًا أي أحد من الاقتراب منه، بل أضاف حدودًا إضافية، وبالتالي تضييقًا مضاعفًا على الفلسطينيين (1).

أمر عسكري إسرائيلي بمصادرة أراض من دير استيا بسلفيت، والمحيطة بمستوطنة "رفافا"
أمر عسكري إسرائيلي بمصادرة أراض من دير استيا بسلفيت، والمحيطة بمستوطنة "رفافا"

 

وبالعودة إلى صاحب الفكرة، وزير مالية الاحتلال اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، والذي بدا منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى حكومة الاحتلال وزيرًا فيها بصلاحيات مفتوحة، مهووسًا بفكرة السيطرة على الأرض، وبتضييق الخناق على الفلسطينيين، باعتباره يمتلك مفتاحين رئيسيين بين يديه للتحكم في رقاب الفلسطينيين، الأول كونه وزيرًا في وزارة الجيش، ومسؤولًا عن ملف "الإدارة المدنية" تحديدًا التي تتحكم في سياسات البناء والحياة في الضفة الغربية لا سيما المناطق المصنفة "ج"، والتي تبلغ مساحتها 61 في المئة من مجمل مساحة الضفة الغربية، بالإضافة إلى مسؤوليته المباشرة عن ملف التوسع الاستيطاني، والثاني أنه وزير المالية في الحكومة، وهو الذي يقرر تمويل وتخصيص الأموال لصالح الجماعات الاستيطانية التي ترعى أنشطة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس.

وينطوي هذه المخطط على مجموعة من المخاطر، أوّلها، توقيته المتزامن مع موسم الزيتون الفلسطيني، بكل اعتباراته الاجتماعية والاقتصادية والرمزية المهمة للفلسطينيين، وهو ما حدث فعلًا إذ منع الاحتلال الفلسطينيين في معظم مناطق الضفة الغربية من الوصول إلى أراضيهم لقطاف الزيتون، من خلال إجراءات المنع والتضييق التي فرضها الجيش متذرِّعًا بالأوضاع الأمنية الراهنة، وبتسليط عصابات المستوطنين التي شنّت هجمات مسلّحة وخطيرة على قاطفي الزيتون ممن تمكنوا من الوصول إلى أراضيهم في الفترة الماضية.

وتشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن نصف مليون دونم من أراضي الفلسطينيين المزروعة بالزيتون تركت دون قطاف، بل وكانت عرضة للسرقة من قبل مستوطنين قدموا من مستوطنات قريبة، وبالتالي انخفض موسم الزيتون إلى حدوده الدنيا، وهو الأمر الذي أكّده مجلس الزيتون الفلسطيني، الذي أشار إلى انخفاض إنتاج زيت الزيتون لهذا الموسم إلى 11 ألف طن فقط، في مقابل 33 ألف طن للموسم الماضي 2022، من 23 ألف طن وهو معدل إنتاج الزيتون في العام الواحد في فلسطين في السنوات العشر الماضية، وهي السنوات المعيارية.

ثانيها، وهو ابتلاع مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين من خلال أوامر عسكرية، تغلق حدود المستوطنات على مساحات جديدة من الأراضي، ما يؤدي إلى عدم قدرة المواطنين على الوصول إليها، وبالتالي تبويرها لهذه الأراضي، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى إعلان دولة الاحتلال لهذه الأراضي على أنها "أراضي دولة"، وهي الوسيلة التي تستخدمها دولة الاحتلال في تحويل الأراضي لصالح الاستيطان، سواءٌ لبناء مستوطنات جديدة أو توسعة القائم منها على هذا النوع من الأراضي، إذ يعتبر قانون الاحتلال مسألة أراضي الدولة كقانون لتنظيم الأراضي أنه قانون كاشف وليس منشئ، بمعنى أن أية قطعة من الأرض، يمضي على عدم فلاحتها وزراعتها مدة تقدر بثلاثة سنوات، تدخل في إطار قانون أراضي الدولة، وفلاحتها بعيد هذه المدة الزمنية لا ينتزع عنها صفة أراضي الدولة، بمعنى أن الكثير من أراضي الدولة المفلوحة والزروعة الآن قد تجد نفسها في حكم المصادرة، أو الخاضعة لمسمى أراضي الدولة، باعتبار عدم زراعتها لفترة من الزمن، يتم رصدها عبر الأقمار الصناعية في معظم الأحيان ويتم مواجهة المواطنين بهذه الصور في المحاكم، قد تكون قبل عشر سنوات أو أكثر.

أكثر من مليون دونم من أراضي الفلسطينيين أعلنها الاحتلال كأراضي دولة

وتشير المعلومات المكانية المتوفرة، إلى وجود أكثر من مليون دونم من أراضي الفلسطينيين معلنة كأراضي دولة، جلّها تمت مصادرتها وفق هذا الإجراء مطلع ثمانينات القرن الماضي، عندما كان أرئيل شارون وزيرًا للزراعة في حكومة مناحيم بيغن، ثم خصصت دولة الاحتلال ومنذ ذلك الحين معظم عمليات التوسعة الاستيطانية وبناء المستوطنات ومساحات الأرض اللازمة منها وفق ما يطلق عليه بأذونات التخطيط، وهي الأذونات التي تصدرها الإدارة المدنية من أجل تحويل قطعة الأرض من نطاق أراضي دولة إلى أراضي تتبع لمنطقة نفوذ المستوطنة القابلة للاستخدام في هذا الشأن أو حتى في إطار تخصيص هذا النوع من الأراضي من أجل "ِشرعنة" البؤر الاستيطانية بتخصيص أراض لها تمكّنها من التحول إلى مستوطنة بكامل الامتيازات.

يمكن في نهاية المطاف، فهم ما تحاول أن تفعله دولة الاحتلال أسفل غطاء الحرب هذه الأيام، أنها لا تدِّخر جهدًا في إحداث استدعاءات مبتذلة تحاول من خلالها الترويج بأن ما حدث في غزة، وتحديدًا الهجوم على غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر، يمكن أن يتكرر في أراضي ومستوطنات الضفة الغربية من خلال محاولة منع الفلسطينيين من الوصول إلى الأراضي التي موضعت دولة الاحتلال مستوطناتها بداخلها وحولها، ويبدو أن دولة الاحتلال ما تزال تلقى آذانًا تسمع هذا النوع من الادعاءات.