25-سبتمبر-2015

علم فلسطين في ميدان التحرير 2011 (أ ف ب)

"هل سقطت فلسطين من حساب الثورات العربية"، هكذا يتساءل الصحافي الفرنسي، ألان غريش، في مقدمة الطبعة العربية من كتابه "عَلامَ يُطلق اسم فلسطين" (نيسان/ أبريل 2012)، أثناء رده على دعوى بعض المحللين الغربيين؛ بأن تلك الثورات غير مهتمة بالنزاع الإسرائيلي، وغير آبهة بفلسطين، وأن برنامجها لا يعنى إلا بالسياسة الداخلية، وأنها ليست مناهضة لأمريكا وللغرب.

ستتحول الذكرى الرابعة لإغلاق السفارة الإسرائيلية في القاهرة إلى مناسبة لافتتاحها مرة أخرى

عدة شواهد جعلت الصحافي الفرنسي، المهتم بشؤون فلسطين، يذهب إلى خطأ تلك الدعوى. مثلًا، في بلد بحجم مصر، خرج المتظاهرون من ميدان التحرير، في التاسع من أيلول/ سبتمبر 2011، فيما عُرف بـ"جمعة تصحيح المسار"، متجهين إلى مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ليقولوا لسنوات "كامب ديفيد": وداعًا. وليؤكدوا أن هذه الانتفاضات تنظر إلى السياسات الداخلية بالتوازي مع النظر إلى الصراع العربي الإسرائيلي. 

بالفعل تم إغلاق السفارة في القاهرة، حتى كتب غريش، متفائلًا: "من الآن فصاعدًا، يتحتم على أي حكومة مقبلة في القاهرة أن تضع الرأي العام المصري في اعتبارها، ولو جزئيًا. لن يستطيع أي رئيس قادم الخضوع لإسرائيل والولايات المتحدة، مثلما خضع لهما مبارك". 

لم يكن غريش يعلم أن الذكرى الرابعة لإغلاق السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ستتحول إلى حفل افتتاحها مرة أخرى. وأن مصر هي التي ستبادر بعودة العلاقات الدبلوماسية مع الكيان المحتل، بإعادة السفير المصري إلى تل أبيب، في حزيران/ يونيو 2015، بعد أن تم سحبه في 2012، بقرار من محمد مرسي، على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. فلماذا لم تضع الحكومة الجديدة في القاهرة، "الرأي العام المصري"، في اعتبارها، مثلما توقع غريش؟ 

من المعروف أن الشارع المصري، رغم كل محاولات إعلام التطبيع، منذ أكثر من ثلاثة عقود، إلا أنه لم يكن يتررد في التضامن العفوي مع كل ما يخص فلسطين، ويلفظ كل ما يمت بصلة إلى الكيان الصهيوني المحتل. لكن مع صعود النظام العسكري في تموز/ يوليو 2013، بدأت المعادلة في التغير. فالمبررات التي قدمها وزير الدفاع، آنذاك، عبد الفتاح السيسي، للإطاحة بحكم الإخوان، تتلخص في أن السيسي رجل المخابرات الماهر، كشف عن مؤامرة عالمية تُحاك ضد "أم الدنيا"، وأن حركة حماس أحد أطراف هذه المؤامرة. 

يجب ألا ننسى أن الشارع المصري، الذي انتفض في "25 يناير"، كانت أسبابه اقتصادية في المقام الأول، إلا أن الأحداث السياسية التي شهدتها مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة، أنهكت المصريين اقتصاديًا. سيُكمل عبد الفتاح السيسي، "الجَميل" الذي سيقدمه إلى مصر، بتشرحه للرئاسة، لكي يُخلِّص مصر من المؤامرة العالمية الكبرى. إلا أن هذه الأزمات ستستمر حتى بعد أن يصبح السيسي رئيسا، رغم تحالفه مع البورجوازية المباركية وتعاون مؤسسات الدولة (المغمى عليها منذ يناير 2011) معه، والترويج لمشروعاته باعتبارها مشاريع عملاقة، لم تؤت ثمارها، بسبب عدم الاستقرار، الناتج عن الإرهاب.

ربما منذ نكبة 1948، لم يتغير مزاج الشارع المصري تجاه الفلسطينيين مثلما حدث في عهد السيسي!  

استخدام أي ديكتاتور لورقة الاستقرار، ليست فكرة جديدة، فعلها مبارك وكثيرون غيره من قبل. الجديد أن إعلام رجال الأعمال في مصر لم يتوقف يومًا منذ تموز/ يوليو 2013، عن كيل التهم لحماس، بتعاونها مع نظام الإخوان الذي حكم مصر لعام واحد، وأنها احتلت 60 كم من الشريط الحدودي مع مصر، وأنها شاركت مع الإخوان المصريين في فتح السجون في كانون الثاني/ يناير 2011، فيما عرف بعد ذلك بقضية التخابر مع حماس. بالإضافة إلى التحريض الإعلامي على الفلسطينيين المقيمين في مصر (والسوريين أيضًا)، والتضييق عليهم. 

في نفس التوقيت تمامًا، كان نفس الإعلام في مصر، المحرض على الفلسطينيين، يتحدث عن أهمية عودة العلاقات المصرية مع إسرائيل، بموجب اتفاقية السلام 1979. وبعيدا عن الترحيب الإسرائيلي المعلن بوصول السيسي إلى الحكم، يجب الإشارة هنا أيضًا إلى اتفاقية "الكويز"، التي عُقدت في 2004، بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، التي يُسمح بموجبها للمنتجات المصرية بالدخول إلى الأسواق الأمريكية، دون جمارك أو حصص محددة، شرط أن المكون الإسرائيلي في هذه المنتجات 11.7% (تم خفضها في 2007 إلى 10.5%).

يبدو أنه من الصعب النظر إلى العلاقة ما بين القاهرة وتل أبيب، بمعزل عن كل ما سبق. فالسيسي يلوح للمصريين بورقة الاستقرار، والاستقرار لن يأتي إلا بالقضاء على الإرهاب، وحركة حماس الفلسطينية تلعب دورا أساسيًا في دعم الإرهاب في سيناء المصرية، بحسب رواية النظام المصري، الذي يبيع للمصريين، تلميحًا دائمًا، وتصريحًا أحيانًا، أن الاستقرار الذي سيحل أزماتهم الاقتصادية، لا يأتي بالتعاون مع فلسطين/ الإرهاب، بل مع إسرائيل/ التنمية. 

الشريحة الأكبر ممن يسمون بالنخبة المصرية، تبنت رواية النظام المصري الجديد/ القديم، وحلفائه من رجال الأعمال، سواء فيما يخص مصر أو فلسطين، بطبيعة الحال. حتى وصل الأمر إلى أن الكاتبة المصرية، لميس جابر، طالبت في تصريح موتور، بطرد كل الفلسطينيين من مصر ومصادرة أموالهم ومتاجرهم، وإغلاق المعابر إلى أجل غير مسمى. 

لعل هذا، وغيره الكثير، هو ما جعل أحد المفكرين الفلسطينيين، المقيمين في القاهرة منذ الستينيات، يلاحظ أنه رغم تباين مواقف الأنظمة المصرية تجاه الفلسطينيين المقيمين في مصر، بدءًا بعهد السادات، الذي أخرج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، مرورا بالضغوط التي مارسها عليهم نظام مبارك. إلا أنه للمرة الأولى، ربما منذ نكبة 1948، أن يتغير مزاج الشارع المصري، بنسب متفاوتة، تجاه الفلسطينيين، مثلما حدث في مصر السيسي!