تلقي الحرب في غزة بظلالها على حركة الأسواق في الضفة الغربية مع اقتراب شهر رمضان الكريم، وسط أزمة اقتصادية خانقة صعبة، وذلك رغم حملات التنزيلات والعروض المعلنة.
تعج شوارع مدينة رام الله وسط الضفة الغربية بحركة المركبات والمارة، وصياح الباعة من خلف بسطاتهم، لكن هذه الحركة لا تعبر عن حقيقة الحركة الشرائية، فيما يؤكد الجميع بأن هذا العام هو الأسوأ على الإطلاق.
30٪ من بضاعة الضفة الغربية كانت تذهب إلى قطاع غزة، كذلك ساهم تقطيع أوصال محافظات وبلدات الضفة الغربية إلى انخفاض القوة الشرائية
وتغيب زينة رمضان هذا العام عن بسطات الباعة، فلا فوانيس ولا هلال ولا أضواء، في تضامن مع أهالي غزة، وتتكدس البضائع داخل المحلات مع غياب الزبائن.
موسى مناصرة صاحب بسطة للخضار في سوق البيرة المركزي، يجلس فوق منصة خشبية خلف بسطته يتصفح هاتفه المحمول، ينفث سجارته، ودون مبالاة بكل من يمر قرب البسطة ولم يلتفت إليها.
اقتربنا منه وسألناه، "لماذا لا تنادي على المارة وتسوق لبضاعتك؟"، فرد علينا، بـ"أن الكل يتجول في الشوارع أما المقبلين على الشراء فهم قلة، فلا داعي لأتعب نفسي، ومن يريد الشراء سوف يشتري".
يعمل مناصرة على بسطة الخضار هذه منذ 11 عامًا، ويؤكد لـ"الترا فلسطين"، بأنها من أصعب السنوات التي تمر على الجميع من الناحية الاقتصادية.
وعلى بعد عشرات الأمتار من بسطة مناصرة، وتحديدًا عند ساحة الباصات المركزية، يقف سائق الحافلة نعمان فقهاء على مرتفع يطل على الشارع، يراقب المشهد بينما ينتظر امتلاء حافلته بالركاب.
يقول فقهاء لـ"الترا فلسطين"، إنه وفي مثل هذه الأوقات، أي في يوم إجازة، وبالتزامن مع صرف الرواتب وقبل رمضان بأيام، فعادة لا تتوقف الحافلة، وما أن يصل إلى الموقف حتى يجد الركاب بانتظاره، لكن هذا العام مختلف، فهو ينتظر لوقت طويل لامتلاء الحافلة.
ويؤكد "أبو صلاح"، يعمل سائق حافلة لنقل الركاب منذ 17 عامًا، بأن هذه السنة من أسوأ السنوات التي تمر على الفلسطينيين على الصعيد الاقتصادي.
وبالنسبة له، لم يتوقف على انخفاض عدد المتسوقين والحركة الشرائية، فقد وصل الأمر إلى أن بعض الركاب يهمسون له بخجل بأنهم لا يمتلكون ثمن أجرة الحافلة، وسوف يدفعون له عند حصولهم على رواتبهم.
فيما أكد فقهاء بأن بعض المواطنين استدانوا منه بعض النقود لزيارة الطبيب، على أن يسدوا له المبلغ عندما "يفرجها الله عليهم".
ودفعت الأزمة الاقتصادية بعض التجار إلى طرح عروض غير مسبوقة في محلاتهم، وفي ميدان المنارة وسط رام الله، يعرض متجر لبيع الأحذية كميات كبيرة منها بسعر 5 شواقل فقط، ويؤكد صاحب المتجر، بأن ما دفعه لهذه التنزيلات غير المعتادة وبعضها أقل من رأس المال، هو تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين، فهو مضطر للبيع كي يغطي ما عليه من التزامات.
ويؤكد نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة محافظة رام الله والبيرة محمد زيد النبالي لـ"الترا فلسطين" بأن حركة السوق غير طبيعية مقارنة بالسنوات الماضية، ولا يوجد لدى المواطنين قدرة شرائية كما السابق، ويقتصر تسوق المواطنين على الاحتياجات الضرورية فقط.
وعقب بأن كل محافظات الضفة الغربية تعاني من ضائقة مالية كبيرة، فالوضع كارثي على كافة شرائح الشعب الفلسطيني، وهذه السنة تعتبر من الأسوأ على الإطلاق.
أما رئيس غرفة تجارة وصناعة محافظة الخليل عبدة ادريس فقد أوضح لـ"الترا فلسطين"، بأن كل مدخلات السيولة في البلد شبه متوقفة، حيث انقطع عمال الخط الأخضر عن عملهم، بالتالي غياب مليار و200 مليون شيقل دخل شهري عن السوق، وهناك تراجع كبير لتوافد المتسوقين من الداخل الفلسطيني إلى مدن الضفة الغربية، وعدم صرف الحكومة رواتب منتظمة.
وتابع إدريس، بأن 30% من إنتاج مصانع الضفة الغربية كان يذهب إلى قطاع غزة ولكن هذا توقف أيضًا، وهناك حواجز وإغلاقات أدت إلى تقطيع أوصال المدن والبلدات في الضفة الغربية، وكل هذه الأسباب أدت إلى تراجع وانكماش في الأسواق بشكل لم يحدث من قبل.
وأضاف إدريس، بأن تحضيرات الناس لاستقبال رمضان لا تقارن مع السنوات الماضية، لسببين، الأول هو الوضع الاقتصادي العام، والثاني هو التضامن الجمعي مع أهالي غزة، إذ يصعب نفسيًا أن تحتفل برمضان والجزء الآخر من شعبك يشعر بالجوع.
وحول الأسعار بشكل عام، أوضح إدريس بأن الأسعار مرتفعة منذ أشهر، ومع ذلك هناك عروضات كبيرة، فالأمر مرتبط بالعرض والطلب، بالتالي تراجع الطلب دفع التجار إلى خفض الأسعار والقيام بعروض في محاولة لزيادة الطلب.
