شرعت المواقع المزوّدة لخدمة الإنترنت في الضفة الغربية، بحظر مواقع إلكترونية صحافية، منذ منتصف شهر حزيران/يونيو، في مجزرة بدأت بـ11 موقعًا ثم تزايد عدد ضحاياها وصولًا إلى 30 موقعًا عربيًا وفلسطينيًا. عللت الشركات ذلك بـ"أوامر عليا"، وأشارت أخرى بشكل غير رسمي إلى قرارٍ من النائب العام، فيما التزم الأخير الصمت، كما فعلت الرئاسة والحكومة أيضًا.
بعد 9 أيام فقط، وقبل أن تهدأ موجة الاحتجاجات التي نفذتها المواقع المتضررة، ومواقع لم يأتها الدور بعد، وصحفيون، ونشطاء، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ردّ الرئيس محمود عباس بالمصادقة على قانون "الجرائم الإلكترونية"، بعد سنوات من إعداده في العتمة، حدث ذلك ليلة انشغال النّاس بالتجهيز لعيد الفطر.
إقرار قانون للجرائم الإلكترونية في الضفة الغربية يضيّق على الصحافيين ويشرّع حظر المواقع الإلكترونية وتغريمها
"الترا فلسطين" تواصل مع مستشار الرئيس للشؤون القانونية حسن العوري، فكان الردّ بأن القانون جاء نتيجة لقصور القانون الأردني الصادر عام 1960 عن تغطية الكثير من القضايا التي ظهرت وتطورت لاحقًا، ومن بينها؛ المعاملات الإلكترونية، والمستندات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والخوف من التزوير، أو الإخلال بالعقود.
اقرأ/ي أيضًا: فيديو | #لا_للحجب
وأفاد العوري، بأنّ القانون يتطرق في جزئيته الثانية للمواقع الإلكترونية والإعلامية، ومواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها، "إذ سيُطبق على المواقع التي تسيء للمواطنين، وللأخلاق العامة، وللإرث النضالي الفلسطيني، إضافة لإثارة الفتنة الطائفية" وفق قوله.
وقال: "القانون سيعالج هذه الإشكاليات ويضع العقوبات الرادعة (..) الحجب بموجب القانون سيشمل جميع المواقع المُخالفة، بما فيها العربية، وبغض النظر إن كانت تتبع لأي من الفضائيات أو الإذاعات أو وسائل الإعلام المحلية".
ولم يوضح العوري كيفية تحديد "المواقع المسيئة" التي تحدث عنها القانون، و"المخالفات" التي من شأنها إدخالها في هذا التصنيف، لكنّه أوضح أن العقوبات بحقها لن تقتصر على الحظر، بل ستصل إلى فرض غرامات تصل إلى 10 آلاف دينار، والحبس بما لا يزيد عن سنة.
وسيكون القانون الذي يتضمن 50 مادة ساري المفعول، خلال أقل من شهر، بعد نشره في جريدة الوقائع الرسمية، وهو حاليًا هو في ديوان الفتوى والتشريع.
يتكون قانون الجرائم الإلكترونية من 50 مادة استخدمت مصطلحات فضفاضة يُترك للأمن والقضاة تفسيرها كما يريدون
تمرير القانون، الذي لا تعلم به الجهات المعنية ومنها المجلس التشريعي، سيجعل حجب المواقع خطوة قانونية ولا يحق لأحد الاحتجاج عليها، غير أن العوري علل اتخاذ الخطوة قبل إصدار القانون بأن "هذه المواقع تعمل دون التراخيص اللازمة"، مضيفًا، أن النائب العام توجه إلى القضاء وحصل على إذنٍ بإغلاقها.
وتابع، "ليس شرطًا أن يتقدم المواطنون بشكاوى ضد هذه المواقع لإخلالها بالأخلاق أو بث الشائعات، ليتم رفع القضية للقضاء، حيث تقدمت جهات أخرى بهذه الشكوى، وعليه وبعد النظر في أمر هذه المواقع، بعضها ستغلق بشكل دائم، والأخرى سيكون إغلاقها مؤقتًا، وهذا مرهون بتصويب أوضاعها".
"ألترا فلسطين" تواصل مع مؤسسات مجتمع مدني، رفضت التعليق على القانون، وقد عللت بعضها ذلك بأنها ليست على علم به، وقالت أخرى إنها لم تطّلع عليه بالكامل، ما يعني أن القانون لم يُقر بصورة قانونية، إذ لم يخضع للمناقشة والتدقيق من قبل المجتمع المدني، ولا الجهات التشريعية والأطراف المعنية بمواد القانون.
النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة، أكد عدم معرفة رئاسة المجلس بشأن القانون، وعدم عرضه عليهم، موضحًا، أن القانون أُصدر من قبل الرئيس بصورة غير قانونية، كونه غير متوافق مع القانون الأساسي، ويخالف الشرط الذي يعطي الرئيس الحق بإصدار التشريعات وهو "حالة الضرورة التي لا تحتمل التأجيل".
وأفاد خريشة لـ"ألترا فلسطين"، أن هناك تعمدًا في تغييب المجلس التشريعي من قبل الرئيس ومستشاريه القانونيين؛ لتمرير مثل هذه القوانين، مشيرًا إلى "عشرات القوانين" التي أصدرها الرئيس منذ تعطيل المجلس التشريعي، "رغم أنه لا يحق للحكومة ومجلس الوزراء تمرير أي منها كونها ليست جهة تشريع".
نقابة الصحفيين أيضًا لم يتم استشارتها حول القانون ولا إطلاعها عليه، لكنها حصلت على مسودة مسربة منه كان إعدادها قد بدأ في عام 2013/2014، وتظهر حجم الانتهاك لمبدأ حرية الرأي والتعبير، وتجاوز القانون الأساسي وأحكام المادة (27) منه، وفقًا لنبهان خريشة عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين.
المجلس التشريعي ومؤسسات المجتمع المدني لم تطّلع على قانون الجرائم الإلكترونية، ما يجعله غير قانوني
وأعرب نبهان خريشة في حديثه لـ"ألترا فلسطين" عن مخاوف النقابة من تطبيق القانون وفرض "نظام بوليسي، من خلال الرقابة الشديدة على وسائل الإعلام، ومواقع التواصل، ومنع حرية الرأي"، محذرًا من أن القانون مقدمة لتكميم الأفواه، وحجب المعلومات عن الجمهور، وملاحقة الصحفيين.
اقرأ/ي أيضًا: فيديو | قطع رواتب أسرى محررين.. قرارات في العتمة
وأشار خريشة إلى أن القانون مأخوذ عن النسخة الإماراتية التي لا تنسجم مع اتفاقياتٍ دوليةٍ للحقوق السياسية، كانت السلطة الفلسطينية قد وقعت عليها، ما يضع السلطة في موقف حرج.
وأضاف، "النقابة تدرس حاليًا تشكيل تجمع من منظمات العمل الأهلي، وقيادة حملة واسعة للتصدي لهذه السياسية، خاصة أن إقرار القانون تم دون علم مؤسسات المجتمع بكافة أشكالها".
مخاوف خريشة ونقابة الصحافيين، ليست بعيدة أبدًا عن مخاوف عصام عابدين رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق، الذي قال إن القانون استعمل مصطلحات فضفاضة من قبيل أن العقوبات ستطال "كل من يدير موقعًا إلكترونيًا أو ينشر معلومات تضر بالنظام العام والمصلحة العامة"، إذ لم توضح معايير تحدد المصلحة العامة.
وتكمن خطورة القانون، بحسب عابدين، في افتقاره لمعايير الشفافية، كونه أصدر دون إجراء مشاورات مع المجتمع المدني، "وهذه الإشكالية تنطبق على سيل القرارات بقانون التي أصدرها الرئيس، بما يخالف التوجهات السياسية والحكومية التي أعلن عنها، والمتعلقة بالانفتاح على المجتمع المدني".
ولم يذهب بلال الشوبكي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل، بعيدًا عن مخاوف سابقيه، إذ أكد أن صياغة القانون في الغرف المغلقة "بمثابة استغلال يمارسه الرئيس للهامش الذي أعطاه إياه المُشرّع الفلسطيني، لخدمة أجندة سياسية ستؤدي في محصلة الأمر لزيادة القمع، وكتم الآراء، وتقييد الحريات، وهذا ينافي مبادئ الديمقراطية"، وفق قوله.
وأكد الشوبكي لـ"ألترا فلسطين"، أن القانون سيمكّن السلطة من اعتقال الصحفيين على خلفية آرائهم، ومحاسبتهم على ما يتم نشره، مضيفًا، "في الوقت الذي لم تكن السلطات تستطيع إثبات أي تهمة على أيّ منهم، سيعمل القانون على تجريمهم وشرعنة عملية الاعتقال بصورة موسعة".
مختصون: قانون الجرائم الإلكترونية يشرعن اعتقال الصحافيين ومحاكمتهم بسبب آرائهم وعملهم
وسبق لصحافيين احتجاجهم على ما يقولون إنه "تحكم وزارة الإعلام في إصدار تراخيص لجهات إعلامية وفقًا لتوجهات هذه الجهات وأسماء الصحافيين العاملين فيها". كما سبق للسلطة الفلسطينية إغلاق مكتب العربي الجديد في رام الله، وملاحقة الصحافيين العاملين فيه.
الصحافية نائلة خليل مديرة مكتب العربي الجديد في رام الله، رأت أن التكتم على صياغة القانون، وعدم إطلاع الجهات المعنية والمختصة عليه، "هو عمل تعسفي، بإشراف من حاشية الرئيس الذين أعدوه بعيدًا عن الأنظار"، معتبرة أنّ "ممارسة الرئيس لصلاحياته بطريقة تعسفية تعدٍ واضح على الحريات الصحفية".
ودعت نائلة الصحافيين إلى رفع صوتهم، والاعتراض بقوة، "كي لا يمر القانون كما مرت قضية حجب المواقع الإلكترونية".
يشار إلى أن تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" الذي يصدر سنويًا حول حريات الإعلام في العالم، وضع مناطق السلطة الفلسطينية في تقريره الصادر عام 2017 في المركز 135 من أصل 180 دولة تحدث عنها التقرير، وصنف وضع الصحافة فيها بأنّه صعب.
اقرأ/ي أيضًا:
حجب المواقع الفلسطينية.. هي فوضى!