16-يونيو-2017

عندما رفعنا أصواتنا محتجّين على حظر رواية "جريمة في رام الله"، قيل: "رواية قليلة أدب، وكاتب فاجر". لم يكن احتجاجنا شخصيًا حينها، بل كان تحذيرًا من يوم أسودٍ كهذا، يرتكب فيه النائب العام مجزرة حظر ضد مواقع إخبارية، سرًا، دون أن يقبل هو أو المكتب الإعلامي للنيابة حتى بالتعليق على ما يحدث.

ليس أكثر ما يثير السخرية في هذه القضية، أن يصمت النائب العام والناطقون الإعلاميون باسم الحكومة عن القرار، ويمتنعوا من التعقيب، فيما تتولى مؤسسة إعلامية شهيرة هذه المسؤولية، فتنقل عن مسؤولٍ لم تورد اسمه، وهو على الأغلب غير موجود، تبريره للمجزرة بـ"كثرة القضايا المرفوعة ضدّ المواقع المحظورة أمام النيابة العامّة، وطلب مقاضاتها بتهمة الشتم والتزوير والاعتداء على حريّات الأفراد والتنظميات". ورغم أن محرر الخبر أتبع هذا التبرير بـ"على حدّ قوله"، إلا أنّه لم يستطع أن يخفي حقيقة أن الخبر كله لم يُكتب إلّا دفاعًا عن النيابة العامة وقرارات الحظر.

ومما يثير الأسف في هذه القضية، ذهاب شريحةٍ واسعةٍ من المحتجين على الحظر، إلى التقليل من أهمية القرار وجدواه، والحديث عن حلولٍ سهلةٍ لهذه المشكلة، بالتوجه لبرامج فكّ الحظر، أو شراء شرائح هاتف إسرائيلية (3G) وتصفح المواقع من خلالها.

يغفل المحتجون على حظر مواقع إلكترونية عن جوهر المشكلة، وهي أن مبدأ الحظر مرفوض، سواءً كان مجديًا أو لا فائدة منه

لقد أغفل المحتجون هنا المشكلة الحقيقية، وهي اتخاذ سلطةٍ ما (فاقدة للسيادة على كل شيء) قرارًا بالحظر، حظر أي شيء، سواءً كان عملاً أدبيًا، أو موقعًا إلكترونيًا، أو غير ذلك. المشكلة أننا نشاهد تحوّل السلطة المُحتلة إلى نظام بوليسي قمعي، في زمنٍ تسببت فيه الأنظمة القمعية بحروبٍ مفتوحةٍ في بلدانها. المشكلة في مبدأ تكميم الأفواه، واستخدام كل وسائل القمع، حتى الفاشلة منها والقديمة، في إسكات كل رأيٍ وصوتٍ مخالفٍ للسلطة.

ليست مجزرة الحظر هذه إلّا نتيجة لردودنا الضعيفة على مجازر أخرى سبقت. مثل "أحداث مجمع المحاكم"، هذه التي خرج على إثرها نقيب الصحفيين بتصريحاتٍ ناريةٍ، ظنّ قليلو الخبرة على إثرها أن زمن انتهاك الحرية والتنكيل بالصحفيين قد انقضى إلى غير رجعة، ولم يثمر الأمر إلا عن إصدار نتائج تحقيقٍ أرضت شريحة واسعة من المحتجين، وكان الرد عليها من مجلس القضاء الأعلى بمخاطبة رئيس الحكومة لإلغاء توصيات اللجنة، "لأنها تمثل تدخلاً فظًا في عمل القاضي، ومحاولة للضغط عليه لإرضاء الرأي العام".

لقد أكلنا جميعًا يوم أُكل الثور الأبيض إذن! منذ سكتنا على قرارات الحظر السابقة، منحنا النيابة العامة الضوء الأخضر لمزيدٍ من الانتهاكات بحق حرياتنا، وصحافتنا، وآرائنا. ونحن اليوم نكرر الخطأ ذاته، فننشغل بالتقليل من جدوى الخطوة، وتبادل البرامج القادرة على فك حظر المواقع المحظورة، عن اتخاذ موقفٍ حادٍ وصارمٍ وجماعي ضد سياسة الحظر، بصرف النظر عن الجهات الإعلامية المحظورة، ومدى توافقنا مع سياساتها التحريرية أو اختلافنا معها.

ومسألة التصدي للحظر بصرف النظر عن الجهات المستهدفة؛ من أهم ما يجدر بنقابة الصحفيين أن تتولاه الآن. هذه النقابة التي من نافلة القول، إن صمتنا كصحفيين على التأجيل غير المبرر لانتخابات أمانتها العامة، هو ما أفضى بنا إلى هذا الحال. فلو كان للصحفيين جسمٌ نقابيٌ يُنظر إليه باحترامٍ من قبل أهل السلطة، لما وصل الحال بالصحفيين لأن يكونوا الحلقة الأضعف في كل مكونات هذا المجتمع.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا حديثنا هذا، أن حديثًا يدور عن استئناف المفاوضات بعد أشهرٍ، وبعد التزام السلطة الفلسطينية بشرط إسرائيلي – أمريكي، يتمثل بالقضاء على كل أشكال التحريض. وبجولة سريعة على المواقع المحظورة، سنجد أن قسمًا منها يُصنف كـ"محرضٍ" وفق المعايير الإسرائيلية، فهل هذه أول التزامات السلطة الفلسطينية من أجل استئناف المفاوضات؟ على أي حال، يبقى السبب ثانويًا، والأساسي هُنا، أنّ مبدأ الحظر يجب أن يكون مرفوضًا، مرفوضًا على كل حال، ومن أي طرف.


اقرأ/ي أيضًا:  

حجب المواقع الفلسطينية.. هي فوضى!

فيديو | هل حجب النائب العام مواقع إلكترونية؟

"اشتباك" بين التنفيذية والقضائية يهز استقلال القضاء