الترا فلسطين | فريق التحرير
تحظى شركات نقل فلسطينيّة بامتياز إدخال بضائع التُجّار والقطاع الخاص من الجانب المصري إلى جنوب قطاع غزة، وإلى شماله في الآونة الأخيرة، بعد أن تحصّلت على موافقة إسرائيليّة عبر التنسيق المباشر. وتنظر الجهات الرسمية في غزة لهذه الشركات اليوم على أنّها تتحمّل جزءًا من مسؤولية ارتفاع أسعار البضائع أثناء الحرب، جرّاء "دور احتكاري" تلعبه، إضافةً لتقاضيها مبالغ مالية من المستوردين.
تشير مصادر في الحكومة التي تديرها حماس بغزة، إلى أنّ شركات النقل تتحمّل مسؤوليّة ارتفاع أسعار البضائع بشكل فلكيّ، إثر المبالغ الكبيرة التي تُحصّلها من التجار مقابل نقل البضائع أو التنسيق لنقلها
وتعمل شركات "شحيبر" و"الخزندار" و"عزو عقل" و"ضبان" و"الخضري"، على التنسيق مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لنقل البضائع إلى قطاع غزة.
ووفق مصادر رسمية تحدثت لـ الترا فلسطين فإنّ شركة "شحيبر" التي كانت من الشركات الرائدة في إدخال البضائع قبل الحرب، تمارس اليوم دورًا احتكاريًا في إدخال البضائع من مصر عبر بوابة صلاح الدين، وتأخذ مبالغ مالية ليست قليلة من التجار والمستوردين، عدا عن أنّها تتقاضى قرابة 80 ألف شيقل (قرابة 22 ألف دولار) مقابل التنسيق لإدخال بضائع إلى شمال قطاع غزة، الأمر الذي كان له دور في رفع أسعار السلع لمبالغ خياليّة، بحسب مصادر تحدّثت لمراسل الترا فلسطين.
وتؤكد وزارة الاقتصاد في قطاع غزة على أن لا علاقة لها بتلك الشركات، وأن الاحتلال الإسرائيلي هو من سمح لمجموعة شركات خاصة بإدخال بضائع من الجانب المصري عبر معبر رفح، بحسب ما أفاد به مدير عام السياسات في وزارة الاقتصاد، أسامة نوفل، لـ الترا فلسطين.
تتقاضى الشركات من التاجر ما بين الـ 50 إلى 100 ألف شيقل مقابل إدخال الشاحنة الواحدة، إضافة للمطالبة بالدخول كشريك في البضائع
ورغم أن إدخال البضائع عبر تلك الشركات ساعد على كسر الحصار الخانق الذي فرضته "إسرائيل" على حركة الأفراد والبضائع من وإلى قطاع غزة برًا وبحرًا وجوًا ولعدة أشهر، إلا أن أسعار البضائع ومن يتحكم فيه، يفتح المجال لأسئلة تحتاج لإجابات، خاصة أنه وبعد أكثر من 6 أشهر من الحرب يواجه المواطن المكلوم والمحاصر أزمة مالية خانقة، ووضعًا اقتصاديًا صعبًا يجعل إمكانية حصوله على البضائع بأسعارها الخياليّة أمرًا شبه مستحيل.
وحصلت واحدة من الشركات على امتياز لإدخال "الوقود وغاز الطهي" إلى مدينة غزة وشمال القطاع. بينما تختص شركة أخرى في نقل الدقيق. وتعمل باقي الشركات على إدخال البضائع بكافة أشكالها كالدجاج واللحوم المجمدة والخضروات والفواكه والمعلبات وغيرها.
"حان الوقت لنربح!"
تتقاضى هذه الشركات من التاجر ما بين الـ 50 إلى 100 ألف شيقل مقابل إدخال الشاحنة الواحدة، إضافة للمطالبة بالدخول كشريك في البضائع، ما يعني الحصول على ربح مضاعف.
وتسيطر شركات النقل التي تعمل حاليًا في قطاع غزة على نحو 80 في المئة من البضائع التي تدخل مدينة غزة وشمال القطاع، ومن ثم يتم ضخ تلك البضائع بأسعار فلكية في الأسواق، ليدفع الغزي الذي يعاني ويلات الحرب، والجوع والفقر، أثمانًا فلكيّة مقابل الحصول على البضائع التي يحتاجها.
وفي هذا الصدد، يؤكد مدير السياسات بوزارة الاقتصاد، أن الأسعار التي تفرضها تلك الشركات مقابل التنسيق وإدخال البضائع هو سبب الاعتراض عليها، حيث إن التنسيق مع الاحتلال مجانيّ، بينما تفرض الشركات مبالغ تصل إلى 80 ألف شيقل مقابل ذلك.
تؤكد وزارة الاقتصاد انخفاض أسعار النقل خلال الأسابيع الماضية، إلا أن واقع الحال يثبت عكس ذلك، بحسب ما توصل إليه "الترا فلسطين"
ويكمل نوفل: "هذه جريمة يرتكبها أصحاب الشركات، فكيف يقبلون على أنفسهم أن يدفع الفقراء في محافظة غزة وشمالها هذه المبالغ الكبيرة جدًا؟"، مشيرًا إلى أن الأسعار انخفضت في الآونة الأخيرة، بعد أن أصبح التنسيق للشاحنة الوحدة يكلّف ما بين 5 إلى 7 آلاف شيقل فقط.
وبينما تؤكد وزارة الاقتصاد انخفاض أسعار النقل خلال الأسابيع الماضية، إلا أن واقع الحال يثبت عكس ذلك، بحسب ما توصل إليه "الترا فلسطين" أثناء حديثه مع شركات النقل المقصودة، أو تجار يتعاملون مع شركات النقل.
وتواصل "الترا فلسطين" مع واحدة من هذه الشركات للسؤال حول إمكانية نقل شاحنة محمّلة بالبضائع من جنوب قطاع غزة إلى شماله، فأكدت الشركة قدرتها على نقل تلك البضائع والحصول على الموافقة الأمنية الإسرائيلية مقابل 100 ألف شيقل (نحو 27 ألف دولار).
صاحب شركة لـ"الترا فلسطين": "الكل يقبل هذه التسعيرة، فلماذا أقبل بأقل من ذلك؟!"
وقال صاحب الشركة (ع . ع) إنّه "لا يقبل نقل الشاحنة مقابل 20 أو 50 ألف شيقل، وهذا وقت العمل وجني الأرباح، مضيفًا أنه يشتري البضائع، ويرسلها إلى شمال القطاع على نفقته الخاصة، وأيضًا ينقل البضائع لبعض التجار مقابل 120 لـ 130 ألف شيقل "الكل يقبل هذه التسعيرة، فلماذا أقبل بأقل من ذلك؟!".
وردًا على سؤال "الترا فلسطين" بأنّ هذه المبالغ تنعكس على المواطن المحاصر في القطاع، أجاب صاحب الشركة محتدًا: "لو أضمن أن التاجر سيبيع البضائع في قطاع غزة بسعرها الطبيعي، فسأنقلها له دون مقابل، ولكن أنا أعلم أن الجميع يبيعها بـ 10 أضعاف لذلك من حقّي أن أربح أنا أيضًا، وأحصل منه على 100 ألف شيقل مقابل التصريح والنقل، هذه تجارة ولا يوجد في التجارة عواطف".
التنسيق مقابل 35 ألف دولار
وصل "الترا فلسطين" لشركة نقليّات معروفة في شمالي قطاع غزة، ولكن اسمها غير مدّرج ضمن الشركات المسموح لها بالتنسيق وإدخال البضائع التجارية من مصر إلى جنوب القطاع، أو من الجنوب إلى شمالي القطاع.
بعض الشركات الحاصلة على امتياز التنسيق لنقل البضائع، رفضت العمل منذ أشهر بسبب أسعار البضائع المبالغ فيها
يقول المدير التنفيذي للشركة: "توجهت إلى شركات النقل التي تنقل البضائع من الجنوب إلى الشمال، لأن لديّ زبائن وشركات تتعامل معي منذ سنوات، وأريد مساعدتهم على نقل بضائعهم، فطلبت مني إحدى الشركات 35 ألف دولار، وشركة أخرى طلبت مني 100 ألف شيقل ثمنًا للتنسيق فقط على أن تقوم شاحناتي بنقل البضائع بعد ذلك"، ما دفعه لرفض نقل بضائع التجار بهذا الثمن.
ويؤكد المدير (ر. ع) أن الأرقام مبالغ فيها، وفيها إجرام بحق المواطنين الصامدين في شمال قطاع غزة "عائلتي وأشقائي وأعمامي ما يزالون في الشمال، وعندما تنقل البضائع بهذه الأسعار سيدفعون ثمن صمودهم وبقائهم في الشمال".
شركة ترفض الابتزاز
خلال عملية البحث توصّل "الترا فلسطين" إلى شركة حاصلة على امتياز التنسيق لنقل البضائع، ولكن صاحبها "أبو محمد" يرفض العمل منذ شهر بسبب أسعار البضائع المبالغ فيها، وقد ينعكس ذلك على اسمه سلبًا في المستقبل، كما يقول.
يقول صاحب الشركة، إنه كان ينقل البضائع من مصر إلى جنوب قطاع غزة، ويتم بيعها بسعرها الطبيعي؛ وبذلك يساهم بخفض الأسعار في الأسواق نوعًا ما، ولكنه رفض نقل البضائع لمدينة غزة والشمال كي لا يشارك في "تدفيع" المواطنين ثمن صمودهم.
صاحب شركة نقل: عندما يتم نقل البضائع بأسعار معقولة، وعندما يضخ التجار بضائعهم في الأسواق بسعرها الطبيعي، فإنّ ذلك يجبر باقي التجار على خفض أسعارهم أيضًا
ويكمل: "عندما وجدت تاجرًا يريد نقل البضائع التجارية إلى شمال قطاع غزة لبيعها بالسعر الطبيعي، وافقت على العودة إلى العمل والتنسيق له، واستطعنا نقل الدقيق ليباع مقابل 70 شيقلًا بعدما كان يباع مقابل 250 - 500 شيقل".
ويضيف أنّه "أدخل الدقيق وجميع أنواع البقوليات والخضروات وزيت الذرة إلى شمال قطاع غزة، وتم بيعها كما تباع في جنوب قطاع غزة، وبذلك ساهمنا في كسر الحصار وخفض الأسعار".
ويلخّص صاحب شركة النقل المشهد الحاصل في شمال القطاع تحديدًا، بالقول إنّه عندما يتم نقل البضائع بأسعار معقولة، وعندما يضخ التجار بضائعهم في الأسواق بسعرها الطبيعي أو كما تباع في جنوب القطاع، فإنّ ذلك يجبر باقي التجار على خفض أسعارهم أيضًا.