30-أكتوبر-2024
مجازر غزة في إدارة أميركية

(Getty)

كشفت صحيفة "الواشنطن بوست"، عن وصول ما يقرب من 500 تقرير للإدارة الأميركيّة، تدور حول أنّ إسرائيل استخدمت أسلحة قدّمتها الولايات المتّحدة لشنّ هجمات تسبّبت في أضرار "غير مبرّرة" للمدنيّين في قطاع غزّة، لكنّها فشلت في الامتثال لسياساتها الخاصّة الّتي تتطلّب إجراء تحقيقات سريعة في مثل هذه التقارير، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.

وقال هؤلاء الأشخاص، الّذين تحدّثوا شريطة عدم الكشف عن هويّتهم؛ لأنّهم غير مخوّلين بمناقشة المداولات الداخليّة، إنّ بعض هذه الحالات الّتي عرضت على وزارة الخارجيّة الأميركيّة، خلال العام الماضي على الأقلّ، "ربّما تشكّل انتهاكات للقانون الأميركيّ والدوليّ".

الإدارة الأميركية ترفض مصداقيّة المصادر الفلسطينيّة، وروايات شهود العيان، والمنظّمات غير الحكوميّة، والروايات الرسميّة من السلطة الفلسطينيّة، وحتّى من الأمم المتّحدة، حول المجازر في غزة

وتردّ التقارير من مختلف أنحاء الحكومة الأميركيّة، ومنظّمات الإغاثة الدوليّة، والمنظّمات غير الربحيّة، وتقارير وسائل الإعلام، وشهود عيان آخرين. وتتضمّن العشرات من هذه التقارير توثيقات بالصور لشظايا قنابل أميركيّة الصنع في مواقع قتل فيها عشرات الأطفال، وفقًا لمناصري حقوق الإنسان.

ومع ذلك، وعلى الرغم من إرشادات وزارة الخارجيّة الأميركيّة، الداخليّة للاستجابة لحوادث الأذى المدنيّ، والّتي تأمر المسؤولين بإكمال التحقيق والتوصية باتّخاذ إجراء في غضون شهرين من بدء التحقيق، لم تصل أيّ حالة واحدة إلى مرحلة "الإجراء"، كما قال مسؤولون حاليّون وسابقون لصحيفة "الواشنطن بوست". وأضافوا أنّ أكثر من ثلثي الحالات لا تزال دون حلّ، مع انتظار العديد من الحالات ردًّا من الحكومة الإسرائيليّة، الّتي تستشيرها وزارة الخارجيّة للتحقّق من ظروف كلّ حالة.

ويقول منتقدو استمرار إدارة بايدن في تزويد إسرائيل بالأسلحة، بعد مرور 13 شهرًا على الحرب الّتي أسفرت عن مقتل 43 ألف شخص، وفقًا للسلطات الصحّيّة في غزّة، إنّ التعامل مع هذه التقارير هو مثال آخر على عدم رغبة الإدارة في تحميل "حليفها الوثيق المسؤوليّة عن الخسائر الفادحة في الصراع".

وقال جون رامينج تشابيل، المستشار القانونيّ والسياسيّ الّذي يركّز على المساعدات الأمنيّة الأميركيّة ومبيعات الأسلحة في مركز المدنيّين في الصراعات: "إنّهم يتجاهلون الأدلّة على الأذى والفظائع الّتي تلحق بالمدنيّين على نطاق واسع للحفاظ على سياسة نقل الأسلحة غير المشروطة تقريبًا إلى حكومة نتنياهو. عندما يتعلّق الأمر بسياسات الأسلحة الّتي تنتهجها إدارة بايدن، فإنّ كلّ شيء يبدو جيّدًا على الورق؛ ولكنّه تبيّن أنّه لا معنى له في الممارسة العمليّة عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل".

وقال مسؤول أميركيّ، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويّته بموجب المبادئ التوجيهيّة الّتي وضعتها الإدارة، إنّ الحكومة تتابع عن كثب الحوادث المحالة إلى وزارة الخارجيّة، وتستفسر من الحكومة الإسرائيليّة عنها. وأضاف المسؤول أنّه حتّى عندما لا تحلّ القضايا، فإنّ التحقيقات تساعد في توجيه السياسة.

وفي يوم الثلاثاء، أسفرت غارة إسرائيليّة على مبنى سكنيّ عن استشهاد أكثر من 90 شخصًا، بينهم 25 طفلًا، وفقًا لوزارة الصحّة في غزّة. وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة ماثيو ميلر إنّ الولايات المتّحدة "قلقة للغاية إزاء فقدان أرواح المدنيّين" وأنّ واشنطن تسعى للحصول على "تفسير كامل".

في وقت سابق من هذا الشهر، أرسل وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن رسالة إلى الحكومة الإسرائيليّة هدّدا فيها بـ"تداعيات" سياسيّة غامضة إذا لم تسمح إسرائيل على الفور بدخول المزيد من المساعدات إلى غزّة، حيث يقول الأطبّاء والمحلّلون إنّ الآلاف ماتوا جوعًا. وقد فسّر التحذير على نطاق واسع على أنّه يعني أنّ واشنطن قد تفكّر في حجب نقل الأسلحة ما لم يتحسّن الوضع الإنسانيّ بشكل ملحوظ.

وفي رسالتهما، أقرّ بلينكنّ وأوستن أيضًا بفشل الجهود الأميركيّة للتخفيف من الخسائر المدنيّة في إسرائيل. وكتبًا: "من الأهمّيّة بمكان أن تنشئ حكوماتنا قناة جديدة يمكننا من خلالها إثارة ومناقشة حوادث إلحاق الضرر بالمدنيّين. لم تسفر مشاركاتنا حتّى الآن عن النتائج اللازمة". ومنحوا إسرائيل 30 يومًا لتقديم النتائج، الأمر الّذي من شأنه أن يؤخّر أيّ إجراء حتّى بعد الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة الأسبوع المقبل.

أعرب بعض المسؤولين الأميركيّين والديمقراطيّين في الكونغرس عن إحباطهم من ميل وزارة الخارجيّة الواضح إلى الاعتماد على إسرائيل لإثبات الاتّهامات الموجّهة إليها.

وقال مايك كيسي، الّذي عمل على قضايا غزّة في مكتب الشؤون الفلسطينيّة التابع لوزارة الخارجيّة في القدس، إنّ كبار المسؤولين يعطون بشكل روتينيّ الانطباع بأنّ هدفهم في مناقشة أيّ انتهاكات مزعومة من جانب إسرائيل هو معرفة كيفيّة وضعها في ضوء أقلّ سلبيّة.

وقال كيسي، الّذي استقال من منصبه في تمّوز/يوليو: "هناك شعور بالتساؤل: كيف نجعل هذا الأمر مقبولًا؟ وليس هناك تساؤل: كيف نصل إلى الحقيقة الحقيقيّة لما يجري هنا؟". وأضاف أنّ كبار المسؤولين غالبًا ما يرفضون مصداقيّة المصادر الفلسطينيّة، وروايات شهود العيان، والمنظّمات غير الحكوميّة، والروايات الرسميّة من السلطة الفلسطينيّة، وحتّى من الأمم المتّحدة.

وقال المسؤول الأميركيّ الّذي ردّ على أسئلة حول تعامل الإدارة مع هذه التقارير، إنّ وزارة الخارجيّة تأخذ في الاعتبار الأصوات الفلسطينيّة والإسرائيليّة في أثناء تقييمها للادّعاءات المتعلّقة بإلحاق الضرر بالمدنيّين، وفق زعمه.

ويقول أشخاص مطّلعون على العمليّة إنّ ربع الحالات على الأقلّ رفضت في المرحلة الأولى من ثلاث مراحل تحقيق، إمّا لأنّها اعتبرت غير موثوقة أو لأنّه لم يكن هناك أيّ مؤشّر على استخدام الأسلحة الأميركيّة. وقد انتقلت أغلب الحالات إلى مرحلة "التحقّق"، حيث "نسأل [حكومة إسرائيل] عن الحالات: هل حذّرت؟ لماذا ضربت هذه المدرسة أو الطريق الآمن أو المنطقة الآمنة؟"، على حدّ تعبير أحد المسؤولين السابقين.

وقال السناتور كريس فان هولن، وهو ديمقراطيّ من ماريلاند، الّذي التقى بمسؤولين من الإدارة الأميركيّة في عدّة مناسبات لمناقشة هذه القضيّة، إنّه يشعر بالإحباط الشديد إزاء ما أسماه الافتقار إلى المتابعة. وقال فان هولن: "لا يوجد جدول زمنيّ محدّد للحصول على ردود على العديد من الاستفسارات غير الرسميّة الّتي قُدِّمَت".

وتعدّ إسرائيل أكبر متلقّ تراكميّ للمساعدات العسكريّة الأميركيّة منذ الحرب العالميّة الثانية، وقد قدّمت لها إدارة بايدن ما لا يقلّ عن 17.9 مليار دولار من المساعدات العسكريّة الأميركيّة في العام الماضي وحده، وفقًا لدراسة حديثة أجراها معهد واتسون للشؤون الدوليّة والعامّة بجامعة براون.

وقال ويليام د. هارتونج، أحد مؤلّفي تقرير معهد واتسون وخبير في صناعة الأسلحة والميزانيّة العسكريّة الأميركيّة في معهد كوينسيّ، إنّه "يكاد يكون من المستحيل" ألّا تنتهك إسرائيل القانون الأميركيّ "نظرًا لمستوى المذابح الجارية، وكثرة الأسلحة الأميركيّة".

ومن بين الحالات الّتي رفعت إلى وزارة الخارجيّة، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر، استشهاد الطفلة هند رجب وعائلتها في سيّارتهم في كانون الثاني/يناير، مع العثور على قطع من قذيفة دبّابة أميركيّة الصنع عيار 120 ملم في مكان الحادث. وكانت هناك شظايا قنابل صغيرة الحجم أميركيّة الصنع صوّرت في منزل عائلة، وفي مدرسة تؤوي مدنيّين نازحين بعد أن قتلت الغارات الجوّيّة الإسرائيليّة في أيّار/مايو العشرات من النساء والأطفال. وكانت هناك زعنفة ذيل ذخيرة هجوم مباشر مشترك من صنع شركة بوينج في مكان غارة جوّيّة في تمّوز/يوليو أسفرت عن مقتل ما لا يقلّ عن 90 فلسطينيًّا.

وتقول سارّة ياجر، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في واشنطن: "إنّ الولايات المتّحدة هي أكبر مانح لإسرائيل بهذه الأسلحة. وقد مضى عام على ذلك. فمتى ستتّخذ الولايات المتّحدة موقفًا حاسمًا؟".