09-أكتوبر-2016

getty

في الثلاثين من كانون أوّل/ ديسمبر عام 2002، قتل جنود الاحتلال الإسرائيلي، ثلاثة أطفال، عادت جثامنيهم إلى ذويهم بعد أيام، دون أعضائهم الحيويّة. يومها، رفع الرئيس ياسر عرفات صور الأطفال الثلاثة قائلًا: "قتلوا أولادنا، واستخدموا أعضاءهم أيضًا!".

جمعيات حقوقية تحدّثت بدورها عن 250 حالة مشابهة لفلسطينيين، عادوا إلى ذويهم دون أعضائهم الحيوية. وفي عام 2005 تحدّث جنديٌّ إسرائيلي عن أنّ طبيبًا من الجنود، كان يستخدم أحد أجساد الفلسطينيين لتكون مثالًا يعطي من خلاله دروسًا في التشريح، مشيرًا إلى أنّ الجسد كان خاليًا من الأعضاء الحيوية، ومليئًا بشقوق الرصاص.

على الرغم من كون سرقة الأعضاء والاتجار بها، تجارة غير شرعية عالميًا، إلّا أنّ إسرائيل لم تُجرّمها قانونيًا إلّا عام 2008.

إلى أي مدى تتورط إسرائيل في تجارة الأعضاء البشرية بشكل عام، وفي تجارة أعضاء الفلسطينيين بشكل خاص؟ للإجابة على هذا السؤال كان من المهم البحث عن كل ما يمكن أن يُكتب عن تجارة الأعضاء في إسرائيل، للوصول إلى إجابة محددة للسؤال. 

البداية كانت من الولايات المتحدة حيث يعيش الإسرائيلي ليفي إيزاك الذي يطلق على نفسه لقب "روبن هود الكلى"، والذي يعيش في نيويورك، ويديرسوقًا سوداء كاملة من تجارة الكلى. إيزاك كان يعطي المتبرع بكليته نحو 10 آلاف دولار، بينما يبيعها لمن يحتاج ويملك المال بـ 120 ألف دولار. وقد كون ثروة تُقدّر بالملايين من وراء هذه التجارة المربحة.

ورغم كُل ذلك، إلّا أن السلطات الأمريكية أطلقت سراح إيزاك رغم اتهامه بتجارة الكلي في السوق السوداء، ولم تجد ضرورة في ترحيله عن أراضيها، وقال محاميه آنذاك، إنّ دائرة الهجرة الأمريكية لم تر في أعماله "أمرًا لا أخلاقي"، وذلك وفقًا لما نشرته صحيفة الديلي ميل البريطانية في كانون أول/ ديسمبر 2014.

اقرأ/ي أيضًا: الملك ديفيد المهووس بأجساد الفلسطينيين وأعضائهم!

رجل آخر من أباطرة تجارة الأعضاء في إسرائيل، كتبت عنه صحيفة هيرالد تريبيون، وهو بوريس وولفمان، الذي تم إلقاء القبض عليه في تركيا، لاتهمامه بالاتجار بالأعضاء البشرية، وتحديدًا الخاصّة باللاجئين السوريين.

كيف يعمل وولفمان؟ ببساطة، كان يدير عمليات زرع الأعضاء في كوسوفو، أذربيجان، سريلانكا، ونجح في عقد صفقات ضخمة بين أعوام 2008 - 2014، حيث يقنع سمسار الأعضاء، المتبرعين أو يجبرهم على التبرع بأعضائهم، وفي بعض الحالات يتم إيهام اللاجئين بضرورة إجراء عمليات لعلاجهم من أمراض (مختلقة)، لكي تتم سرقة أحد أعضائهم دون علمهم!

على موقع "If Americans knew" الذي يقدّم نفسه باعتباره الصورة الأخرى التي لا تريد المواقع الأمريكية أن تُصدِّره للجمهور الأمريكي عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، كتبت أليسون وير التي سافرت على نفقتها الخاصة إلى غزة، لتقدِّم صورة مختلفة تمامًا عمّا تم تداوله في الإعلام الأمريكي، عام 2009 تقريرًا عن موضوع تجارة الأعضاء، قالت فيه إنّ صحيفة سويدية كبرى، تناولت في أحد مقالاتها دليلًا مروعًا عن أن اسرائيل تخطف أعضاء الفلسطينيين، واتهمت إسرائيل حينها، الصحيفة السويدية بمعاداة السامية، واعتبرت أنّ الإشارة إلى أعمال كهذه، يأتي في إطار الترويج لما سمي تاريخيا بـ "فرية الدم" وهي أساطير في العصور الوسطى عن مطاردة اليهود للضحايا في سبيل الحصول على دمائهم. وادّعت صحف موالية لإسرائيل أن ما نُشر، يندرج ضمن حملة الكراهية الممنهجة ضد إسرائيل. 

اقرأ/ي أيضًا: نتنياهو يفتح إفريقيا.. سر الزائر والزيارة

نانسي شيبر هاجز، أستاذ مساعد في جامعة كاليفورنيا/ قسم الأنثروبولجيا الطبية، وهي مؤسسة منظمة "أورجان ووتش" وكاتبة المراجع العلمية والمقالات المهمة فيما يخص تجارة الأعضاء، وكانت تعلّق دومًا عبر الإعلام على مواضيع الاتجار بالبشر واستغلال أعضائهم، وأشارت في أكثر من مرّة إلى أنّ تجار الأعضاء يأتون من مختلف الدول، لكنّها حين تتحدّث عن ارتباط إسرائيل بالقضية، فإنها تجزم جزمًا لا يقبل الشك، بأن لها أيادٍ في هذا المضمار، حتى أنها صرحت ذات مرة بالقول: إسرائيل على القمة، ولها مخالب تصل جميع أنحاء العالم.

وفي أحد محاضرات المؤتمر الثالث عشر للمحطة الإذاعية العامة بنيويورك، شرحت شيبر أن تجار الأعضاء الإسرائيليين لديهم نظام عمل هرمي مدهش، ولديهم سماسرة في جميع أنحاء العالم، وكذلك حسابات بنكية في كل مكان، ولديهم أناس يختصون بالتوظيف، ومترجمون، وشركات سفر تقوم بمهام الفيزا.

كيف يجد التُجّار صيدهم؟!

غالبًا بين سكّان الأحياء الفقيرة، والقرى المعدمة، حيث السكان بلا أمل ينتشلهم من الضنك والشقاء، فيعدُهُم التجار بمبالغ فلكية بالنسبة لهم، ابتداءً من ألف دولار، وصولًا إلى عشرة آلاف دولار، مقابل عضو سليم من أعضاء أجسادهم. ولا يحصل المتبرعون في النهاية على رعاية طبية تلي عملية البيع تلك، فينتهي بهم الأمر في أوضاع سيئة على كل المستويات، صحيًا ونفسيًا واجتماعيًا. هذا إن لم يكونوا قد أكرهوا على تقديم أعضائهم من الأصل.

إسرائيل دولة فريدة في هذه التجارة!

المعلومة الأهم في هذا السياق، هي أنه وعلى الرغم من كون سرقة الأعضاء والاتجار بها، تجارة غير شرعية في معظم دول العالم، إلّا أنّ إسرائيل لم تُجرّمها قانونيًا إلّا عام 2008.

في المحاضرة التي ألقتها في المؤتمر الثالث عشر، ناقشت شيبر الأغراض الأسياسية للتجار الإسرائيليين، والتي كان من بينها الطمع، أمّا الآخر فقد كان الانتقام (إعادة الهولوكوست للعالم)، وتقول مفسرة ذلك "أثناء حديثي مع أحد السماسرة الإسرائيليين، قال لي: الأمر يشبه أن تكون العين بالعين، والسن بالسن، سنكون في إثر كل كلية أو قلب يمكننا الحصول عليه، العالم مدين لنا".

وبحسب تقرير نشرته بي بي سي عام 2001، فإن إسرائيل تشترك في تجارة الأعضاء بصفتها المشتري الأكثر استهلاكًا. ويشير إلى أنّ هناك خطوط إنتاج للكلى فتحتها إسرائيل في ملودوفا حيث يمشي معظم الرجال هناك بكلية واحدة.

تجار الأعضاء الإسرائيليين لديهم نظام عمل هرمي مدهش، ولديهم سماسرة في جميع أنحاء العالم، وكذلك حسابات بنكية في كل مكان

ووفقًا لـ "بي بي سي" أيضًا، فإن إسرائيل بها أقل عدد متبرعين في العالم، ويرجع ذلك إلى معتقد يهودي يرى أن التبرع بالأعضاء فيه تدنيس للجسد البشري. وهو ما أكدته قناة إخبارية يهودية حين أشارت إلى أنّ اليهود أقلّ الأعراق تبرعًا بالأعضاء، في العالم.

وسمحت إسرائيل بزراعة الأعضاء، حيث دعمت الحكومة الإسرائيليين في هذا المجال، ومنحتهم إجازات "زرع الأعضاء"، ومبالغ مالية تصل إلى 80 ألف دولار، لقاء العمليات التي تُجرى في الخارج. 

اقرأ/ي أيضًا: تجارة الماس في إسرائيل.. أرقام مرعبة

ومن البلدان التي تنشط فيها تجارة وسرقة الأعضاء، مولدافيا (شرق أوروبا)، حيث يعيش غالبيّة السكان على أقل من دولارين يوميًا. وكذلك البرازيل التي تنشط فيها العصابات المتخصصة بالبحث عن الأعضاء البشرية، وخاصة الكبد والقرنيات، فيما تتكفّل الحكومة الإسرائيلية بتمويل تلك الأنشطة.

وكانت الدكتورة شيبر أشارت إلى أن هناك عمليات زراعة للأعضاء تتم في إسرائيل، يقوم بها مركز بيلنسون الطبيّ القريب من تل أبيب، الذي يشرف عليه الدكتور "زاكي شابيرا"، حيث تشير التقارير إلى أنّ الأخير أجرى ما لا يقل عن 300 عملية زراعة كلى.

الفلسطينيون.. أبرز الضحايا

في محاضرتها التي سبق الإشارة إليها، تحدّثت نانسي هاجز عن أن الطبيب الإسرائيلي "زاكي شابيرا" كان يرى في العمال الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، أدوات للتبرع بالأعضاء. 

وتتهم جهات فلسطينية، الاحتلال الإسرائيلي بسرقة أعضاء تعود لشهداء وجرحى، من قبل أطباء إسرائيليين، في معهد التشريح الإسرائيلي. 

الصحافية ماري باريت، كتبت تقريرًا عن شؤون الشرق الأوسط، أفادت فيه بأن تجارة الأعضاء انتشرت في إسرائيل منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وأشارت فيه إلى أن من كان يُطلق عليه الرصاص في الرأس، كان يعود في حقائب بلاستيكية دون كلى أو عينين، وتم توثيق بعض الحالات، لكنّ كثيرًا منها بقيت في الظل. 

وفي حين يتنصل الكثير من الإسرئيليين من المعتقدات التي تسمح بذبح غير اليهودي لإنقاذ اليهودي بأعضائه، فإن رابي موشيه غرينبيرغ وهو حاخام يهودي باحث في النظريات اليهودية، وفي الشوفينية والعنصرية، يقول إن الشيء المحزن أن ذلك موثّق في الكتاب "المقدس". 

ويشيرغرينبرغ، الذي كان أستاذًا في الجامعة العبرية، إلى أن هذه النصوص التلمودية كانت "نظرية بحتة" في وقت كتابة هذه التأويلات، وذلك لأن اليهودي لم يكن لديه القدرة على تنفيذها وقتذاك، أمّا الآن فهو يعتبر نفسه في أرض الميعاد مهد قوته.

اقرأ/ي أيضًا: 

إسرائيل عندما تعوِّل على الواقي الذكري

السودان وإسرائيل.. المصالح المشتركة للأعداء

تاريخ صناعة السلاح في إسرائيل.. 3 مراحل و3 أهداف