02-مايو-2024
تكدس النفايات في قطاع غز

تكدس النفايات في قطاع غزة. تصوير محمد النعامي

 "رغم الإرهاق طيلة اليوم، في محاولة توفير لقمة العيش، وتأمين المياه والأخشاب، لا أستطيع إغماض عيني للنوم في الليل بشكل طبيعي، خيمتي حارّة والحشرات بأنواع كثيرة، منها ما أعرفه ومنها ما لم أره من قبل، تحوم فوقي، وأتعرض وأطفالي لقرصاتها، وبعد أن ينال النعس مني، أكاد أحصل على ساعتين من النوم في وقت الفجر، عندما يظهر الضوء وتبدأ الحشرات بالاختفاء".

هكذا يمضي النازح أدهم السموح (33 عامًا) لياليه في خيمته في منطقة أبراج القسطل، شرق مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، ويصف الظروف الصعبة التي يعيشها كافة سكان القطاع، مع الكارثة الصحية والبيئية التي تعصف بالقطاع، نتيجة انتشار التلوث وتدمير الاحتلال البنية التحتية، وشبكات الصرف الصحي، ونسف مناطق سكنية بأكملها، بالتزامن مع موجات الحر الشديد المتكررة.

أزمة انتشار حشرة البعوض باتت الهمّ الأكبر أثناء ساعات الليل، بجانب القصف و الاستهداف الإسرائيلي

وتشمل هذه الأزمة كامل مناطق القطاع، حيث انتشار الأوبئة والحشرات، وتعطل عمل البلديات مع الاستهداف المباشر لكوادرها، وانقطاع الوقود اللازم لعمل مركباتها ومعداتها.

وتسببت هذه الأوضاع الكارثية بإصابة أكثر من مليون نازح بأمراض معدية، حسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في ظل ضعف العناية الطبية وشحّ الأدوية، وعدم مقدرة المشافي على استقبال المرضى نتيجة توافد أعداد يومية كبيرة من المصابين جراء القصف الإسرائيلي المتواصل. 

مياه الصرف الصحي ساهمت بانتشار البعوض
مياه الصرف الصحي ساهمت بانتشار البعوض | الترا فلسطين 

أسراب البعوض  

وتتنوع أشكال "تنغيص" حياة الغزيين، ولكن أزمة انتشار حشرة البعوض باتت الهمّ الأكبر أثناء ساعات الليل، بجانب القصف و الاستهداف الإسرائيلي، حيث أصبحت منتشرة بشكل هائل في كافة مناطق القطاع بأعداد كبيرة، نتيجة لتلف شبكات الصرف الصحي، وانتشار مياهها في الطرقات وبين المنازل، وهي بيئة تكاثر مثالية لهذه الحشرات.

وساهم تكدّس مكبات النفايات بجانب المنازل والخيام وأكياس القمامة في الطرقات، بعد توقف عمل البلديات في أغلب مناطق القطاع، إلى تحويل المنطقة لبؤرة من الحشرات. 

 ماجد السر (42 عامًا)، النازح في محيط مستشفى الأقصى في دير البلح، وسط القطاع، يصف معاناته مع الحشرات بأنها "وصلت لمرحلة لا تطاق وأضرّت بأطفاله كثيرًا، وتسببت بإصابة 2 من أبنائه بمرض التهاب الكبد الوبائي".

انتشرت الفئران والقوارض واتخذت من الثقوب في المنازل مخابئ لها، وباتت تفسد الطعام المخزّن والطحين

وأضاف في حديث لـ الترا فلسطين: "منذ شهرين وحشرة البعوض تشكّل لنا معاناة كبيرة، طيلة الليل نتعرض لقرصاتها، وتسبب لنا الأرق، ولكن أكبر المشاكل نقل المرض لأبنائي، أخبرنا الطبيب أن البعوض من الممكن أن ينقل العدوى لكافة العائلة، لذلك وضعت لهم خيمة بجانبنا للنوم فيها، وباستمرار أذهب لهم للاطمئنان عليهم".

وأكد ماجد السرّ أن هذا النوع من البعوض لم يره من قبل، حجمه أكبر، وقرصته تسبب عدة تقرحات بالجلد ويدوم الألم فترة طويلة، ويأتي بأسراب ، ويضع بيضه في أي تجمع مائي حتى لو كان كأس أو طبق طعام، لهذا يلوث كل شيء يصله. 

أكوام النفايات
النفايات تحيط منازل المواطنين في قطاع غزة | الترا فلسطين 

أما السيدة "أم سلمان" من مخيم المغازي، فقالت إن منزلها تغزوه أشكال وأنواع عديدة من الحشرات، عدد منها قارص وتُسبب تورمات في مكان القرص، وتختبئ في الملابس، وتؤذي الأطفال بشدة. 

وتتابع في حديث لـ الترا فلسطين : "مع القصف تدمرت الشبابيك والأبواب في منزل، ولهذا تدخل الحشرات المنزل بسهولة، والأمر لا يقتصر عليها، فالكلاب الضالة تشكل أزمة أخرى، وكثير منها شرس وتدخل المنازل وتهاجم الأطفال، ولا يوجد من يتابع هذه الأزمات". 

وأوضحت أن الفئران والقوارض كذلك انتشرت، واتخذت من الثقوب في المنزل مخابئ لها، وباتت تفسد الطعام المخزّن والطحين، فضلًا عن إخافة الصغار.

الدمار في قطاع غزة الذي تسبب بانتشار الحشرات والحيوانات الضالة | الترا فلسطين
الدمار في قطاع غزة الذي تسبب بانتشار الحشرات والحيوانات الضالة | الترا فلسطين

الأفاعي تنتشر

وبجانب الحشرات والكلاب الضالة والقوارض، ظهرت في بعض مناطق القطاع أخطار أخرى، كالأفاعي السامة.

ومن جانبه، قال المواطن في قرية المصدر وسط قطاع غزة، محمد البليمات إن بعد العملية البرية في مخيم المغازي شمال القرية، انتقلت أعداد كبيرة من الأفاعي، كانت في البيارات التي تم تجريفها، تجاه منطقة سكنه ومناطق أخرى.

وأضاف في حديث لـ "الترا فلسطين": "نزحت من منزلي على إثر العملية التي حصلت بالقرب منا في مخيم المغازي، وعندما عدت وبجانب الدمار في المنطقة والمنزل، وجدت أعدادًا من الأفاعي في منزلي وفي باحته، ونفق عدد من أغنامي جراء لدغاتها السامة، وعدة مرات أكتشف دخول هذه الأفاعي للمنزل؛ فبدأت بمحاولة مكافحتها خوفًا من أن تلدغ أطفالي". 

استقبلت المرافق الطبية حالات لأطفال تلتصق بأجسادهم حشرة القرادة المنتشرة بين الكلاب الضالة

وتابع  محمد: "الأفاعي والعقارب والكلاب الضالة والحشرات، كانت ظواهر محدودة جدًا، ولا تشكل أي تهديد لنا قبل الحرب، ولكنها الآن تتواجد بشكل مؤذي جدًا بالنسبة لنا، وأصبحت تهديدًا حقيقيًا لنا ولصحتنا".  

عجز طبي 

 مع الانتشار الهائل للأمراض والأوبئة والتلوث، فإن القطاع الطبي لا يزال في انهيار، مع خروج معظم مشافي القطاع من الخدمة، وندرة الأدوية، وقلة الكادر البشري العامل في المجال الصحي، وهذا يتسبب بمفاقمة الحالات المرضية، ومضاعفات خطيرة للمصابين.

ومن جانبها، الطبيبة في النقطة الطبية الخاصة بالنازحين في مخيم المغازي، أسماء مساعد، قالت إن الوضع الطبي في المخيم غاية في السوء، وهناك مئات الحالات يوميًا لمصابين بأمراض جلدية أو حساسية أو حشرات ملتصقة بالجسم والشعر، وجلّ هذه الحالات من الأطفال.   

الدمار في القطاع
انتشر لدى أطفال غزة حالات عدوى سببها التلوث البيئي | الترا فلسطين 

وأضافت أسماء مساعد لـ الترا فلسطين: "طيلة عملي في المجال الطبي لم يمر علي هذا الكمّ والنوع من العدوى المتفشية بين النازحين وأهالي المخيم، ومع انتشار أسراب من الحشرات الطفيلية وسط أماكن السكن والنزوح، ووصلت حالات لأطفال تلتصق بأجسادهم حشرة القرادة المنتشرة بين الكلاب الضالة". 

تابعت مساعد؛ "هذا عدا عن انتشار أمراض الجدري والتقمل وحساسية الجلد والجرب، والطفح الجلدي، والتهابات الجروح جرّاء تلوثها، وانتشار الأمراض المعدية ذات التأثير المزمن، وبشكل مستمر تصلنا حالات تسمم ونزلات معوية، جراء تلوث مياه الشرب". 

وشددت على أن الأدوية المخصصة لمعالجة هذا النوع من الإصابات محدودة للغاية، ولا معدات تشخيص، بل يعتمد التعامل مع الحالة على تقديرات الطبيب من الأعراض الظاهرة.

وحذرت الطبيبة أن هناك مناطق في المخيم بدأ يقصدها النازحون من رفح خشية عملية عسكرية هناك، وهذه المناطق تحفها مصادر تلوث خطيرة، كبرك ممتدة للصرف الصحي ومكبات نفايات والكثير من الحيوانات النافقة الملقاة فيها وكذلك مخلفات القصف الإسرائيلي المكثف هناك.