15-أبريل-2020

بعد أيام من إعلان حالة الطوارئ، أعلنت سلطة النقد أن بإمكان الحاصلين على قروض من البنوك العاملة في مناطق السلطة الفلسطينية تأجيل سداد الأقساط لمدة أربعة شهور قابلة للتأجيل، دون استيفاء أي رسوم أو عمولات أو فوائد إضافية على الأقساط المؤجلة، ما دفع مقترضين إلى تأجيل أقساطهم، دون أن يعلموا أن شيئًا ما بين السطور سيؤدي بهم إلى دفع رسوم مالية إضافية تضاف إلى قيمة الأقساط.

كثيرٌ من المقترضين أجلوا الأقساط قبل أن يعلموا -بالصدفة- من أصدقائهم أن سلطة النقد لم توضح في بيانها حقيقة وجود ارتفاع على قيمة فائدة التعاقد الأصلية نتيجة زيادة فترة السداد، وهذا سيؤدي لارتفاع في الأقساط.

لم توضح سلطة النقد والبنوك في بياناتها للعملاء حقيقة أن الأقساط ستزيد بسبب ارتفاع قيمة فائدة التعاقد الأصلية

الترا فلسطين، تابع البيانات الصحفية الصادرة عن عدد من البنوك العاملة في فلسطين، والمنشورة عبر صفحاتها على "فيسبوك"، وتبيّن أن البنوك التي تحدثت عن الفائدة التعاقدية لم تشر في بياناتها إلى أن قيمة الفائدة التعاقدية على القرض ستزيد بسبب زيادة مدة القرض، وإنما استخدمت عبارات، مثل: "تبقى الفائدة التعاقدية على القروض سارية"، "لن يتم التعديل على الفائدة التعاقدية على القروض الممنوحة"، "لن يطرأ أي تعديل على الفائدة التعاقدية التي تمت على القروض الممنوحة"، "لن يتم أي تعديل على سعر الفائدة التعاقدية للقروض".

لكن سلطة النقد، أكدت لـ الترا فلسطين، خلال إعداد هذا التقرير، أن قيمة الفائدة التعاقدية الأصلية على القرض ستزيد "قليلاً" بسبب زيادة مدة القرض الناتج عن تأجيل الأقساط.

وأفاد خبراء لـ الترا فلسطين أن هذه الزيادة سيلمسها أصحاب القروض طويلة المدى، مثل قروض السكن والعقار التي تزيد مدة سدادها عن 10 سنوات.

وأوضحت سلطة النقد، أنها حينما وجّهت تعليمات للمصارف ومؤسسات الإقراض، بتأجيل الأقساط، "كان الهدف من ذلك التسهيل على المواطنين من مختلف شرائح المجتمع في ظل الأزمة الصحية الراهنة وحالة الطوارئ، وهو إجراء اختياري، بمعنى أن القادر على تسديد الأقساط ولا يرغب في التأجيل، فبإمكانه أن يتقدّم بطلب لذلك".

وأضافت، أن هذا الإجراء "كان من ضمن جملة إجراءات نوعية وجريئة اتخذتها سلطة النقد، إحساسًا منها بالمسؤولية الوطنية والاجتماعية، وستعمل على ضخ سيولة نقدية في السوق للمساهمة في استمرارية العجلة الاقتصادية" على حد قولها.

سلطة النقد: الأقساط المؤجّلة سترحل إلى الموعد الذي يتفق عليه المقترض مع بنكه، وليس بالضرورة لنهاية القرض

وبيّنت سلطة النقد، أن الأقساط المؤجّلة لأربعة أشهر أو أكثر، سترحل إلى الموعد الذي يتفق عليه المقترض مع بنكه، وليس بالضرورة لنهاية القرض.

وأكدت سلطة النقد على قرارها، بأنه لا توجد أي رسوم أو عمولات أو فوائد إضافية على التأجيل، وستبقى الفائدة التعاقدية (الأصلية) على القرض كما هي، وهذه الفائدة نسبتها ثابتة، بمعنى أنها لن تزيد بسبب التأجيل، "أي لو كانت مثلًا 5% ستبقى 5%، ولكن قيمتها ستزيد قليلاً بسبب زيادة مدة القرض الناتج عن تأجيل الأقساط، حيث يتحكم في هذه الزيادة مدة القرض، وقيمة القسط المؤجل" حسب ما جاء في ردها على أسئلتنا.

ويتبين من ردّ سلطة النقد، أن الزيادة على القرض ستزيد كلما زاد عدد سنوات تسديد القرض، بمعنى أن من أخذ قرضًا لمدة سبع سنوات لن تكون الزيادة على الأقساط بنفس قيمة الزيادة على من أخذ قرضًا لمدة 25 سنة، وبالتالي سيشعر بهذه الزيادة من أخذ قروضًا تزيد عن 10 سنوات. فمثلًا، إذا تبقى لأحد العملاء المقترضين 20 سنة على انتهاء تسديد القرض، فمن الممكن أن تكون قيمة الفائدة التعاقدية أكثر من قيمة القسط الشهري، خلال الأشهر الأربعة المؤجلة.

الزيادة سيلمسها أصحاب القروض طويلة المدى، مثل قروض السكن والعقار التي تزيد مدة سدادها عن 10 سنوات.

يُشار إلى أن القسط الشهري يتكون من رقمين، الرقم الأول من قيمة الفائدة والرقم الثاني من أصل القرض، أي أنه إذا كانت قيمة القسط الشهري 500 دولار، فإن الفائدة التعاقدية إذا كان القرض لمدة 20 سنة قد تصل إلى أكثر من 300 دولار عن كل قسط شهري من الأقساط الأربعة التي تم تمديدها، فيصل مجموع الزيادة على القرض إلى أكثر من 1200 دولار، إلا أن البنوك قررت توزيع هذه الزيادة على الأقساط الشهرية لكل عميل بعد عودته للسداد.

يُذكر أن 15 مصرفًا تعمل في السوق الفلسطيني موزعة بين بنوك محلية وإقليمية، من بينها 12 بنكًا تجاريًا، وثلاثة بنوك إسلامية، والحديث عن الزيادة على قيمة الفائدة التعاقدية يتعلق ببعض البنوك التجارية دون البنوك الإسلامية، وهنا تظهر أهمية مراجعة كل عميل مقترض لمصرفه الخاص من أجل الاستفسار عن الأمر.

سألنا سلطة النقد عن سبب سماحها برفع قيمة فائدة التعاقد رغم أن البلاد تمر بحالة طوارئ، فبرّرت ذلك بأن البنوك "تعمل ضمن منظومات حسابية عالمية"، مضيفة أنها "توازن بين مراعاة حاجة الناس والمجتمع والاقتصاد الوطني وبين وقواعد ومتطلبات العمل المصرفي".

سلطة النقد: البنوك تعمل ضمن منظومات حسابية عالمية، ونوزان بين حاجة الناس والاقتصاد الوطني ومتطلبات العمل المصرفي

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم، أن "الزيادة مبررة، لأن القسط عندما يتأجل أربعة شهور، ويترحل لآخر الفترة الزمنية، بغض النظر عن موعد استحقاق القسط، فهذا يعتبر من الأعباء الإضافية، والبنك لا يؤجل أربعة شهور بقيمة أكثر من مليار دولار أو مليار ونص دولار حتى يكون في النهاية مجانًا".

لكن عبد الكريم أشار في الوقت ذاته إلى أن تصريح سلطة النقد كان واضحًا في البداية بأن المواطن لن يتحمل أي أعباء إضافية ولا رسوم، "ولكن ربما تحت ضغط البنوك وتذمرها أعادت سلطة النقد النظر في موقفها".

خبير اقتصادي: الزيادة مبررة، لكن سلطة النقد قالت في البداية إن المواطن لن يتحمل أي أعباء، ثم أعادت النظر في موقفها

أما الخبير القانوني فضل نجاجرة فقال لـ الترا فلسطين، إنه في حالات الطوارئ وفي ظرف عام شامل يشل الحياة مثل الوباء والحروب تتوقف آثار العقود، "لأن هناك قوى قاهرة منعت المتعاقدين من الإيفاء بالالتزامات".

ورأى نجاجرة، أنه في مثل هذه الحالات فإن كل العقود بين الناس تتوقف مضيفًا، أنه "بقرار من سلطة النقد أو بدون القرار فإنه لا يجوز استيفاء القروض من المواطنين الذين لا يوجد عندهم إمكانية العمل والدخل، وهو ما ينبطق على معظم الشعب الفلسطيني هذه الأيام في ظل حالة الطوارئ".

وأوضح، أن دور سلطة النقد هو تنظيم العلاقة بين الناس والبنوك والإشراف والرقابة حسب القانون المحدد لها، مشيرًا إلى أن قرارها بتأجيل الأقساط أعطى مهلة أكثر من المدة الزمنية لحالة الطوارئ، "وهو قرار جيد"، لكنه استدرك بأن سلطة النقد، بصفتها تملك سلطة الرقابة على البنوك، "كان يجب عليها وقف كافة أشكال الفوائد لأن الامتناع عن السداد لم يكن بإرادة المتعاقد، بل بسبب قوى قاهرة منعت العمل واستفاء رواتب ودخل والتوجه للبنك من أجل إتمام الالتزام".

خبير قانوني: كان على سلطة النقد وقف كافة أشكال الفوائد في هذه الظروف

بالتالي، وفق رأي نجاجرة، فإن وجود فوائد على الأقساط أثناء فترة التعاقد "مخالف لأحكام القانون".

وبيّن نجاجرة، أن شروط العقود بين المواطن والبنك "تعطي البنك صلاحيات فوق العادة، لأن المواطن عندما يحتاج القرض لا يرى سوى المال ولا يتعرف على التبعات ولا يقرأ العقد، وإذا قرأ الشروط لا يمتلك التفاوض، وبالتالي البنوك محمية بنصوص العقد" حسب قوله.

وتابع، "من قراءات حالات الطوارئ في الدول المجاورة مثل ثورة يناير في مصر فإن التجارب القضائية حتى الفائدة الأصلية وليس الزيادة يقف إعمالها، حيث لا يسقط الحق فيها ولكن لا يقع الجزاء على المقترض بسبب عدم دفع القسط في موعده بسبب حالة عامة".

وأشار إلى أن "سكوت سلطة النقد أوقع الناس في غبن، لأن الناس ارتكنت أنها سوف تتنفس شهرين ثلاث ولا تعرف أنها ستدفع أثمان".


اقرأ/ي أيضًا: 

سلطة النقد وتعليمات جديدة: ماذا عن القروض والشيكات؟

سلطة النقد تتوعد من يستغلون حالة الطوارئ لعدم الإيفاء بالشيكات