02-سبتمبر-2017

لا يمر عيد أضحى  خلال السنوات الأخيرة، دون تسجيل هروب أضاحي من بين أيدي الجزارين أو المضحين، وهو الأمر الذي يتجاوز الضحك من الفيديوهات التي يبدو مصوروها جاهزين لتوثيق هذه اللحظات كأنها أكيدة، لتصل إلى درجة عالية الخطورة عندما تكون الأضحية عجلًا، إذ يؤدي هروبه لوجود إصابات. 

في رفح وحدها، سُجلت في عيد الأضحى من العام الماضي 90 إصابة نتيجة هروب الأضاحي، وبسبب عادات خاطئة عند الذبح، أو نتيجة عدم سنّ أدوات الذبح بشكل جيّد، وقد كانت بين الإصابات حالات بتر أصابع. هذا العدد انخفض هذا العام في غزة إلى 75 إصابة، حيث حافظ القطاع على احتفاظه بأكبر عدد إصابات سواء نتيجة الذبح الخاطئ، أو الهروب.

سوء الإعداد للذبح، يمثّل أحد أهم أسباب الأخطاء المتكررة، منها عدم شحذ السكاكين بشكل جيّد، أو اختيار سكاكين صغيرة الحجم ورديئة لا تناسب الأضحية. وقبيل حلول العيد، تضج ورشات السنان بالزبائن، وتعلو أصوات العاملين وشحذ الأدوات الحادة التي ستُستخدم في ذبح الأضاحي وتقطيعها.

عدم شحذ السكاكين جيدًا، يؤدي لهروب الأضاحي أو إيذاء الجزارين لأنفسهم ما يسبب عشرات الإصابات سنويًا

في ورشة السنان أنيس الفيري شرق مدينة غزة، تمتلئ الأرضية بأدوات النحر والسلخ والجرم والتقطيع، التي لو لم تحمل مقابض خشبية مغايرة عن السيوف والخناجر لظن المار من هناك أن الفيري وعامليه يُحضرون أنفسهم لدخول حرب.

اقرأ/ي أيضًا: الأضحى يمر ثقيلا على غزة

فعلى بلاط الورشة الضيقة، تجد عشرات الدلاء البيضاء لاستقبال أدوات الزبائن مع ترقيم ما فيها منعًا للاختلاط؛ لاستقباله أدوات الكثير من الجزارين والمواطنين بقطاع غزة، والتي يتأخر تحضيرها حتى ليلة العيد.

يبدي الفيري لـ "الترا فلسطين" سعادته وهو يُسنّ الأدوات التي ستريح الذبائح عند نحرها، ويستشهد بقول النبي محمد: "إنَّ الله كتب الإحْسَان على كلِّ شيء، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبحه، وليُحِدَّ أحدكم شَفْرَتَه، فليُرح ذبيحته".

ويبين صاحب الورشة التي تعمل منذ أربعة عقود، أن هناك نوعين من سكاكين الذبح، إحداها مخصص للذبح العادي عبر تمرير السكين على رقبة الأضحية ككل، وهي تستخدم مع المواشي التي يمكن السيطرة عليها. أما النوع الثاني "النخز" وذلك مع العجول العنيفة.

وفي كل عام، يتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر هروب أضاحي، وأخرى تظهر جزارين هواة يمررون سكين الذبح على رقاب الأضاحي عشرات المرات دون قطعها الجلد أو أيًّا من الأوردة، ما أثار حالة حنق وغضب.

وبحرفية عالية يعكف العاملون على تمرير تلك الأدوات على "قرص (حجر) الإمضاء" الدائري، ويشير الفيري إلى أن سكين "الجرّم" يكون شكل طرفها الأمامي رفيع، وهي مخصصة لفصل اللحم عن العظم، فيما سكين "السلخ" طرفها الأمامي ملفوف، وتستخدم لفصل اللحم عن الجلد.

ويوضح الفيري أنّ عملية إمضاء أدوات النحر تمر بمرحلتين؛ الأولى تتمثل بتمرير الأدوات على أقراص (أحجار) خشنة وناعمة، والثانية: على "قشاط كأوراق السنفرة" لإعطائها نعومة؛ لحين تشكّل "حرف" (أرفع من الشفرة)، ويلفت إلى أنهم يجربون كل سكين على "أصابعهم".

شحذ أدوات النحر يتم بتمريرها على أقراص خشنة وأخرى ناعمة، إلى أن تصير "أرفع من الشفرة" 

ويلفت إلى أن بعض المواطنين يُسنون أدواتهم الحادة في البيوت عبر أقراص غير مخصصة، ما يقود إلى تلف الأداة وإنقاص عمرها الافتراضي، ويحذر من أن تلك العملية قد تقود إلى الإصابة لعدم خبرتهم بكيفية التعامل مع هذه الأدوات.

ويوصي الفيري بشراء السكاكين المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، إذ يمكن تمّضيتها بيسر، كما ينصح بضرورة الاعتناء بنظافة الأدوات التي ستستخدم في ذبح الأضاحي.

الجزار محمد مقداد، يبدأ تجهيز نفسه قبل عيد الأضحى بأيام متفقدًا أدواته ومدى صلاحيتها للعمل. يوضح مقداد لـ "الترا فلسطين" أنّه يتعامل مع الفيري منذ سنوات طويلة، وأن الأدوات القادمة من الفيري يستعملها بـ "عين مغمضة" (دلالة على حدتها) لأنه واثق مما يقدم له وللجزارين الآخرين، ويبدي أيضًا ارتياحه لأن سنّها الصحيح يساعدهم على أداء عملهم بسرعة، ولا يعذب الأضحية عند نحرها.

ومن المقرر أن يُذبح بقطاع غزة هذا العام، أكثر من 10 آلاف رأس من العجول والأبقار، ونحو 30 ألفًا من الأغنام والماعز، وذلك وفق وزارة الزراعة بغزة، إلا أن هذا العدد يشكل انخفاضًا عن السنوات السابقة، بسبب تفاقم أزمة الكهرباء، وتدهور الوضع الاقتصادي الناتج عن قطع رواتب آلاف الموظفين.


اقرأ/ي أيضًا: 

"العيدية".. عادات تُبهج العرائس وتكلف العرسان غاليًا

في العيد لا ترضى إلا بالكعك المدلل

أعياد الأسرى.. قطايف و"بوظة" وشوق لتفاصيل صغيرة