29-أغسطس-2017

تبدو بعض الأحكام الدينية الفقهية من البديهيات التي ليست في حاجة للحصول على فتوى بالنسبة لغالبية الناس، كقضية النحر في أيام عيد الأضحى. لكنّ المفارقة أن يُجري ماهر سليم اتصالًا على أحد رجال الإفتاء في قطاع غزة، لأجل الحصول على إجابة إن كان يجوز إنفاق ثمن الأضحية على الفقراء بدل توزيع اللحم.

 كيف سيحتفظ الناس باللحوم في الثلاجات التي صارت تشبه الدواليب؟ 

بصرف النظر عن عدم جواز هذا الإجراء من ناحية شرعيّة في الدين الإسلاميّ، لكنّ "ماهر" الذي يملك مطعمًا يُطل على شاطئ بحر غزة، قال إن السؤال كان من باب الإشفاق على المعوزين الذين لن يتمكنوا من الاحتفاظ باللحوم في ثلاجاتهم، جرّاء انقطاع التيار الكهربائي لمدة تزيد عن 20 ساعة يوميًا.

يزمّ الرجل شفتيه امتعاضًا من الواقع، ويقول: لم يكن الحصول على فتوى محض طرفة (..) حقًا أتساءل: كيف سيحتفظ الناس باللحوم في الثلاجات التي صارت تشبه الدواليب؟

اقرأ/ي أيضًا: أعياد الأسرى.. قطايف و"بوظة" وشوق لـ"تفاصيل صغيرة"

هذه التوطئة، تعزز مفهوم أن الناس يعيشون في غزة واقعًا أقلّ من متطلبات الحدّ الأدنى للحياة، إذ أكد وكيل وزارة التنمية الاجتماعية، محمد أبو حميد، أنّ 70% من العائلات الفلسطينية في القطاع تعيش تحت خط الفقر، ويؤشر هذا الأمر إلى تراجع نسبة الإقبال على الأضاحي عن الأعوام السابقة، فالكساد أصاب مزارع المواشي مثلما أصاب المحلات التجارية.

وعلى غير عادتها تبدو الشوارع في الأحياء الشعبية بمدينة غزة خاليةً من رغاء الماعز، رغم أنه لا يفصلنا عن عيد الأضحى سوى يومين. وقد اعتاد المضحون على شراء الأضحية قبل أيام من العيد حيث تمثل مصدر فرح للصغار، غير أن هذا الموسم يشهد تراجع كبيرًا في شراء الأضاحي وفق تأكيد عدد من التجار.

اقرأ/ي أيضًا: غزة: كرسيّ متحرّك بلا كهرباء.. لا خروج من المنزل

وتعيش أسواق المواشي التي تتشكل مع اقتراب العيد، ركودًا غير مسبوق في مستوى الرواج والبيع، ويشتكي التجار من ندرة المشترين، حيث لم تصل نسبة البيع 10% مقارنة بالأعوام السابقة، وفق تأكيداتهم.

ويتزامن موسم عيد الأضحى مع إجراءات عقابية تقودها السلطة الفلسطينية ضد موظفي قطاع غزة، حيث قامت باستقطاع ما يزيد عن ثلثي رواتب الموظفين البالغ عددهم 58 ألف موظف، وأحالت 7 آلاف منهم إلى التقاعد المبكر.

فضلاً عن ذلك، فإن الأعباء تكاثرت على عاتق أرباب الأسر، وبخاصة أن الموسم تزامن مع التحضيرات للعام الدراسي الجديد، والذي انطلق قبل العيد بأسبوع واحد.

وتحت وطأة الضائقة المالية التي يمر بها المواطن محمد المصري وهو موظف حكومي، تراجع عن شراء الأضحية، قائلًا: "للأسف لن أتمكن هذا العام من شراء الأضحية، فقيمة الراتب بعد الاستقطاع بالكاد تكفي لتوفير الاحتياجات المنزلية الضرورية المتعلقة بالمأكل والمشرب والطاقة البديلة".

وأكد المصري، الذي تقاضى راتبًا بقيمة 1600 شيكل، أنه لم يعد بوسعه تطبيق هذه السُنّة التي اعتادها على مدار سبع سنوات مضت، تقربًا لله، حيث اشتكى من عجزه عن تحقيق متطلبات أطفاله الأربعة الملتحقين بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية.

اقرأ/ي أيضًا: صور | الأموات لهم نصيب أيضًا من أعيادنا

بموازاة ذلك، يشتكي التاجر محمد عفانة من تراجع مستوى بيع الأضاحي، مؤكدًا أنه لم يسبق طيلة سنوات الحصار العشر على قطاع غزة، أن تتراجع نسبة البيع بهذا الشكل.

عفانة الذي يعد من كبار تجار المواشي في قطاع غزة، أوقفت شركته التعاقد مع المؤسسات والجمعيات لبيع الأضاحي، وذلك تخوّفًا من عدم قدرة هذه الجهات على دفع المبالغ المالية المستحقة، في ظل حالة الشح الاقتصادي الذي يعانيه قطاع غزة.

وقال عفانة: في مثل هذه الأيام كانت نسبة البيع تتجاوز مئات الرؤوس من العجول والأبقار والماعز، غير أننا حتى هذه اللحظة لم نبع سوى 100 عجل فقط.

أسعار المواشي شهدت تراجعًا ملحوظًا، والإقبال عليها تراجع بشكل كبير هذا العام 

ووفق التاجر عبد الله سكر فقد تراجعت أسعار المواشي هذا العام تراجعًا كبيرًا، مشيرًا إلى أنّ ثمن العجل الواحد من فئة (شراري) الذي يعد الأعلى سعرًا من بين الفئات الآخرى، انخفض إلى 1700 دينار أرني، بعدما كان يزيد ثمنه عن ألفيّ دينار كحدّ أدنى.

وأشار سكر إلى أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيعرضهم لخسارة كبيرة كتجار، لاسيما أنه اضطر لاستيراد كمية كبيرة من رؤوس المواشي خلال الفترة الماضية، وذلك استعدادًا لعيد الأضحى. وأضاف التاجر سكر أنهم سيضطرون للبيع بخسارة، غير أنّ خسارتهم ستتضاعف في حال استمر واقع البيع على ما هو عليه الآن.

وتأثرًا بالحالة الاقتصادية البائسة، فإن مستوى إقبال الجمعيات الخيرية على شراء الأضاحي- غالبًا ما تستفيد منها الأسر الفقيرة- تراجع بشكل ملحوظ، وفق إفادة عدد من مدراء هذه المؤسسات، لدواعي تراجع مستوى التمويل الخارجي.


اقرأ/ي أيضًا:

"العيدية".. عادات تبهج العرائس وتكلّف العرسان غاليًا

"عجقة" عيد في سجن "عوفر"

في العيد.. لا ترضى إلا بالكعك "المُدلّل"