02-سبتمبر-2018

في ذات الليلة التي كنت أشاهد فيها المسلسل الأمريكي "الأصدقاء" كانت فتاة تكتب وصيّتها قبل أن تنتحر. عليّ أن أتخلص من هذه العادة، عادة مقارنة وقتي بوقت الضحية، "ماذا كنتُ أفعل عندما حدثت الكارثة؟" أنا دائمًا لست مستعدّة لهذا السؤال.

لدي احتمالاتٌ كثيرة لحياة فتاة لم أعرفها إلّا بعد موتها. الاحتمال الأول أن تكون على قيد الحياة لو أنّها لم تولد هنا. الاحتمال الثاني أن تكون ميّتة ويكون قاتلها في السجن، ينتظر قرارًا قاسيًا من محكمة تستند في حكمها إلى قوانين صارمة عندما يتعلّق الأمر بابتزاز الآخرين والتسبب بانتحارهم. والاحتمال الثالث هو ما يجري الآن؛ تبخيس بالحياة الإنسانية ضمن صكوك وعطوات عشائرية تبرد القلوب بهدر دماء القاتل لغويًا دون أن يتمكّن القانون حقًّا من محاسبته.

  الابتزاز ليس جريمة محصورة  في المجتمعات العربية، ولكن المعالجة العربية له تشكّل ابتزازًا من نوع آخر تكره فيه المرأة أنّها ولدت امرأة، وتشعر أنها المسؤولة عن جرائم ارتكبت بحقّ جسدها  

سأعود للاحتمالات، ولكنّي تذكرت قصة قديمة سألت فيها صديقتي معلمة التربية الإسلامية "ليش الله ما اختار امرأة تكون نبية؟" لم نكن قد تعدينا العاشرة من عمرنا وما يزال هذا السؤال دون إجابة واضحة يمكن شرحها دون الاعتماد على كلمات عامة  مثل "هذه مشيئة الله، أو لله حكمة لا ندركها نحن البشر، أو هنالك أسئلة لا يجوز أن نسألها أساسًا".

لو كانت هناك نبيةٌ واحدة  لكانت حياتنا مختلفة، نحن النساء، كانت ستكون سندًا هائلًا لنا في وجه هذا الصوت الذكوري الذي يُفصّل حياتنا لنا شبرًا شبرًا بالطريقة التي تجعله هو مرتاحًا أكثر، ومتمكنًا منّا أكثر بدءًا بالنّص الديني مرورًا بالعادات الاجتماعية وصولًا إلى القوانين والأنظمة.

بعيدًا عن تخيّل أشياء لن تحدث، وبعيدًا عن الاتكاء على الآخرين – حتى لو كانوا نبيّة متخيلة-  فإن وجود نموذج نسائي يستمد قوته من اختيار الله له لمساعدة عباده الذكور منهم والإناث للسير على الطريق المستقيم كان حتمًا سيغيّر معادلة القوة بين الرجال والنساء في مجتمعات يشكّل المورث الديني أساس كل شيء في حياتها، ولكن هذا ليس مهمًا الآن، المهم الآن هو الاحتمال الأول، لماذا كانت فرص الفتاة بالنجاة فيه ستكون أكبر؟

ليس هناك خلطة سحرية تضمن للإنسان حقّه بالحياة وبعد الموت إن أهدر أحدهم حياته، إنّه القانون فقط. القانون الواضح العادل الذي غالبًا ما يُبنى من قبل مجتمعات تجاوزت التمييز الجنسي (وتسعى لذلك). قانون يَبني مجتمعات لا تشكل الصيغة المؤنثة عبئًا على حياة صاحباتها. ولا يكون تمني اختيار الله لـ "نبية" قبل آلاف السنين خيارًا لحل مشكلاتها الاجتماعية المعاصرة.

بشكل عام يتفق الناس على أن أي شيءٍ يتعرض له الإنسان مجبرًا لا يمس منه ولا يقلل من شأنه ولا يعبّر عمن يكون، هذا ما كنا سنقوله في أي نقاش نظري حول مشهد جريمة يدان فيها المجرم، ويتم التضامن بشكل كامل مع الضحية،  لكن لحظة هل قلت أن الضحية امرأة؟ والجريمة هل تدخل في نطاق ما يسمى "الشرف"؟ دعنا إذًا نعيد النقاش من أوله، حسنًا ماذا كانت ترتدي؟ لماذا ذهبت بمفردها إلى منزل صديقتها بالأساس؟ لو أنها لم تذهب للكلية لما حصل ما حصل؟ أو ربما سيعتقد البعض أنّ انتحارها هو أسهل جزء في القصة فبدونه لم تكن لترتاح لا هي ولا عائلتها.

الابتزاز ليس جريمة محصورة  في المجتمعات العربية، ولكن المعالجة العربية له تشكّل ابتزازًا من نوع آخر تكره فيه المرأة أنّها ولدت امرأة، وتشعر أنها المسؤولة عن جرائم ارتكبت بحقّ جسدها، وقد تختار أن تنهي حياتها لأنّها تعلم أنّها تعيش في مجتمع لن يغفر لها جريمة كانت هي ضحيتها!


اقرأ/ي أيضًا: 

شابة من القدس انتحرت بعد ابتزازها.. القصة كاملة

عطوة صور باهر: "هدر الدم لتهدئة النفوس"

عطوة دير سامت: العفو عن قاتل الرجل وزوجته أمام طفليهما