20-سبتمبر-2018

بدوي أمام خيمته في الخان الأحمر - gettyimages

"مع كل محاولة هدمٍ أو تشريدٍ نتعرض لها في الخان الأحمر، نفقد شيئًا من بداوتنا، ولباسنا، وزواجنا والمهن التي نمارسها، لم نعد كما كنا في السابق". هكذا بدأ البدوي أحمد أبو مفلح أبو داهوق من الخان الأحمر حديثة لنا عن التغييرات التي تعرض لها البدو الفلسطينيون، نتيجةً لمحاولات الاحتلال المستمرة في ملاحقتهم، ومهاجمة ممتلكاتهم، كان آخرها قرار هدم التجمع وتشريد جميع سكانه الذين يبلغ عددهم 190 بدويًا.

الأحداث الأخيرة في الخان الأحمر، ضخت العديد من الصور والفيديوهات التي لم تُبين فقط معاناتهم، بل أيضًا نمط حياتهم ولباسهم ومهنهم التي ما زالت تتغير منذ النكبة حتى الآن، ولم يعد من السهل التمايز كونهم فلاحين أم بدو، أم الاثنين معًا.

غياب تاريخي

تعرض البدو شأنهم كباقي المدن والقرى الفلسطينية إلى القتل والطرد في عام 1948 ثم 1967، إذ تم تشريد 90 ألف بدوي بحسب ما ورد في كتاب التطهير العرقي في فلسطين لـ إيلان بابيه، لكن لم توثق الأبحاث أو الكتب، أسماء التجمعات أو المناطق التي تشرد منها البدو حينها.

التاريخ الفلسطيني لم يوثق التشريد والتنكيل الذي تعرضت له المضارب البدوية في النكبة والنكسة

يقول الباحث أحمد الحنيطي "إن التاريخ الفلسطيني لم يوثق التشريد والتنكيل الذي تعرضت له المضارب البدوية في النكبة والنكسة، كون البدو بطبيعتهم متنقلين، والجهات التي وثقت تعتمد على العناصر الممتلكات والسكن الثابتة، وليس على العنصر البشري".

شاهد/ي أيضًا: فيديو | أطفال الخان الأحمر يتحدثون.. 

وأضاف أن عمليات التهجير التي تعرضوا لها، أدت إلى احتكاكهم وتماهيهم مع القرى والمدن الفلسطينية الأخرى، بالتالي أصبح من الصعب وصفهم كبدو بشكل كامل.

وحسب الرواية التاريخية في كتاب "الفلسطينيون المنسيون"، لم يتشرد البدو فقط إلى القرى الفلسطينية، بل إلى مناطق بدوية أخرى في مصر والأردن، ما تسبب أيضًا بصراعاتٍ على البقاء والأرض بين التجمعات البدوية القديمة والجديدة في المناطق، أدت إلى تشتيتٍ آخر للبدو في مناطقهم الرئيسية في النقب المحتل والخليل.

الأسر والعائلات

لا شك أن كثيرًا من العائلات البدوية تعرضت للتفكك - حتى داخل الأسرة الواحدة - بسبب تشريد الاحتلال لها، فمثلاً تعرضت عائلة التعامر، والعبيدية، والسواحلية، والجهالين، إلى التشرد، فتوزعت إلى مناطق عديدة في الخليل والقدس وأريحا والأردن.

العائلات البدوية التي تعرضت للتشريد توزعت في الخليل والقدس وأريحا والأردن، وبعض العائلات انقطع تواصلها

يقول شيخ عشيرة الجهالين في الخان الأحمر أبو يوسف الجهالي: "تعرضت عشيرتنا لمهاجمة إسرائيلية عنيفة في الخمسينات، فشُرَّدَ ما يقارب 150 فردًا من العائلة ذاتها إلى منطقة قريبة من الأردن، قسمٌ جاء للخان الأحمر،  وقسمٌ آخر لا نعرف مصيره، وما زالت العائلة تتعرض للتنكيل والتهجير حتى اللحظة".

اقرأ/ي أيضًا: إيلان بابيه يفضح فكرة إسرائيل

وعلى الرغم من تشتيت العائلات، إلا أن التواصل كان حاضرًا بينهم. يتابع الجهالي قائلاً: "نحن نتواصل مع باقي أفراد العشيرة  بواسطة الهواتف النقالة، نطمئنهم علينا وعلى حياتنا التي ما تزال تحت المحك".

لا يهدف الاحتلال فقط لتهجير عائلات الخان الأحمر، بل تهجير جميع التجمعات البدوية في منطقة النبي موسى، لوصل مستوطنتي "معاليه أدوميم"  و"كفار أدوميم" ضمن كتلة استيطانية واحدة.

التحول في المهن

لم يحدث التحول فقط على صعيد العائلات، بل أيضًا غير من نمط حياتهم الاقتصادي، إذ عمد الاحتلال لمهاجمة الممتلكات الرعوية والزراعية، وقضى على ما يقارب 90% من المواشي عند البدو، مما اضُطر البدو - خاصة المهجرين إلى القرى - للعمل بمجلات مختلفة، بعيدة عن الطابع التقليدي للبدو.

يقول أحمد الجهالي: "في السابق كنت أملك ما يقارب 250 من المواشي، ولكن بعد مهاجمتها من قبل الاحتلال، أصبحت أملك 80 فقط، وأيضًا هناك مضايقات تسويقية، فيمنعوننا من البيع في سوق اللبانين في القدس الذي كان يستوعب كميات كبيرة من منتجاتنا".

اقرأ/ي أيضًا: امرأة من النقب: عن سلوى التي احترق عالمها

ولا يستطيع البدو العمل في مهن بديلة، نظرًا لأن نسبة كبيرة منهم غير متعلمين. يتابع الجهالي، "أغلب سكان الخان الأحمر والبدو عمومًا لا يتوجهون للتعليم، ولا ينخرطون أيضًا في المهن الحرفية، فلماذا سيتعلم بدوي كيف يبني الاسمنت وهو يعيش داخل خيمة؟".

وإن كون البدو يعتمدون بشكل أساسي على الطبيعة والحيوانات، فإن أي عملية محو وسيطرة عليها تشكل خطورة على هوية البدوي ذاته. يُبين الباحث الحنيطي، أن تجريد البدو من أراضيهم ومنشآتهم بالترافق مع دمجهم بالقرى، ساهم في تغير نمط حياة البدوي من البدونة إلى الفلحنة أو التمدن".

هل تغير اللباس أيضًا؟

اتصف الثوب البدوي الفلسطيني في فترة الثلاثينات والأربعينات بالبساطة، ومحاكاة الطبيعة، إذ كانت ألوانه زاهية وربيعية، مطرزة من عند الصدر لكي لا يتطاير الثوب أثناء الرعي. والمرأة بشكل خاص كانت تلبس ثوبًا مطرزًا بالأزرق قبل الزواج، ودلالة الأزرق هنا هي الحشمة، أما عند الزواج فكانت ترتدي ثوبًا أحمر اللون.

وخلال ندوة في المتحف الفلسطينية عن أثواب البدو، تطرق الباحثون إلى تحولات لباس البدو وكيف اندمجت مع أثواب الفلاحين وتطريزاتهم كونهم يعملون في الزراعة. كما ركزوا أيضًا على الإهمال الذي رافق الثوب البدوي من قبل المؤسسات المعنية بالأثواب  الفلسطينية، مقابل اهتمامها الواضح بالثوب الفلاحي الذي حمل بُعدًا تسويقيًا أكثر من البدوي.

جميع تلك العوامل لا يمكن فصلها عن محاولات المحتل تغيير نمط حياة البدو وهويتهم، من جهة، ونسف وجودهم للتمكن من توسيع المستوطنات من جهة أخرى، وكل ذلك أيضًا هو امتداد للنظرة الدونية للاحتلال تجاه للبدو كونهم قبائل تقاوم التطور والتمدن، كما قال ابن خلدون في مقدمته.


اقرأ/ي أيضًا:

 مها تبحث عن ثوب قريتها المهجرة

صور | التطريز.. "شيفرا" الثوب الفلسطيني

صور | كيف تجمّلت نساء فلسطين قبل النكبة؟