27-مايو-2018

الثوب الأقرب لـ أبو شوشة يتوسط أثواب جمعتها مها خلال بحثها عن ثوب جدتها - الأثواب معروضة في متحف جامعة بيرزيت

منذ نحو أربعين عامًا، تبحث مها أبو شوشة المهتمّة بالثوب الفلسطيني، عن ثوب قريتها "أبو شوشة" وهي من قرى الرملة، التي دمّرتها العصابات الصهيونية سنة النكبة.

   تحت الردم وفي حكايات الأجداد وبين أزقّة المخيمات، ظلّت مها لـ40 عامًا، تبحث عن ثوب نساء قريتها "أبو شوشة" قضاء الرملة   

فضول مها، حول ماهيّة الثوب الذي ارتدته جدّتها ونساء قريتها قبل النكبة، قادها إلى رحلة طويلة للبحث عن ثوب قريتها، تعرّفت خلالها على أثواب مدن وقرى فلسطينية لكل واحد منها قصة، اشترتها من أجل حمايتها من الضياع أو إعادة التدوير، وهي الآن تعرض في معرض "غزل العروق" بالمتحف الفلسطيني في جامعة بيرزيت.

[[{"fid":"72140","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":380,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

وتصف مها أبو شوشة ثوب قريتها الأصيل بأنّه أسود من قماش الكتان يتميز بالحِجريات المشغولة بالحرير الهرمزي ذو الألوان البرتقالي، الأحمر الأخضر، والأصفر بطابع التشريم، وهو نمط فني يُستخدم لشبك قطع القماش الملون مع بعضها البعض، على الأكمام أو حِجر الثوب أو الجزء العلوي من القَبة مطرز بغرزة زهرة اللوز.

اقرأ/ي أيضًا: مطرزات فلسطينية للعالم من مخيم جرش

وكان لقرية "أبو شوشة" لونها الأحمر الخاص كما ثوب الرملة وقراها، مائل إلى البنّي كما كان لها العروق الخاصة بها، إلا أنّ هذه المواصفات لم تعد موجودة بعد النكبة، فقد اقتصر الثوب على تطريز بسيط وقليل وربما معدوم، لدى بعض النساء وفقًا لمواصفات ثوب جدّة مها بعد النكبة.

وتقول مها إن قصة ثوب قريتها كقصة القرى المهجرة التي لجأت نساؤها إلى المخيمات، واضطرت لعمل أثواب أكثر بساطة وأقلّ تطريزًا نظرًا للأوضاع الاقتصادية في المخيمات، حيث لم تسمح الظروف بإنتاج أثواب مكلفة ماديًا، كما أنّ النساء في المخيمات لم يعد لديهن المتّسع من الوقت للانشغال بتطريز الأثواب. لكن الشكل الأساسي لتفصيل الثوب الفلسطيني قبل النكبة استمرت حتى ثمانينات القرن العشرين، مع التقليل من كمية التطريز.

النسخة الأصلية لثوب أبو شوشة اختفت تقريبًا، بسبب قيام نساء بصبغ أثوابهن باللون الأسود حدادًا على أرواح 86 شهيدًا من القرية، ارتقوا خلال الدفاع عن قريتهم أثناء هجمات العصابات الصهيونية، من بينهم جدّ مها، محمد عواد أبو شوشة.

نساء أخريات ظلّت أثوابهن تحت أنقاض البيوت، ولم يستطعن استرجاعها بعد اللجوء، فيما اهترأت أثواب غالبيّة النساء في المخيمات، ولم يستطعن تطريز غيرها بسبب الوضع الاقتصادي السيّء، وغياب المناسبات السعيدة بعد اللجوء، بحسب مها أبو شوشة.

ولم تملّ مها، من البحث عن ثوب قريتها حتى بعد معرفتها للقصة، فقد عثرت بالصدفة على ثوب يحمل مواصفات ثوب القرية إلى حدٍ ما، إلّا أنّ نساء أبو شوشة الخبيرات بثوبهن أكثر من غيرهن، أكدن أنّه ليس هو ذاته، وإنما يشبهه، على اعتبار أنّ الثوب من منطقة  قريبة جدًا من أبو شوشة وبذلك تطلق عليه "الثوب الأقرب لأبو شوشة".

اقرأ/ي أيضًا: غزْل العروق: أثواب فلسطينية تروي حكايتها

وكانت النساء في فلسطين تُعرف بأثوابها، فمن المعروف أنّ كل منطقة فلسطينية لها نمط ونسق معيّن في تطريز الثوب، لذلك فمن الممكن معرفة قرية صاحبة الثوب، أو عائلتها، فالثوب كان يعكس مستويات معيشية واقتصادية واجتماعية وحتى عمرية، بل يعكس أذواق شخصية أيضًا، "فالنساء كُنّ يعرفن بأثوابهن".

ولم يخلُ الثوب الفلسطيني بشكل عام من لمسات الإبداع والابتكار، وفقًا لمها، فبعض الأثواب كان تحتوي على جيبة موجودة عند القَبّة تضع بها النساء مقتنياتها، والحزام الذي يعتبر مخبأً آخر لمقتنياتهن، كما أن بعض النساء المُرضعات ابتكرن طريقة لفتح فتحات من جانبي صدر الثوب من أجل إرضاع أولادهن، وبعد انتهاء فترة الرضاعة يُغلقن الفتحات بطريقة فنّية غاية في الجمال.

أمّا المدن الفلسطينية التي لم تتأثر بشكل مباشر بالنكبة، فقد حافظت على استمرارية ثوبها. وفي هذا السياق تقول مها أبو شوشة إن ثوب رام الله مثلًا استمرّ بالتطور بشكل طبيعي، وحافظ على ديموته، حتى أن الثوب "الرومي" -أحد الأثواب التي ارتدتها نساء رام الله-  ظلت النساء ترتديه حتى بعد النكبة، لكنّه اقتصر فيما بعد على كبار السن واستبدلته الصبايا بأثواب أكثر عملية، كما أن ثوب رام الله أثّر على العديد من الأثواب الوافدة على المدينة ممن تهجروا واستقروا بها مع وجود لمسة البلد الأصلي عليها.

لأربعين عامًا، ظلّت مها أبو شوشة تبحث عن ثوب قريتها المهجّرة، تحت الردم وفي حكايات الأجداد وبين أزقّة المخيمات ولم تفشل في توثيق ثوب جدّتها؛ فهل تساءلتم يومًا ما عن ثوب منطقتكم؟


اقرأ/ي أيضًا:

نساء غزة يطرّزن ذاكراتهن

العرس الفلسطيني: ماذا عن كسوة العروس؟

صور | كيف تجمّلت نساء فلسطين قبل النكبة؟

زواج فلسطينيّات وإنجابُهن.. الماء وسيطًا!