05-أكتوبر-2016

صورة أرشيفية

تُحاول إسرائيل دائمًا الترويج لنفسها بين المقدسيين، لتحقق هدفها بتشويه الهوية الفلسطينية في المدينة، ولعلّ "الخدمة المدنية" من أبرز "الأسلحة الناعمة" التي تلجأ إليها أذرع الاحتلال للوصول إلى مسعاها.

هذا المشروع التجنيدي يستهدف بالأساس الشباب حديثي التخرج (بين عمري (18 - 23 عامًا) الباحثين عن عمل، وخاصة الإناث منهم.
مفهوم "الخدمة المدنية في إسرائيل" تُعرّف حسب "مديرية الخدمة المدنية- الوطنية" الإسرائيلية؛ بأنّها "خدمة تطوعية لمصلحة الجمهور، لمن حصل على إعفاء من الخدمة العسكرية أو من ينتمي للوسط العربي، ولا يُستدعى للخدمة العسكرية".

الخدمة المدنية موازية للخدمة العسكرية، وهي خدمة مباشرة للاحتلال ومشاريعه

وتطالب أصوات إسرائيلية بفرض الخدمة المدنية على الفلسطينيين، بدعوى "المساواة بين مواطني الدولة" على صعيد الواجبات، رغم أن الفلسطينيين في القدس لا يحصلون حقوقهم على جميع الأصعدة بما فيها التربية والتعليم والصحة والخدمات.

وسطاء "الخدمة المدنية" من الموظفين العرب لدى جميعات إسرائيلية غير حكومية وحكومية، بما فيها الشرطة، يُعرّفون هذا البرنامج التجنيدي للمقدسيين بأنه "عمل في مشروع جماهيري" لمدة عام أو عامين، يُسهِّل للملتحقين به القبول في الجامعات الإسرائيلية، ويوفر منحة جزئية لهم فيها، كما أنه يُسهِّل القبول في الوظائف الحكومية، بهذه البساطة يقدم هذا العرض للشباب، بطريقة قد لا تُثير الشكوك حول مخاطر هذا المشروع التجنيدي الذي تستغله إسرائيل لحجب الهوية الفلسطينية من الجيل الشاب.

اقرأ/ي أيضًا: احتفاء إسرائيلي بزيادة عدد المسلمين بشرطة الاحتلال

أما "عرابة" العمل الجماهيري في مدينة القدس كما يصفها صحفيون ونشطاء (ن،م)، فتستغل "فيسبوك" ووسائل التواصل الاجتماعي الأُخرى لتستقطب أكبر عدد من الشباب الباحثين عن عمل، وتلعب كثيرًا على وتر "لم يحالفك الحظ في النجاح بالتوجيهي أو البجروت"، أو "تمهيد الطريق إلى الدراسات العليا"، وتدعي أن الخدمة المدنية ستمهد لمستقبل أفضل، عبر "عمل سهل وبسيط"، لا يحتاج غالبًا إلى مهارات أو إتقان للغة العبرية.
وترفق (ن،م) إعلانات الخدمة المدنية، بصور لفتيات عربيات تطوعن سابقًا وهن يستلمن جوائز تقدير أو إنهاء خدمة، برفقة مسؤولين إسرائيليين يكرمونهن، وقد نشرت على حسابها صورًا لتكريم إحدى الفتيات وهي محجبة، بحضور الرئيس الإسرائيلي، بسبب "تفوقها" في الخدمة المدنية، و"تقديرًا لها على عملها الرائع".

اقرأ/ي أيضًا: رواية فلسطينية خارج سوق الدموع

لكن الملفت أن الصور التي تنشرها (ن،م) وغيرها من "المُجنِدين"، مكررة ومعادة، وهذا يدل على أن أعداد الملتحقين من الشباب المقدسي، رغم أنه بارتفاع، إلا أنه يبقى دون المستويات التي يطمح إليها الاحتلال.
تتضمن الخدمة المدنية أعمالًا تتمحور معظمها في العمل بالمدارس ورياض الأطفال، لذلك تعتبر جاذبة للإناث بشكل أكبر، إلا أن بعض هذه الأعمال قد يكون ضمن الأعمال اللوجستية في المحاكم والسجون والأحداث والشؤون الاجتماعية.
وتُشير إحصاءات وأرقام نشرتها جمعيات فلسطينية في السنوات الأخيرة، إلى ارتفاع أعداد المنخرطين من الفلسطينيين في الداخل والقدس في هذا المشروع التجنيدي، إلا أن الحصول على معلومات دقيقة حول أعداد المقدسيين الملتحقين بهذا البرنامج، شبه مستحيل، ذلك لأن "مديرية الخدمة المدنية" ترفض الإدلاء بمعطيات مثل هذه، إذ حاول مركز القدس للمساعدة سابقًا الحصول على المعلومات، إلا أن المديرية ادعت أن العدد المتوفر لديها من المنخرطين من العرب في البرنامج، يشمل أراضي 48 والقدس، ولا توجد أرقام خاصة بمدينة القدس.

الحصول على معلومات دقيقة حول أعداد المقدسيين الملتحقين ببرنامج الخدمة المدنية، شبه مستحيل

وتتحدث مصادر إسرائيلية حكومية عن أن عدد المتطوعين الفلسطينيين في الداخل والقدس، يفوق 4500 شاب وشابة، من أصل 18 ألف متطوع في الخدمة المدنية.
وحسب بحث أُعد في العام 2015 بعنوان "الخدمة المدنية في مدينة القدس المحتلة"، فإن "مكتبة البلدية" في القدس -وهي مكتبة تابعة لبلدية الاحتلال- تتعاون مع جمعية "تطوع"، وتقوم بتجنيد الفتيات بشكل أساسي لأداء الخدمة إمّا في المكتبة نفسها أو في المدارس التابعة لها.
ويرى مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري، أن الأعداد التي تروِّج لها المصادر الإسرائيلية الرسمية والصحفية فيما يتعلق بالخدمة المدنية في القدس مبالغ فيها "نسبة الخادمين مدنيًا متدنية جدًا، لم نصل إلى مرحلة الخطر"، ويضيف أنّه وفي جميع الأحوال، فإن الخدمة المدنية موازية للخدمة العسكرية، وهي خدمة مباشرة للاحتلال ومشاريعه.
ويضيف "ظاهريًا يبدو موضوع الخدمة المدنية عاديًا وليس خطيرًا، لكنّه يأتي في إطار محاولات إسرائيل لدمج المجتمع الفلسطيني في القدس بالمجتمع الإسرائيلي، وتهويد المدينة وأسرلتها.. يريدون أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين يعطون ولاءهم لدولة الاحتلال".

اقرأ/ي أيضًا: المسافة بين القيادة والشارع

كثير من الشباب المقدسي، يقعون في فخّ الاستقطاب للخدمة المدنية، خاصة على مواقع التواصل، فتقول الشابة (آ،ج)، أنها قبل نحو عام، كانت تبحث عن عمل بعد تخرجها من إحدى الكليات، فلجأت إلى إحدى صفحات "الفيسبوك"، ووجدت إحدى المعلقات تنشر إعلانًا عن الحاجة إلى سكرتيرة في مركز طبي، بمبلغ زهيد جدًا.
وتقول "استغربت في البداية، لكنني تشجعت بسبب أن الإعلان يقول إن مصاريف المواصلات مؤمنة، وأن هناك منحة وميزات أُخرى، فتواصلت مع المعلنة، وأخبرت أهلي عن هذا العمل، وبعد تحريهم عنه اكتشفوا أنه بديل للخدمة العسكرية، وما التطوع فيه إلا خدمة للاحتلال، وهو يأتي ضمن إطار استغلال الشباب الباحثين عن عمل".

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام.. جندي لصالح "إسرائيل"؟

أمّا الإعلام الإسرائيلي بدوره، فلا يتوانى عن تلميع صورة "الخدمة المدنية" الإسرائيلية، فقد ادعى موقع "تايمز أوف إسرائيل" أنه أجرى مقابلة مع فتاة مقدسية تدعى "براء"، وهي تتطوع في الخدمة المدنية، وقالت للموقع حسب زعمه: "أشعر بالولاء لهذه الدولة، أرى ما تقدمه للناس في المجتمع على الرغم من كل الكلمات القاسية التي تُقال عن الدولة!".
ويسلط الإعلام الإسرائيلي الضوء على المقدسيين الذي ينهون الخدمة المدنية، ويُجري معهم مقابلات غالبًا ما يتغنوّن فيها بـ"الولاء لإسرائيل" وبخدمتهم "الوطنية".
أمّا المتحدث باسم الإعلام الحكومي الإسرائيلي اوفير جيندلمان، فينشر بين الفينة والأُخرى تغريدة على "تويتر" أو "فيسبوك"، يذكِّر فيها بأن هناك أكثر 100 فتاة مقدسية يتطوعن في الخدمة المدنية، بالمدارس ورياض الأطفال، ويدّعي أن المقدسيين الشباب يريدون مزيدًا من "المزايا والاندماج".

اقرأ/ي أيضًا:
إسرائيل عندما تعوِّل على الواقي الذكري
في الخصوصيّة الفلسطينية
انفوجرافيك.. موسم الزيتون في فلسطين