أبدت مصادر محلّية وفصائلية في أحاديث منفصلة مع الترا فلسطين، مخاوفها من تبعات ما يوصف بأنه انفراجة في السياسة الإسرائيلية تجاه إدخال المساعدات لشمال قطاع غزة مؤخرًا، وارتباط ذلك ببدء اجتياح بري لرفح، لا سيما أن هذه "الانفراجة" تأتي بفعل ضغوط أمريكية، وتتزامن مع تهديدات إسرائيلية مستمرة ببدء عملية عسكرية كبيرة في الجنوب.
سياسة الاحتلال في إدخال المساعدات تعتمد على فكرة "إغراق السوق في منتج معين" حيث تتوفر المنتجات أحيانًا، وتنقطع في أيام أخرى، ولا تدخل وفق توزيع يلبي حاجة الناس
وكانت الأمم المتحدة قد أكدت في 19 آذار/مارس الماضي أن إسرائيل تفرض قيودًا على إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وتحديدًا مناطق الشمال "وهذا يرتقي لمستوى أسلوب التجويع وقد يعد جريمة حرب" بحسب تعبيرها، مؤكدة أن على إسرائيل "باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، الالتزام بضمان توفير الغذاء والرعاية الطبية للسكان بما يتناسب مع احتياجاتهم وتسهيل عمل المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدات".
وكشف مصدر محليٌ لـ الترا فلسطين عن اجتماع جرى بين مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمية في 5 نيسان/ابريل، تم فيه الاتفاق مع سلطات الاحتلال على إدخال كمّيات من المساعدات بشكل يومي، وقد أُبلغت اللجان المحلية الشعبية والعشائرية في شمال غزة بمخرجات الاجتماع.
وبدأت سلطات الاحتلال مؤخرًا شق طريق جديد يقع غرب معبر "إيريز - بيت حانون" لتدخل منه المساعدات التي تحمل الطحين والمعلبات باسم المنظمات الإغاثية الأممية، وذلك نظرًا لتعطل معبر إيريز نتيجة انسداده بالأنقاض والحفر، وأيضًا خشية من المتظاهرين الإسرائيليين الذين يمنعون شاحنات المساعدات من الوصول للمعبر، بينما الطريق الجديد يصعب وصول المتظاهرين إليه.
ودخلت المساعدات بشكل تجريبي مرّة واحدة قبل نحو عشرة أيام من الطريق الجديد، المحاذي لمعبر إيريز، وتشمل 6 شاحنات، ثم تبع ذلك إدخال المساعدات بشكل شبه يومي منذ مطلع الأسبوع الماضي، إذ يتم إدخال 10 شاحنات في كل مرة، وهذه الشاحنات تحمل الطحين والسولار والغاز والمعلّبات، لتوفير الإمكانيات المساعدة لعمل المخابز في شمال قطاع غزة، إذ يتم التحضير لإعادة فتح ثلاثة مخابز في محافظة شمال غزة، بعد عودة مخبزين إلى العمل في مدينة غزة، ما أدى لانخفاض سعر ربطة الخبز من 100 دولار إلى 1.3 دولار (5 شواقل)، وفق ما أفادنا به المصدر.
وأشار مصدر الترا فلسطين إلى أن سياسة الاحتلال في إدخال المساعدات تعتمد على فكرة "إغراق السوق في منتج معين" حيث تتوفر المنتجات أحيانًا، وتنقطع في أيام أخرى، ولا تدخل وفق توزيع يلبي حاجة الناس، عدا عن غياب السيولة النقدية رغم انخفاض أسعار بعض المنتجات، مؤكدًا استمرار غياب مواد أساسية عن الأسواق في شمال القطاع أهمها غاز الطهي.
وأوضح، أن المساعدات باتت تدخل في الآونة الأخيرة من ثلاث طرق (مداخل)، وهي "الطريق جديد بجانب معبر إيريز، ومن شرق الشجاعية عبر طريق محاذ للسياج الفاصل، ومن دوار الكويت أو النابلسي، وهي المساعدات القادمة من جنوب القطاع التي تمر عبر حاجز نتساريم.
وأضاف، أن المساعدات القادمة من الجنوب تكون من حصّة التجار، والمساعدات القادمة من المعابر الإسرائيلية توّجه للمؤسسات الدولية، حيث يتم استقبالها من قبل شركة تخليص جمركي تتبع لرجل أعمال من عائلة شحيبر مقرّب من الشؤون المدنية الفلسطينية.
وبيّن، أن المساعدات باتت تدخل يوميًا منذ نحو أسبوع تفوق الـ 100 شاحنة، ويوميًا تعمل السلطات المحلّية والشرطة واللجان الشعبية على تأمين المساعدات عبر انتشارها على طول الشارع المتوقع مرور الشاحنات منه، وهذا ما يربك حتى اليوم الاحتلال الإسرائيلي، الذي فشل في تقويض نشاط سلطة حماس وإيجاد بديل لها، ما دفعه لاستهداف 8 عناصر من الشرطة الفلسطينية خلال تأمين المساعدات في حيّ التفاح يوم 16 نيسان/ابريل الحالي.
المساعدات باتت تدخل في الآونة الأخيرة من ثلاث طرق (مداخل)، وهي "الطريق جديد بجانب معبر إيريز، ومن شرق الشجاعية عبر طريق محاذ للسياج الفاصل، ومن دوار الكويت أو النابلسي
وأبدى المصدر تخوفًا من أن تكون التغييرات التي حصلت في شمال غزة بشكل مفاجئ، جزءًا من بداية مرحلة جديدة من المواجهة مع الاحتلال توحي بإمكانية بدء اجتياح بري لرفح، وبالتالي إغلاق معبر رفح الشريان الأساسي لقطاع غزة، بعدما بدأت تتوافد من خلاله الوفود الطبية من خارج قطاع غزة وتصل إلى مستشفيات الشمال.
من جانبه، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مروان عبد العال، قال في حديث مع الترا فلسطين إن الانفراجة التي طرأت في إدخال المساعدات جاءت تلبية للرغبة الأمريكية في تخفيف الضغوط الدولية عن الاحتلال الإسرائيلي، بعد تزايد التصريحات الدولية والأممية الرافضة لسياسة التجويع الإسرائيلية، وذلك لاعتبارات أمريكية انتخابية، إذ يرغب جو بايدن بأن يظهر نفسه حريصًا على الجانب الإنساني في قطاع غزة.
ويصف مروان عبد العال المساعي الأمريكية بأنها "حق يراد به باطل"، فهي تحقق شكليًا هدفًا إنسانيًا، ومن جانب آخر تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك بأن الجانب الأمريكي أعطى ضوءًا أخضر للاحتلال الإسرائيلي بشنّ عملية عسكرية في رفح، خاصة بعد استخدام أمريكا "الفيتو" ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة مساء الخميس الماضي.
وأشار مروان عبد العال إلى أن المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال، ما زالت عالقة ولا تقدم فيها، وأن فصائل المقاومة ما زالت حتى الساعات الأخيرة تتواصل مع الوسطاء من أجل وقف العدوان بالكامل وليس فقط وقف أي عملية عسكرية في رفح.