05-يونيو-2018

صورة أرشيفية

حسنًا، ليونيل ميسي ليس الوحيد. ليس الأول ولن يكون الأخير وهذا لن يغيّر شيئًا من  تلبُكنا العاطفي بين الغضب من رؤيته مبتسمًا بجوار نتنياهو، وبين التصفيق له والهتاف باسمه مع كل هدف أو تمريرة أو مراوغة يقوم بها. فهل من الطبيعي أن يمارس الإنسان هذا الكم من المشاعر المتناقضة؟

  يضايقني هذا اللهاث وراء شخصيات اختارت وبشدة أن تقف مع قاتلنا دون أن تفكّر إذا كان هذا القاتل قد قتل أحد مشجعيها في يومٍ من الأيام  

في العادة سيحدثنا الكثيرون عن أهميّة الفصل، أقصد الفصل بين ما يقدّمه ميسي من لعب جميل على أرض الملعب وبين مواقفه السياسيّة، وليس ميسي وحده المشمول بطلب الفصل هذا، فالكثير من المشاهير العالميين الذين زاروا "إسرائيل" أو عبّروا عن دعمهم لها، قد يشفع لهم جمالهم أو موهبتهم، وقد ننسى عند أول ظهور جديد لهم على التلفاز كل الغضب الذي تملّكنا ونحن نشاهد تفاصيل زيارتهم لـ "منطقة صراع" اختاروا فيها الانحياز للأقوى.

الانحياز للأقوى هو الخيار الجذّاب، قد تتكسر كل مفاهيم الخير والشر أمام تنظيم دولة الاحتلال ونجاحها وتطوّرها، لا أحد يستطيع أن يكره كلّ هذا "التقدّم" والنجاح والثراء المادي والمعرفي إلّا الذين قرروا أن يبحثوا عمّا وراء الأشياء، عن أصلها وكيف تكوّنت. فأحيانًا لا يكون هذا النجاح سوى سرقة كبيرة أو ربما هو مجرّد بناء جميل على أرضيّة مليئة بالدماء. وحدهم الذين يدققون في التفاصيل ينتبهون لهذا. عندها يتطلّب الأمر شجاعة هائلة للوقوف بوجه هذا الشرّ الجميل والجذّاب!

عندما زار المطرب الكولومبي خوان أرياس، المعروف بمالوما، "إسرائيل" الصيف الماضي، شارك عبر صفحته عى الانستغرام صورة تجمعه بمجنّدة إسرائيلية في القدس، الملفت أنّ المطرب العالمي لم ينتبه أنّ خاصيّة تحديد  الأماكن عنونت مكان الصورة بـ "مروحين من القدس- الأقصى" هكذا بالعربية! وهذا يخبرنا عن الفرق بين من يبحث عن أصل القصة وبين من يختار الاصطفاف السريع الجاهل بجوار الطرف الذي يبدو وفقًا للصورة الكبيرة هو الأجمل.

[[{"fid":"72245","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":480,"width":269,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

أفصل تمامًا بين كوني فلسطينية أترقّب دعم العالم لقضية شعبي وبين قناعتي بأن الذين يدعمون هذه القضية من فنانين ورياضيين غالبًا ما يتمتعون بمستوىً عالٍ من الثقافة والوعي، وصفي لهم بذلك لا يأتي  كمديح أو كردٍ للجميل أو كإثبات أنّ مساندة أشخاص مثلهم للقضية هو دليل على صدق هذه القضية وعدالتها، بل لأنّ تمسكهم بالخيار الأصعب وهو دعم الضحية وعدم انجرارهم وراء الجاذبية التي غالبًا ما يتمتّع بها الأقوياء هذا بحدّ ذاته ثبات لرسالتهم الإنسانية التي لم تهزّها أضواء الشهرة ولم تربكها الثروة والرفاهية. هؤلاء ستجدهم في المناطق المنكوبة كما تجدهم في المهرجانات الفارهة ذات السجاد الأحمر.

طلب الفصل بين الحياة الشخصية للمشاهير وبين ما يقدّموه من فن، رياضة أو أدب هو طلب انتقائي أي أنّه يتم وفق ما يحتاجه المتكلّم لإثباته أو نفيه، فبالنسبة لميسي مثلًا يستخدم الكثيرون طفولته القاسية للتدليل على نجاحه ومثابرته، كما أنهم يستخدمون ارتباطه العاطفي بصديقة طفولته "أنتونيلا ركوزو" والتزامه بعلاقة مستقرّة معها أدّت إلى زواجهما عام 2017 كمؤشر على كونه إنسانًا جيّدًا إذا ما قُورن بغريمه التقليدي كريستيانو رونالدو متعدد العلاقات. أمّا زياراته لـ "إسرائيل" فلا أعلم كيف تمر على مشجعيه مرورًا عابرًا خفيفًا!

هذا الالتزام العاطفيّ الذي يبدو ثقيلًا ومُهمًّا في ميزان تقييم المشاهير، لا يمنحه مشجعو ميسي لالتزامه الأخلاقيّ تجاه القضايا الإنسانية، وما ميسي هنا إلّا مثال وما أكثر الأمثلة! ولكن لماذا يسهل علينا السقوط هكذا في حفرة عداء النفس والاستهانة بها؟ لماذا نستهين بموقف ميسي أو غيره تجاه قضيتنا من أجل لعبة كرة قدم، الأصل فيها أن تكون ذات رسالة إنسانية!

لستُ خبيرة بكرة القدم، لا أتابعها كثيرًا ولكنّي لا أستطيع أن أفصل بين الأشياء. فكما يصعب عليّ الاستمتاع بجمال نصّ لكاتب أعرف أنّه على الصعيد الشخصي إنسان سيء لأنني أرى كلماته معجونة بالكذب، يضايقني هذا اللهاث وراء شخصيات اختارت وبشدة أن تقف مع قاتلنا دون أن تفكّر إذا كان هذا القاتل قد قتل أحد مشجعيها في يومٍ من الأيام.


اقرأ/ي أيضًا:

مغنيّة البوب "لورد" تلغي حفلًا في تل أبيب

شاهد | غضب فلسطيني على "بيتزا هت"

بينما نلهو.. "إسرائيل" تصنع مجدًا!

لاعب أمريكيّ يرفض زيارة "إسرائيل"