04-يونيو-2022
الشيكات البنكية

بدأ اعتبارًا من حزيران/ يونيو الجاري، سريان قرار بقانون رئاسيّ، يستطيع من خلاله الشّخص المَدين، الاعتراض على دينه في الأوراق التجارية مثل "الشيكات" "والكمبيالات" إما بإنكار التوقيع، أو الادّعاء بالتزوير، أو الادعاء بالوفاء كليًا أو جزئياً للدائن، وهو ما يثير قلقًا من إطالة أمد التقاضي. 

 قانونيون: تعديلٌ قانونيّ يُفقِد الشيك قيمته، ويمسّ مبدأ الاستقرار في التعاملات المالية، ويُرهق المحاكم، ويدفع المواطن لأخذ حقّه بيده 

ويدور الحديث عن القرار بقانون رقم (12) لسنة 2022، الذي صادق عليه الرئيس محمود عباس، بشأن تعديل قانون التنفيذ رقم (23) لسنة 2005، وتحديدًا في فقراته (ب) و(ج).

من القانون

ويشير نصّ القانون إلى أنه وفي حالة إنكار المدين لتوقيعه أو الادّعاء أن الدائن قام بالتزوير، توقف معاملة التنفيذ، ويكلّف الدائن بمراجعة المحكمة المختصة، لإثبات ما وقع عليه الإنكار أو الادّعاء بالتزوير.

من القانون

وتعقيبًا على القرار الذي أثار جدلًا، قال عضو نقابة المحامين داوود درعاوي في حديث لـ "الترا فلسطين" إن لقاءً جمع النقابة برئيس مجلس القضاء الأعلى، وجرى خلاله الاتّفاق على إرسال كتاب جديد للرئيس لإرجاء نفاذ القرار بقانون خاص بالتنفيذ، وهم بانتظار صدور قرار بإرجاء التنفيذ.

وفي حال لم يصدر قرار عن الرئيس بوقف نفاذ القرار بقانون، يؤكد درعاوي أن نقابة المحامين سيكون لها موقفًا من نفاذه خاصة أنّه قد يعرّض السلم الأهلي للخطر.

درعاوي: القرار بقانون في مسألة إنكار التوقيع على الشيكات والكومبيالات، يُكلّف المحكوم له بالشيك بمراجعة المحكمة لإثبات صحة التوقيع، وهذا يُرهق المحاكم 

وأوضح درعاوي أنّه لو افترضنا أن قيمة الشيك المنكر التوقيع عليه هو (ألف شيقل)، فيستطيع المحكوم عليه أن يُنكر التوقيع، أمّا المحكوم له (حامل الشيك والمستفيد منه)، فسيضطر لإقامة دعوى قضائية، ودفعُ رسومها، وتوكيل محام،  ودفع أتعاب الخبير الذي سيتثبّت من صحة التوقيع، وهي إجراءات طويلة قابلة للاستئناف.

عضو نقابة المحامين داوود درعاوي
عضو نقابة المحامين داوود درعاوي

ورأى درعاوي أن هذه الإجراءات فيها مضيعة للوقت، وفي نفس الوقت فإنّ المحكوم له بالشيك بهذه القيمة (ألف شيقل مثلًا) لن يستطيع اللجوء للقضاء وتحصيل الشيك، لأن أتعاب الخبير والمحامي والمحكمة أكبر من قيمة الشيك نفسه، وبالتالي فإنّه سيُسلّم بعدم اللجوء للمحكمة.

درعاوي: التعديل القانوني الجديد سيضرب مبدأ الاستقرار في التعامل بالشيكات 

ومن السلبيات الأخرى للتعديلات على قانون التنفيذ، وفقًا لدرعاوي، أن الشيك سيفقد قيمته التجارية وقيمته كورقة مالية، لأنه بالأصل هناك مبدأ حماية للأوراق التجارية، وهي أساس للمعاملات التجارية، وبناء عليها يكون مبدأ استقرار المعاملات الاقتصادية في البلد، ولكن بهذه التعديلات عمليًا سيتم ضرب مبدأ الاستقرار.

ونوّه إلى أن من لا يستطيع تحصيل حقوقه عبر القانون ودوائر التنفيذ لوجود مثل هذه المعيقات، سيضطر لاستيفاء حقّه بيده، وهو ما يقوِّض السلم الأهلي، ويخلق أزمات قد تنعكس على الواقع الاقتصادي، ومن سيدفع الثمن في النهاية هو المواطن.

الأشقر: التعديل القانوني جعل الورقة التجارية في فلسطين لا قوة لها، وهو مدعاةٌ للمساس بالسلم الأهلي  

ويتفق القاضي السابق والمحامي د. أحمد الأشقر مع درعاوي في أن القرار بقانون الخاص بتعديل قانون التنفيذ، هو مدعاةٌ للمساس بالسلم الأهلي، ويشكل دعوة مفتوحة للمواطنين الذين لا يستطيعون الحصول على حقوقهم لأن يذهبوا لأخذ حقّهم باليد من جهة. 

ومن جهة ثانية، يرى الأشقر في حديث مع "الترا فلسطين"، فإن هذا التعديل القانوني يقلل من القيمة الائتمانية للأوراق التجارية، حيث أن النظم القانونية تعمل دائمًا على حماية الأوراق التجارية، وإعطائها قوة ائتمانية، ولكن بهذا التعديل وخلافًا لكل دول العالم، أصبحت الورقة التجارية في فلسطين لا قوة لها، وبالتالي فإنّ مجرّد إنكار التوقيع سيؤدي إلى وقف التنفيذ في مواجهة المدين، وبالتالي سيضطر الدائن ذاته إلى الذهاب إلى المحكمة لدى القاضي للحصول على حكم، وهذا قد يستغرق وقتًا طويلًا، بمعنى أن القوة الائتمانية للأوراق التجارية سوف تنهار في السوق الفلسطيني.

القاضي السابق، والمحامي أحمد الأشقر
القاضي السابق، والمحامي أحمد الأشقر

وتابع أن هذا سيؤدي إلى فوضى عارمة، وغياب مبدأ سيادة القانون وانهيار منظومة السلم الأهلي، بالإضافة إلى ما تعانيه هذه المنظومة في الفترة الأخيرة من فوضى وفلتان.

وحول دوافع المشرّع من هذا القرار بقانون بكل ما فيه من ضرر وفقًا لآراء القانونيين؟ ردّ الأشقر على ذلك بأن هذه التعديلات تمّت بإرادة منفردة من مجلس القضاء الأعلى المعين خلافًا لأحكام الدستور.

وبيّن أن هذا يخالف مبدأ الفصل بين السلطات، لأن مهمة القضاء هي تطبيق القانون وليس اقتراح القوانين، ولكن للأسف هذه التعديلات تمّت دون مشاورة نقابة المحامين ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية، وبالتالي خرجت بهذه الصيغة الركيكة المتضاربة.

الأشقر: هذه التعديلات القانونية ستدخل منظومة القضاء الفلسطيني في فوضى عارمة، لأنها تفتقر للحاجة الملحة الضرورية لإصدارها 

وأضاف أنّ حاجة الضرورة التشريعية الملحة غير متوفرة لإعمال المادة (43) من القانون الأساسي، والتي صدرت كل القرارات بقانون عن الرئيس بالاستناد لهذه المادة.

وعلم "الترا فلسطين" من مصدر خاص أن سلطة النقد الفلسطينية هي من أوصت بهذه التعديلات على قانون التنفيذ.

وحول مصلحة سلطة النقد من ذلك، قالت المصادر إن هذه التعديلات من شأنها أن تقلل من حجم الاعتماد على الشيكات، بالتالي اللجوء إلى الدفع بالكاش، أو عبر القروض من البنوك، والمستفيد من ذلك في النهاية هو القطاع المصرفي العامل في فلسطين.

وبحسب بيانات تعود لسلطة النقد الفلسطينية نشرها موقع "المنقبون" الاقتصادي، فإن قيمة الشيكات المقدّمة للصرف في الربع الأول من العام 2022 بلغت 6.21 مليار دولار، منها 387.7 مليون دولار شيكات مرتجعة بنسبة 6.2%.