12-مارس-2020

مقال رأي |

سأفترض منذ الآن أنّك فطري وعفوي وقادم للتوّ من الموت، وأنّك لا تعرف متعة الحياة، وتحاول استيطان صدرونا، فتقتلنا وتموت معنا دون أن تعرف ماذا حصل لك وماذا حدث للصدر الذي قفزت إليه.

    اعترفُ بأنك وحدّتنا، بيض وسود، أسيويون وأوروبيون، كشفت عنصريتنا أحيانًا، أعدتنا من العمل وحجرتنا في المنازل، لكن هذا سيجعلنا نفكرك بموتك 

لكن ثمّة جمال يفوتك هنا في هذه الحياة، هُنا يا صديقي أصل الوجود روح، تنمو فينا وننمو فيها، نحافظ عليها إلى أن نتعب، بإمكانك أن تتعلّم هذه الخاصية وأن تعيش معنا بهدوء.

هُنا قلب هذّبته الموسيقى بالنوتات، درّبته على الحُب وجهزته للدموع والوداعات الحزينة، والرقص حتمًا من شدة الفرح، فاسمع موسيقى وتدرّب علينا بالصوت لا بالموت، اسمع لارا فابيان وتكسر مثل شمع، أو تسلل إلى الفالس الثاني للموسيقار شوستاكوفتش وتمايل مثل شجرة ساحرة. اسمع واستمتع ودعك من هذا الموت.

نعرف أنّك قادم من مجهول ولا أحد لك هُنا، لا أب ولا أم ولا وطن، هنا في الحياة يوجد فكرة غبية اسمها وطن، ستُحبّها وتُحبّك ويصير لك فيها هوية، انضم إلى وطن ما ولا تستوطن، سنرحّب بحزنك على الفقراء وخوفك عل التراب من الأعداء وسنجعلك تبكي عندما تمر بالطائرة فوق أرضك المحتلة إن أردت. تعال وسنجد لك حلًا.

صدمتك الأفواه المفتوحة والعيون والأنوف الجميلة في آسيا، هذا اسمه جسد درّبته ملايين السنين على مهمّات الحياة، شفاه للحب والكلام وعيون للانتظار وأنوف شبابيك للقلب، جرّب أن يكون لك أصابع وشعر، انتظر حتى يكون لك نوع اجتماعي، فيصير لك جسد تقضي عمرك وأنت تفسّره وتلغيه وتستحضره. 

إلى حدود ما اعترفُ بأنك وحدّتنا، بيض وسود، أسيويون وأوروبيون، كشفت عنصريتنا أحيانًا، أعدتنا من العمل وحجرتنا في المنازل، لكن هذا سيجعلنا نفكرك بموتك، انتبه ثمة شيء كبير اسمه العلم مثل الحياة، سيفكك جيناتك وإن لم تُصبح مِنّا سيقتلك. 

هُنا أنوار مطارات ومدن وملاعب وقاعات ومسارح، ومواعيد أولاد وبنات عاشقين، ورواتب آخر الشهر، وهنا فن ورسم وأفلام وقطعة زجاج صغيرة نرى أنفسنا فيها اسمها مرآة آهم من أي قطعة صنعتها الريح والنار والبرد.

هُنا أديان ولا أديان، أسأنا استخدامها لكنّها أخلاقية وتبحث عن مهن أفضل، كن يهوديًا أو مسلمًا أو بوذيًا أو كنها جميعًا، تعلم إيقاد الشمع في كنيسة أو مارس الصلوات في الليل، لوّن جسدك ولفّه بالحرير، تورّط معنا في الأسئلة الوجودية ولا تشد على نفسك في الوصول إلى النهاية.

هُنا ورطة اسمها الحُبّ، للأبناء والأحفاء والشركاء، طاقة ما تجعلك لا تقتل ولا تكره وتلتهي في عالمك الداخلي، درّب نفسك عليها، دعك مما تفعله في العيادات والمشافي والبيوت من جنون.

جرّب الذهاب إلى مكتبة، تفقّد الروايات والشعر والأدب واليوتوبيا والديستوبيا وفكّر كم راكم هذا الكوكب من معرفة معتوهة وخلّاقة وباردة ومدوية.

هل تريد أن تذكّرنا بشيء نسيناه، هل أنت الوجود ونحن العدم، أنت البقاء ونحن الفناء؟ أربكتنا وواضح أنها الحرب الآن. الحرب التي تأتي بضحية وهذا يجلب الألم للمنتصرين والمهزومين، اسمه ألم، جرّبه فهو أول الحياة ونهايتها. 

أيّها المجنون تحسس بأصابعك الغابات، اسبح في أنهار الكوكب، اصطد سمكة من بحيرة متجمّدة، اركب على طير والعب مع دببة صغيرة وأرانب، فهنا حياة كبيرة لا تقبل الموت.

هُنا الشيء ونقيضه، الله والشيطان، سيهزمك المصير وتصدمك احتمالات القدر، لا تفكّر بالانتصار على الليل والنهار ولون الشمس وماراثون المطر، ستموت معنا وأنت تحاول قتلنا، فتحوّل إلى حياة فهذه خسارة أقل لك. 


اقرأ/ي أيضًا:

يوميّات في الحجر الصحي.. عائلة فلسطينية في بكين

كورونا: فايروس خارج عن القانون الفلسطيني

كورونوفوبيا مثل إسلاموفوبيا