07-مارس-2020

يبدو أن السلطة الفلسطينية قد اختارت معالجة موضوع فايروس كورونا معالجة قانونية أكثر من معالجته بشكل صحي، حيث لم يظهر حتى هذه اللحظة أي إجراء حقيقي على الأرض سوى إعلان حالة الطوارئ الشاملة في الأراضي الفلسطينية، استنادًا إلى القانون الأساسي، دون أن يرصد أي إجراء استثنائي يتطلب مثل هذا الإجراء، سوى منع المظاهرات والإضرابات المهنية التي كانت تزعج السلطة الفلسطينية في الآونة الاخيرة، خاصةً إضراب الأطباء والقطاع الصحي وإضراب المعلمين، مما يثير القلق من أن الحكومة وجدت في فايروس كورونا وسيلة لاحتواء التحركات النقابية، دون أن يتبع إعلان حالة الطوارئ فرض تدابير صحية يتطلبها الإعلان عن حالة الطوارئ.

 لم يظهر حتى هذه اللحظة أي إجراء حقيقي على الأرض سوى إعلان حالة الطوارئ الشاملة في الأراضي الفلسطينية، دون أن يرصد أي إجراء استثنائي يتطلب مثل هذا الإجراء

في الوقت الذي ردَّد فيه كافة المسؤولين الفلسطينيين خلال الشهور الماضية أن فلسطين خالية من الكورونا، ولدى السلطة الفلسطينية جاهزية تامة للتعامل معه، قلبت السلطة سياستها بزاوية مستقيمة مقدارها 180 درجة في أقل من 24 ساعة، وفور اكتشاف 8 حالات مصابة بالفايروس في مدينة بيت لحم حالة الطوارئ الشاملة، فرضت حجرًا شاملاً على المناطق الفلسطينية، وبدرجة أكثر تشددًا فرضت الحجر ومنع الحركة على مدينة بيت لحم، وعطلت الحكومة جميع المؤسسات التعليمية كونها مناطق تجمع يمكن أن تساهم في تفشي المرض، لكنها في المقابل لم تتخذ كحكومة أي إجراءات تجاه المقاهي أو قاعات الأفراح أو النقل العام أو أماكن العبادة، وهي أماكن يحصل فيها احتكاك بين الناس مثل المؤسسات التعليمية.

اقرأ/ي أيضًا: شكاوى من ظروف صحية سيئة في مركز الحجر الصحي

المقابلات الصحفية التي نقلت من داخل فندق "انجل" في مدينة بيت لحم، حيث يُحجر على 45 مواطنًا وسائحًا في الفندق، خاصةً تلك المقابلة المصورة التي نقلتها الصحفية فاتن علوان، كشفت عن فشل ذريع في تعامل وزارة الصحة مع الحالات المحجور عليها، حيث لا  يخضعون إلى متابعة حقيقية، حتى الطعام الذي يزودون به يأتي تبرعًا من القطاع الخاص كما ينشر على وسائل الإعلام، ولا  تقدم علاجات للمرضى  والمحجور عليهم، ولا تقاس حتى درجة حرارتهم، ولا توجه إليهم أي إرشادات من شأنها رفع معنوياتهم وتقوية مناعتهم، ولا علم لديهم عن وضعهم الصحي سوى ما ينقل إليهم من ذويهم وأصدقائهم ووسائل الإعلام عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

المقابلات الصحفية والمناشدات التي خرجت من بيت لحم، ومن مركز الحجر في مدينة أريحا جاءت مخيبة للآمال في قدرتنا على التعامل مع  المرض الذي داهمنا. وتبين أن وزارة الصحة لم تكن لديها أية خطة للتعامل مع فايروس كورونا، فإذا كان هذا هو الحال مع ثمانية حالات محتجزة في فندق واحد، إذن كيف سيكون الحال لو انتشر المرض لا سمح الله وطال المئات؟

يضاف إلى هذا كله  فشل الرقابة قبل تسجيل إصابات، مثل استغلال سعر الكمامات، وجمعها من السوق وتصديرها للخارج، وقلة مواد التعقيم وعدم إتاحتها للجمهور بسهولة وسعر قليل، وما رافق ذلك من تشويش في عمل الأطباء والمراكز الصحية بسبب إضراب الطواقم الصحية.

عارضتُّ بشدة فوضى تناول وسائل الإعلام خوفًا من أن يؤدي النشر غير المنظم إلى حالةٍ من الهلع والخوف بين الناس، وطالبتُ أن يضع النائب العام قيودًا على النشر، فضرر الهلع -كما يقول المختصون- أكثر من ضرر الفايروس نفسه، كون الشفاء يعتمد على المناعة والخوف يقللها ويمكّن المرض.

لكن الطريقة التي أُعلن فيها عن فرض حالة الطوارئ الشاملة لم تكن موفقة، وأحدثت صدمة للعموم، فاعتقد العامة أن هناك شيئًا مخفيًا اكثر مما هو معلن. بل إن بعض المثقفين والأكاديميين طالبوا باتباع التعليمات دون نقاش، لاعتقادهم أن هناك خطة شاملة للتعامل مع انتشار الفايروس، ولا مجال للنقاش والجدل حول الإجراءات، لكن الحقيقة التي تبيَّنت كشفت أن لا خطة طوارئ لدينا، وإنما فقط إعلان طوارئ قانوني، وما تم حتى هذه اللحظة بإمكان جمعية أهلية أن تقوم به، وليس وزارة صحة أعلنت جاهزيتها.

 لا خطة طوارئ لدينا، وإنما فقط إعلان طوارئ قانوني، وما تم حتى هذه اللحظة بإمكان جمعية أهلية أن تقوم به، وليس وزارة صحة أعلنت جاهزيتها

الإرباك امتد أيضًا ليشمل العينات التي تفحص، لا إجابة شافية حتى الآن تقدم عن سبب تحويل العينات إلى المختبرات الإسرائيلية لإثبات تسجيل حالات الكورونا، وقد أثار بين الناس تساؤلات مخيفة إن كانت المختبرات الفلسطينية غير قادرة على كشف مرض الكورونا، وما هي حقيقية الشخص الذي أعلن أنه مصاب بالكورونا وسرعان ما تم نفي الخبر؟ لقد تم تبرير ذلك بوقوع خلل في العينة، فمن هو الذي أخطأ في العينة؟ هل هو الممرض الذي حصل عليها؟ أم المختبر الذي فحصها؟ أم الجهة التي نقلتها؟ أم الدائرة التي أعلنت النتيجة؟ أم أنه يتم تبديل المعلومات بناءً على وضع الأشخاص الذين يتم الاشتباه بإصابتهم بالمرض؟

شاهد/ي أيضًا: فيديو | فايروس كورونا: إرشادات لسلامتكم

أنظر بتقدير كبير إلى قرار الحكومة بحماية خصوصية المرضى المشتبه إصابتهم بالكورونا، لكن الخصوصية يمكن أن تنتهك في حالتين فقط: أن يقرر المريض التنازل عن حقه بحماية خصوصيته ويكشف عن نفسه، أو أن يكون الكشف عن الخصوصية يحقق المصلحة العامة.

في الحالة التي لا يمكن لوزارة الصحة تتبع الحالات التي اختلط فيها المصاب مع الآخرين، يصبح من المصلحة العامة الكشف عن اسم المصاب حتى يتمكن من خالطوه من أخذ التدابير اللازمة لفحص حالتهم، ولأن لا يكونوا سببًا لانتشار المرض، فالإصابة بالكورونا لا تنقص من قيمة الشخص أو مقداره الذي يتعرض له، وكل شخص منا عرضة للإصابة به، الكبير قبل الصغير، والغني قبل الفقير، والمسؤول قبل المواطن، والتعامل معه باعتباره وصمة هو شكل من أشكال التخلف الاجتماعي الذي يجب أن يلفظه المجتمع، فلا مجال للتنمر على مريض أو منطقة أو عمر أو جنس أو دين، فالمرض تحدٍ يواجه الإنسانية ككل.

كلي أملٌ أن تراجع الحكومة كل خططها، وأن تشكل خلية أزمة يشارك فيها كل الحكماء في المجتمع، وبالتالي تضمن نجاح خطتها في مقاومة المرض ومنع تفشيه، وتسقط عن نفسها لا سمح الله أية مسؤولية في الفشل للتصدي للمرض، فمن يشارك في القرار يشارك في تحمل المسؤولية.

حذاري من استخدام المرض أو أي من تدابيره لأسباب سياسية، وتوضيحات رئيس الوزراء إلى مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بهذا الخصوص مطمنئة. لذا، فإن الحكمة تقتضي أن يتم اليوم قبل غدًا إطلاق سراح النائب حسام خضر من الاعتقال، فالجمهور قد ربط في سره وفي علنه بين إعلان حالة الطوارئ واعتقاله، ولتكن أولى الخطوات القادمة إقرار قانون يحمي حقوق المحجور عليهم، ولتتخذ كل الخطوات التي تحول دون تحول المرض إلى وسيلة تجارة أو ربح من قبل بعض التجار الجشعين.


اقرأ/ي أيضًا: 

كورونو فوبيا مثل إسلامو فوبيا

عن فايروس كورونا والسخرية.. وانعدام الثقة