خصص التلفزيون الرسمي الإسرائيلي مؤخّرًا بثّ ساعة كاملة، لفلسطينيين وإسرائيليين، قدّموا شرحًا عن "أهميّة وضرورة الاحتلال بالنسبة للفلسطينيين"، وحاولوا تقديم "صورة مشرقة عن العلاقة بين المُحتل والخاضع للاحتلال"، خلال فيلم حمل اسم "بحثًا عن الابرتهايد".
"بحثًا عن الابرتهايد" هو اسم الفيلم الإسرائيلي الموجّه للأوروبيين والأمريكيين، كوسيلة لمجابهة دعوات مقاطعة إسرائيل
الجمهور المستهدف للفيلم الدعائي الذي يحمل اسم "بحثًا عن الابرتهايد"، ليس أولئك الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس أو الضفة الغربية، فهؤلاء يتعرّضون يوميًا لانتهاكات الاحتلال ومستوطنيه. عرض الفيلم بالإنجليزية، يشير في هذه الحالة إلى أنّ الجمهور المستهدف هو الإسرائيلي العادي، رغم أنّه موجّه بالأساس للجمهور الأوربي والأميركي، في إطار الجهود الرامية لمحاربة دعوات مقاطعة إسرائيل بوصفها دولة فصل عنصري.
استهداف الجمهور الإسرائيلي، من خلال عرض الفيلم؛ جاء لتزويد الإسرائيلي العادي بمبررات أخلاقية، حتى يمارس احتلاله ضد الفلسطيني، بينما يشعر براحة ضمير، وأيضًا ليروِّده بحجج وبراهين إذا ما وجد نفسه مضطرًا يومًا للدفاع عن الاحتلال خلال نقاش عادي.
الفيلم، من أوّل لقطة فيه وحتى نهايته، اعتمد مخرجه استراتيجية وزير الدعاية النازي غلوبز "اكذب حتى يصدقك الناس". إلى جانب تعميم عدد من الحالات الشاذة بعد فصلها عن سياقها واختزالها، ثم عرضها وكأنّها ظاهرة مسيطرة.
اعتمد مخرجه استراتيجية وزير الدعاية النازي غلوبز "اكذب حتى يصدقك الناس"
وبالطبع اسم الفيلم "بحثًا عن الابرتهايد" لم يكن اختيارًا عبثيًا، فمن وراء ذلك، قصد المخرج تفنيد تهمة ممارسة إسرائيل للفصل العنصري، وكأنّ هذه السياسية غير ظاهرة وبحاجة للبحث، ولإسقاط حقيقة أنّها تمارس أيضًا الاحتلال الذي يعتبر أكثر قسوة من "الابرتهايد".
واختار مخرج الفيلم -يهودي فرنسي- لنفسه اسمًا مستعارًا هو "بيير رحوف"، كنوع من التكتيك الدعائيّ، مُبررًا إخفاء اسمه الحقيقيّ لخوفه من تعرضه للاغتيال من جانب أنصار الشعب الفلسطيني، بعد إعداده عدة أفلام تنسب للفلسطينيين اختلاق الكثير من الوقائع؛ حيث زعم في أحد أفلامه أن الفلسطينيين هم من قتل الطفل محمد الدرة مطلع الانتفاضة الأولى.
اقرأ/ي أيضًا: دماء "الهنود الحمر" من أجل غسل ذنوب إسرائيل
وتحت تأثير الابتزاز، يعرض الفيلم مع عمال فلسطين يعلمون داخل مستوطنة "ميشور ادوميم" شرق القدس، في مصنع شركة المشروبات "سودا ستريم" مقابلات أظهرت أنّ العامل الفلسطيني هناك يعيش في المصنع الفاضل على غرار المدنية الفاضلة.
وتتحدّث إحدى العاملات عن العائد المالي الكبير الذي تجنيه لقاء عملها، فيما يقارن عامل آخر بين الحد الأدنى من الأجور لدى المشغلين الفلسطينيين، مع راتبه في المستوطنة، ثم يتحدث عن "فضائل المصنع".
عمال وموظفون فلسطينيون يتحدثون اللغة الانجليزية بطلاقة ولهجة متقنة تثير علامات استهام واستغراب، ويتدخل المعلق زاعمًا أن لا فرق في الأجور بين المستوطنين والفلسطينيين. مغفلًا حقيقة أن الشركات الاسرائيلية تلجأ لفتح مصانعها في المستوطنات بحثًا عن الأيدي العاملة الرخيصة. طبعًا تم نقل المصنع إلى داخل الخط الاخضر وطرد العمال بعد تصوير الفيلم بفترة وجيزة.
مخرج الفيلم راهن على عرض الصورة الأكثر قبولًا وإقناعًا للأوروبي والأميركي والإسرائيلي، من خلال "فلسطينيين" يتحدثون الانجليزية، أحدهم مقدسي صار وجهه مستهلكًا ومبتذلًا بعد أن أفرطت في استخدامه وسائل الإعلام العبرية وجهات إسرائيلية كثيرة في مهاجمة أبناء شعبه وعرض الرواية الإسرائيلية أمام المحافل الحقوقية الدولية.
اقرأ/ي أيضًا: صابر الرباعي في صورة مع ضابط إسرائيلي
ويعرض الفيلم أيضًا مقابلة مع رجل "فلسطيني" في نهاية العقد الخامس، يسكن في مستوطنة "النبي يعقوب" شرقيّ القدس، يتحدث فيها عن تسامح المستوطنين، وخلال المقابلة وبشكل مفتعل يدخل مستوطن يرتدي زي المتدينين اليهود ويبدأ بالحديث عن العلاقات "الإنسانية"، ورغم أجواء التسامح اليهودي، يظل العربي أو الفلسطيني غير متحرر من الجذور الداعشية، فيغادر الرجل بعد للقتال إلى جانب "داعش" في العراق، لتكرير صورة نمطية جديدة يُراد منها تذكير المشاهد الغربي أنّ العربي حتى لو عاش داخل مجتمع متسامح فإنّه يظلُّ "داعشيًا".
ويتغاضى مخرج الفلم عن حقيقة أنّ "داعشيَّ المستوطنة" أعدمته "داعش" بعد أن اعترف أن والده جنَّده لصالح المخابرات الإسرائيلية التي أرسلته في مهمة تجسس في العراق. وبالطبع كذلك، لم يلاحظ مخرج الفيلم منازل الفلسطينيين التي تتهدمها منظومة الاحتلال بشكل يوميّ. وإطلاقًا لا يرى أن إسرائيل تُهجِّر تجمعات سكنية بدوية يحمل أهلها الجنسية الإسرائيلية، من أجل إقامة مستوطنات يهودية جديدة.
اقرأ/ي أيضًا:
مستوطنات جنين.. هل هذا ما سنفعله بعد التحرير؟