أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قرابة 27 ألف أمرًا بالاعتقال الإداري، منذ انتفاضة الأقصى عام 2000 وحتى عام 2017، ما بين اعتقالٍ جديدٍ وتجديد اعتقالٍ قديم، وذلك وفق دراسةٍ لجهاز الإحصاء المركزي، استمرارًا للسياسة التي ورثتها عن الاحتلال البريطاني تحت مسمى "الملف السري".
سعى الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء تطبيق هذه السياسة إلى قوننة "الملف السري"، في محاولةٍ للتخلص من التناقض في نظر العالم بين الادعاء بالديمقراطية وحقيقة التعامل مع الفلسطينيين، لكن "الأمن" بالنسبة للاحتلال فوق كل اعتبار، حتى أصبح "الملف السري" لا يقتصر على الاعتقال الإداري فقط بل تعدى أبعد من ذلك.
تدور فلسفة الاعتقال الإداري في فلك السياسات العقابية والضرورات الوقائية التي يتبعها الاحتلال ضد الفلسطينيين
تدور فلسفة الاعتقال الإداري في فلك السياسات العقابية والضرورات الوقائية التي يتبعها الاحتلال ضد الفلسطينيين، فالسياسات العقابية كما يراها الاحتلال هي محصلةٌ لفعلٍ أو تخطيطٍ أو مساعدةٍ في أي مجالٍ من مجالات المقاومة. أما الضرورات الوقائية فعادة ما تكون تمهيدًا أو خوفًا من حدثٍ معين، أو مع اقتراب المناسبات الوطنية ما.
اقرأ/ي أيضًا: "يمه".. صرخة أسير فقد والدته للأبد
مع بداية الانتفاضة الأولى شاع الاعتقال الإداري وبدأ مصطلح "الملف السري" يتوغل في أوساط المجتمع الفلسطيني، لكن الصدى الأوسع والحضور الأبرز في القاموس الشعبي له كان إبان الانتفاضة الثانية، حيث ارتفعت وتيرة الاعتقال الاداري بصورةٍ غير مسبوقة، ولاسيما خلال اجتياح الضفة الغربية عام 2002 في العملية التي أسماها جيش الاحتلال "السور الواقي".
نواة الاعتقال الاداري
إن أبسط تعريفٍ للاعتقال الإداري هو "مؤبدٌ مفتوحٌ"، اعتقالٌ خالٍ من لائحة اتهامٍ أو اعترافٍ أو إقرار، وبحسب القانون الإسرائيلي، يُمكن تحويل الأسير لفترة اعتقالٍ تتراوح من شهر حتى ستة أشهر قابلة للتجديد، وهكذا دواليك حتى خمسة أعوام، وذلك وفقًا لأنظمة الطوارىء البريطانية، ثم استحدثت قوانين عسكرية جديدة لتنظيم هذا الاعتقال.
وحسب التسلسل الوظيفي في جيش الاحتلال والقانون العسكري المطبق في الضفة، فإن ضابط "الشاباك" المسؤول عن المنطقة التي يسكنها الأسير هو من يملك القرار بإصدار أمر الاعتقال الإداري، ولكن الحالة مختلفة تمامًا في القدس، فحسب القانون المدني المطبق في المدينة يستلزم توقيع وزير الأمن الداخلي على قرار الاعتقال الإداري.
مبررات "الملف السري" الواهية
خلال البحث، وفي محاولةٍ لتحديد صبغةٍ معينةٍ لطبيعة الملف السري، نجد أن الاحتلال لا يمتلك الكثير من المبررات والحجج لكي يسوّقها عند أتباعه لهذا النوع من العقاب، بل هي ذاتها تتردد مرارًا وتكرارًا في كل الحالات تحت عنوان "خطر على أمن المنطقة" الذي تندرج تحته عدة اتهامات، لا تصل إلى حد الإدانة إذا ما عرضت أمام القضاء.
الأسير السابق عدنان حمارشة من قرية يعبد جنوب غرب جنين، أُصيب بالشلل خلال إحدى جولات التحقيق في عام 2012، لكن قبل ذلك قضى في الاعتقال الإداري خمس سنواتٍ بين سنتي 2004 و2009، حيث كان يتم تجديد اعتقاله كل ستة أشهر لستة أشهرٍ أخرى، وفي كل مرة كان يطلب المحامي من المحكمة عرض "الملف السري"، لكن في كل مرة كانت النيابة العامة ترفض الطلب متذرعة بأن حمارشة "يُشكل خطرًا على أمن المنطقة".
أسير أمضى 4 سنوات في الاعتقال الإداري ثم تبين أن الملف السري هو مكالماته مع شقيقه المبعد لغزة
ومن المبررات التي يوردها الاحتلال في "الملف السري"، الاتصال والتواصل سواء عبر الهاتف المحمول أو منصات التواصل الاجتماعي التي يجريها الأسير مع أشخاص يصنفون تحت مسمى "إرهابيين". الأسير السابق أحمد أبو سرية من جنين أمضى 4 سنواتٍ في الاعتقال الإداري بحجة "الملف السري"، قبل أن يتبين أن الملف السري هو سجل المكالمات التي أجراها مع شقيقه محمود المبعد إلى قطاع غزة بعد تحرره في صفقة "وفاء الأحرار".
لماذا لا يتم الإفصاح عن الملف السري؟
جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك"، هو صاحب القول في الاعتقال الإداري والتدبير في "الملف السري"، وهو يرى أن مجرد الكشف عن المعلومة التي يبني عليها "الملف السري" سيؤدي إلى الكشف عن مصدرها، ولذلك فهو يكتفي بالقول "خطر على أمن الجمهور"، بمعنى أن الملف السري مبنيٌ على معلوماتٍ استخباراتيةٍ متعددة المصادر، وفي هذه الحالة يكون المقصود "خطر على حياة المتعاون الذي يقدم المعلومات".
عقوبات جديدة بذريعة "الملف السري"
مؤخرًا تستخدم سلطات الاحتلال ذريعة "الملف السري" لتنفيذ عقوباتٍ جديدةٍ تجاوزت الاعتقال الإداري، كما حدث مع مؤيد الجلاد من طولكرم (20 عامًا) في السجن، فقبل شهر تقريبًا وخلال عودته من بلدة بيرزيت في رام الله إلى مدينته طولكرم بعد انتهاء دوامه الجامعي، أوقفه جنود الاحتلال على حاجز حوارة جنوب نابلس، وبعد تفتيش سيارته بشكلٍ دقيق، أبلغوه أنها مصادرة دون الحديث عن أي تفاصيل أخرى، وعند البحث في الأمر من خلال المحامي تبين أن قرار المصادرة جاء بناءً على "ملف سري".
ووفقًا لإحصائيات مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، فإن الاحتلال صادر نحو 16 مركبة من مختلف الضفة الغربية منذ مطلع العام الجاري، تعود غالبيتها إلى أسرى محررين، تحت هذه الذريعة.
يعقب المحامي محمود جبارين على ذلك قائلاً إن مصادرة المركبة بناءً على "ملفٍ سري" يعني أن الاحتلال يعتقد أن صاحبها قد استلم أموالاً من "تنظيم محظور"، لكن دون وجود أدلة تدل على ذلك، أي لمجرد الاشتباه بالفعل أو حتى نية الفعل، حينها تُصادر المركبة وتُباع في المزاد العلني، على أن يُعاد لصاحبها الفرق بين سعر بيعها والمبلغ الذي استلمه حسب الملف السري، لكنه استدرك مبينًا أنه لم يسبق أن أعاد الاحتلال المركبة المصادرة أو فارق سعرها بعد بيعها، ما يعني أن مالكها يفقدها دون مبرر وإلى الأبد.
اقرأ/ي أيضًا:
الأسير ناصر أبو سرور الذي نادته مزيونة 26 سنة