خالد الناصري، شاعر فلسطيني وصاحب "منشورات المتوسط"، وهي دار نشر عربية في إيطاليا، تأسست عام 2015 وباتت واحدة من أهم دور النشر العربية. أصدرت الدار العديد من المشاريع المهتمة بنشر الشعر والقصة القصيرة والرواية، أبرزها مشروع "براءات"، ومشروع "الأدب أقوى" المخصص للطبعات الفلسطينية. على هامش معرض فلسطين الدولي للكتاب بنسخته الحادية عشرة، أجرى ألترا فلسطين معه هذه المقابلة.
س: من هو خالد الناصري؟ وما الذي جاء بك إلى عالم النشر؟
- أنا شاب كنت أكتب شعرًا (ومن المفترض أنني ما زلت) أنجزت مجموعة شعرية. كنت أعيش في سوريا، وأعمل في التصميم والصحافة، ومع دور النشر، نشأت في دور النشر وعالم الكتب. في عام 2008 هاجرت إلى إيطاليا، وتابعت عملي في التصميم، وبعد ذلك عملت في السينما قليلاً، ثم بدأت تتكوّن فكرة إنشاء مشروعي الخاص، ومن هنا ظهرت منشورات المتوسط عام 2015.
خالد الناصري، شاعر ومُصمم، نشأ في دور النشر، ثم أنشأ دار نشر تهتم بإنتاجات الشباب، وتولي فلسطين عناية خاصة
س: حدثنا عن مشاريع منشورات المتوسط، ما هو مشروع "براءات"؟ ومشروع "الأدب أقوى"؟
- براءات هو مشروع مدن المتوسط، الأساس فيه دعم إصدار الشعر والقصة القصيرة وما يسمى بالنصوص. هذا المشروع أتى من هاجس شخصي، وهو أنني عانيت كثيرًا عندما أردت نشر مجموعتي الشعرية الأولى. تعلم أن نشر الشعر والقصة القصيرة غير مستحب عند الناشرين، لذلك أطلقنا هذا المشروع على أمل أن يكون مشروعًا مختصًا في الشعر والقصة القصيرة فقط.
س: قبل أن ننتقل للحديث عن مشروع "الأدب أقوى"، ألا تعتقد أن نشر النصوص الأولى لكتاب غير معروفين بعد قد يؤدي لنشر نصوص رديئة، وبالتالي التأثير على سمعة الدار؟
- عندما أطلقنا المشروع المختص بالشعر والقصة القصيرة، كان من الضروري وجود لجنة قراءة وتقييم مختصة ودقيقة. بالطبع لا نعادي مدرسة شعرية ما، ولا ننتصر لمذهب معين في الكتابة الشعرية والقصصية، اللجنة تنتصر لجودة النص تحديدًا.
لجنة القراءة مكونة من خمسة قرّاء، وأكون أنا السادس في العادة أو قارئ من خارج الدار، وتقوم اللجنة بقراءة كل مخطوط يصل لنا، وعند موافقة أربعة أعضاء من اللجنة يتم نشره. لجنة القراءة كانت ضرورية، لتجنب إحراجات قد أواجهها من أصدقاء كتّاب وشعراء يريدون نشر نصوصهم. في النهاية اللجنة ستختار بشكل حازم وموضوعي، ولكن لم يمضِ وقت طويل على مشروع براءات حتى استقطب أسماء كبيرة في عالم الشعر والقصة، مثل: قاسم حداد، وفوزي كريم، وهالا محمد. وحققت اسمها كمشروع، ومن المحتمل أن تصبح براءات دار نشر منفصلة مع مرور الزمن.
س: "الأدب أقوى"؟
- مثلما يعرف الجميع، هناك صعوبات كبيرة في وصول الكتب إلى فلسطين، لذا فكرنا بكل بساطة أن هناك الكثير من الكتب التي تتحمل طبعة فلسطينية، فلماذا لا نعمل طبعة فلسطينية؟ هذه الطبعات من ألف نسخة، لكتاب فلسطينيين وعرب (إلى الآن جميع الكتب لكتاب فلسطينيين باستثناء كتاب معجم المصطلحات الأساسية في الترجمة الأدبية).
س: واجهت الدار مشكلة في مصادرة رواية "جريمة في رام الله"، وهي الكتاب الأول الذي صدر عن مشروع "الأدب أقوى"، ما رأيك كناشر في هذه المصادرة؟
- رأيي واضح وأقوله دائمًا، أنا ضد الذي حصل تمامًا، وكناشر للكتاب فأنا موافق عليه بالكامل، وأدافع عنه حتى النهاية، ولكن أنا كناشر أرفض أن يمنع أي كتاب، خاصة في فلسطين التي نحلم أن تصبح دولة حريات، مغايرة لما يحدث في كثير من دول العالم العربي. تم تزوير الرواية ومصادرتها، ولكن لا بأس، الدار لم تعد تفكر في الرواية من ناحية مالية، ولكن أنا كناشر أرفض منع أي كتاب حتى لو كان ضدك، وإلا لما كان هناك إمكانية للعيش المشترك.
خالد الناصري: كناشر أرفض أن يمنع أي كتاب، خاصة في فلسطين التي نحلم أن تصبح دولة حريات
س: كناشر ماذا تعِد القارئ الفلسطيني اليوم؟ وما هي رسالتك له؟
- لا أريد أن أنصح الفلسطيني بالقراءة، لأنه في الأساس هو قارئ جيد. كمتوسط أعد القارئ الفلسطيني بأننا سنكمل عملنا، وسنبقى ننشر كتبا جديدة، وستكون عند حسن ظن القارئ الفلسطيني بنا.
س: هل سيستمر "الأدب أقوى"؟
- بالتأكيد سوف يستمر، والدليل أنه رغم تعثره طويلاً بسبب ما حدث مع رواية عباد يحيى، ومشاكل أخرى، إلا أننا عدنا، وستخرج ثلاثة كتب عن المشروع بمناسبة معرض فلسطين الدولي للكتاب.
س: ما رأيك بمعرض الكتاب الفلسطيني بنسخته الحالية؟
أنا معجب كثيرًا بما يجري، يقولون أنه أكبر معرض في تاريخ المعارض الفلسطينية. أرى أن التنظيم والتجهيز والجو العام في داخله ينافس كثيرًا من معارض الدول العربية المستقرة، بالإمكان أن يكون أفضل، ولكن هذا بحاجة لخبرة وحرفة، مع تراكم التجارب سوف يصبح أفضل.
صحيح أن هناك مشكلة في الكتب ودور النشر، ولكنها ليست مشكلة المعرض، وإنما منع "إسرائيل" لكثير من دور النشر والمدعوين من دخول فلسطين، وعدم منحهم تصاريح بالدخول.
س: حدثنا عن اختلافك مع صالح علماني، وتدخل وزارة الثقافة في القضية؟
- هو ليس اختلافًا فكريًا، وإنما إشكال حدث. صالح بالنسبة لي صديق قديم وأستاذ ومترجم كبير، أختلف معه سياسيًا، ولكن هذه آراء شخصية. ما حدث أنني نشرت رسالة شخصية، ولكن لم أنشرها كشيء شخصي، وإنما كعلاقة ناشر مع كاتب، وبالتالي لم أكن أتعامل من ناحية شخصية، الأمر كان متعلقًا بمنشورات المتوسط مع مترجم. رد الفعل من صالح كان مفاجئًا، احتد كثيرًا، وتوسع ليشمل وزارة الثقافة وأصدقاء، أتأمل أن الموضوع انتهى ومضى على خير.
س: أصبح نشر الشعر في العالم مثل قراءته ضعيف، إلا أن منشورات المتوسط ما زالت تنشر الشعر بكثافة، ما هي نظرتكم في هذا الأمر؟
- هناك مشكلة في قراءة ونشر الشعر، وهي ليست مشكلة عربية وإنما في العالم كله. المتوسط عندما بدأت أعلنت عن نفسها كدار نشر عربية مختصة في الأدب والفكر. فحين نتكلم عن الأدب فهو لا يقتصر على الرواية فقط، وإنما يشمل الشعر والقصة القصيرة والنصوص، لذلك لا بد من وجود جانب للشعر. وعلى اعتبار وجود مشكلة كبيرة في عالم الشعر، لم نفكر فيه من ناحية مادية، وإنما كالتزام ومسؤولية أخلاقية كونك ناشر عربي مهتم بالأدب، وعلى هذا الأساس غامرنا.
كنا نعلم أنه يوجد تغيير في العالم العربي. دخول وسائل التواصل الاجتماعي، والثورة المعلوماتية، ساهمتا في مساعدتنا على الترويج لإنتاجنا الشعري.
س: هل نجح الأمر من الناحية التسويقية؟
- عند نشر ديوان شعر، آخر ما نلتفت إليه المردود المالي، وإنما نحاول أن يعوض التكاليف، ويعود رأس المال الذي صرفناه في النشر. ولكن فوجئنا بأنه يوجد طبعات كثيرة نفدت من الدواوين الشعرية، وهذا مؤشر جميل ودال بالنسبة لي. هناك أعمال قمنا بعمل طبعة ثانية لها، وأعمال أخرى في صدد نشرها مرة أخرى.
خالد الناصري: عند نشر ديوان شعر، آخر ما نلتفت إليه المردود المالي، وإنما نحاول تعويض التكاليف
س: ماذا عن تمويل الدار؟ هناك أقاويل كثيرة عن تمويل من دول أو جهات معينة.
- أنا لست مدعومًا من أي طرف، هذا كلام فارغ. لا يوجد أي دعم لدار النشر لا من جهات سياسية ولا من مؤسسات ثقافية حتى، لا من الدول العربية ولا من الغرب، وأي شخص يثبت أنني أتلقى دعمًا أطلب منه أن يأتي ويواجهني، وإن تلقيت دعمًا في يوم من الأيام سأقول ذلك في العلن.
في بعض الحالات كان هناك دعم لمترجمين، وهذه الأموال بالكامل تصرف للمترجم ولا نأخذ منها فلسًا واحدًا، وفي بعض الحالات كنا نخسر منها ماليًا، لأننا دفعنا ضريبة الإجراءات البنكية، مثل الدعم الذي أخذناه من المؤسسة السويدية بقيمة 2000 يورو للمترجم بالكامل وبشكل مباشر.
على كل حال أتمنى أن تنتهي هذه القضية، لأننا تأذينا منها دون وجه حق. فبسبب هذه الأكاذيب منعنا من التواجد في دول عربية.
س: حدثنا عن احتضناكم لحالات الإبداعية الشابة، خاصة من فلسطين وسوريا؟ ما هي نظرة الدار للإبداع الشاب؟
- في الأساس نحن دار نشر شابة، وجزء من مشروعنا الثقافي والمعرفي دعم الشباب، لأننا نحن شباب أيضًا. واهتمام الدار بالشباب يمتد لترجماتها أيضًا، فبدأنا بالتعاون مع خمسة مترجمين شباب بدأوا معنا وأصبح لهم أسماء كبيرة فيما بعد، مثل: عماد الأحمد، حسام موصلي، كاصد محمد. الدار تؤمن أن هناك الكثير من الطاقات الشابة المميّزة، لذا نحاول أن نعطيها الفرصة فقط.
س: تتميز إصدارات منشورات المتوسط بأغلفة مميزة على مستوى الكتاب العربي، حدثنا عن هذه التقنية أكثر.
- الأغلفة أنا أقوم بتصميمها، في الأساس كنت مصممًا، هذا بجانب تجربتي في أوروبا التي استفدت منها كثيرًا، وأنا سعيد بردود أفعال القرّاء حول الأغلفة.
لكل دار نشر شخصية معينة، أنا مهتم بتحقيقها، من نوعية الكتاب وتوجهها وحتى الغلاف. الأغلفة تطورت كثيرًا، كانت قبل سنوات توضع لحماية الورق فقط، أما الآن فالغلاف مشروع فني كامل، بالنسبة لمنشورات المتوسط لم أسع لتصميم أغلفة جميلة فقط، وإنما أغلفة خاصة بالدار: اللوغو، شعار الدار، توزيع المعلومات على الغلاف، نوعية الورق ..إلخ.
س: ما هو مشروع خالد الناصري القادم، على المستوى الإبداعي والمهني؟
- أحاول أن أجد الوقت للعمل على مجموعة شعرية شبه مكتملة، ثم أبحث لها عن ناشر.
س: لا أعتقد أنها ستكون مهمة صعبة.
- أتمنى، لكنها قد تكون صعبة، لأن نشر الشعر صعب.
س: ما هو شعورك عندما تزور فلسطين؟
- كارثة. هذه الزيارة الثالثة، وفي كل مرة أحس بشيء مختلف، في هذه المرة بدأت أحس ماذا يعني أن تكون بين أهلك وناسك؟ (إذا بكيت ما تكتب هذه الأشياء). هنا أنا فلسطيني، وبين فلسطينيين، صحيح أحب وأحترم كل الناس، لكن هنا لست مضطرًا لتطبيق المثل القائل: "الغريب أديب".
اقرأ/ي أيضًا:
الأمن الوطني في معرض الكتاب.. لماذا؟