04-أبريل-2017

حدّثتنا جدّتي في جلسة شتويّة باردة، وأجواء سهرة دافئة، فالأذن تستمتع بسماع ما ترويه من قصص - عن ماض ليس بقريب - أصبحت غير نافذة، كانت يومًا بركة زادهم دون إنقاص من شأنها لكنّها أصبحت شاردة، وقالت لنا عن طريقة استسقائهم في بلدتي العيزرية بجانب سفح جبل الزيتون شرقيّ القدس.

حين يدنو السحر من الانتهاء، يخرج عدد من الرجال يصحبهم آخر يحمل عصاه مُعلّقًا بها راية بيضاء، يجوب الأرجاء مرددًا "يا إم الغيث يا روبة حرقتنا هالشوبة"، ينتظر رشق رايته بالماء، فمن فعل من أصحاب البيوت أغرقهم بالدعاء "يسقيكم ويرويكم ويمَلِي خوابيكم"، ومن لم يفعل، طاله غضبه بالهجاء "هادي الدار النَّاشفة لا حَلت ولا بَلت".

"إيش اتغديتو؟ بصلية.. وإيش أفطرتو؟ بصلية"

وعن صاحبة لها لم تكن ذات مال، لكنها أطعمت أبناءها اعتناء وعطاء، وفي يوم لم يكن في البيت غير خبز أيبسه برد الأيام، لا يُطحن بفم ولا تقضمه أسنان، فطحنته بحجر، ووضعت ماءً مع رأس بصل على النار، أوجعته الحرارة كي يلين، ووضعته والماء فوق الخبز الهشيم، حتى نقع وأصبح هضمه في الفم يسير، فأطعمت "البصلية" لابنها الذي أصبح الآن ذو شأن عظيم.

لم تكن البصلية خبيئة، فعائلات عدة، كانت عند سؤالها عن فطورها، تقول: بصلية. وعن غدائها؟ تكون الإجابة ذاتها.

أمّا الفطور اللذيذ لعائلات عدة، فـ "كورن فليكس" تراثي.. إبريق مليء بالشاي المُحلّى بالسكر، يُسكب مغليًا على الخبز بعد "تفتيته"، يستساغ طعمه ويسهل بلعه، ويحب الأطفال أكله.

وبينما تراودني في العقل بعض من أفكار، عن رواية "الخبز المنقوع بالشاي"، وأنظر إلى "كورن فليكس – رقائق الذرة" اليوم، وليس ذاك المختص بأعوام الكبار، هل سيبقى حاضرًا، وسيكبر به العمر دون أن "يشيب"، أم سيكون واسمه "الإنجليزي" حكاية ماض، ويصبح تأتأة جدّات حين يُخبرن عنه الأحفاد: عندما كان كورن فليكس يمدُّنا بالصّحة والطاقة، ليس كفطوركم اليوم دلع ومن مضارّه تنمو الركاكة.


اقرأ/ي أيضًا:

"لحم الفقراء" في تراث فلسطين

المفتول: طبخة النَّبي سليمان!

الزبيب الفلسطيني.. ما تبقّى لكم من حلوى