12-أكتوبر-2016

getty

إنّه البيت السادس، الذي تهدمه قوات الاحتلال، لتعاقب عوائل منفذي عملية "إيتمار". عامٌ مرّ على تلك الرصاصات التي انتقمت لعائلة فلسطينية، حُرق منزلها في ليل تموز الأخير.

ثلاثة شهور كانت قد مضت على حرق عائلة كاملة استشهد ثلاثة منها، وظلّ طفلٌ صغيرٌ يعاني وجع الحروق، وسط تعاطف لم يكن كافيًا لأن تلتئم جروح حزنه على فراق شقيقه الصغير، وأمّه وأبيه.

لم يكن يعلم من أصابهم الإحباط أن رصاصًا كان يُشحذ في البنادق، وأن خارطة طريق كان يرسمها شبان قرروا أن يفزعوا الصمت من مضجعه

خلال تلك المدة، كلُّ الصحف ووكالات الإعلام كتبت، وأعدَّ المراسلون تقاريرهم المتلفزة، ليحكوا عن قصة عائلة دوابشة المنكوبة، ومرّ صمت قاتل لم تعتده فلسطين، على حرق مستوطنين حاقدين، بيتًا فلسطينيًا كان يعتقد سكانه أنهم آمنون.

لم يكن يعلم من أصابهم الإحباط بعد جريمة الحرق، أن رصاصًا كان يُشحذ في البنادق والمسدسات، وأن خارطة طريق كان يرسمها خمسة شبان قرروا أن يفزعوا الصمت من مضجعه، وأن يعلنوا أنّ الانتقام آت لا محالة، وأن دماء الفلسطينيين ليست رخيصة لهذا الحدّ.

ليلة الخميس، كان موعد الأخذ بثأر الشهداء الثلاثة، وكانت الرسالة المقاومين للمحتل: نحن هُنا، لا تحسبونا انتهينا من ثأرنا، ولسنا غاضّين أبصارنا عن جرائمكم، فخذوا..

المكان، في شارع مستوطنة "إيتمار" المقامة على أراضي أهالي قرية بيت فوريك شرق مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية المحتلة، ثلاثة شبان تربّصوا لمركبة إسرائيلية، وانقضّوا عليها في الوقت الحاسم، وأردوا ضابط استخبارات في الاحتياط، وزوجته، ومن ثم عادوا إلى قواعدهم.

اقرأ/ي أيضًا: عملية "كريات أربع".. المقاومة ممكنة

المنفذون تركوا أطفال القتيليْن في المقاعد الخلفية للمركبة، ولم يطلقوا عليهم الرصاص، هذا الفعل خلق جدلًا كبيرًا، وضجّة في الإعلام العبريّ، المراقبون الإسرائيليون اعتبروها "رسالة" من الفدائيين الفلسطينيين لمن أحرقوا منزل عائلة الدوابشة: "نحن أرحم منكم، ولا نقتل الأطفال كما تفعلون".

الفلسطينيون، لدى سماعهم خبر تنفيذ العملية، احتفل بعضهم في الشوارع، وانتشر فيديو لشبان محتجزين على حاجز "حوارة" الذي أغلقه الاحتلال عقب العملية، وهم يرقصون على ألحان أغنية وطنية للقدس والأقصى، وعبّر آخرون بطريقتهم، على "فيسبوك" و"تويتر" عن سعادتهم بالثأر لجريمة المحرقة.

لم تعلن أي جهة فلسطينية مسؤوليتها عن العملية، إذ عمل المنفذون بسريّة تامة، كي لا يُكتشف أمرهم. وعقب العملية، دوهمت عدة قرى في محيط منطقة الهجوم، وأغلقت الحواجز جنوبي المدينة، ونصب جنود الاحتلال حواجز أخرى على مفارق الطرق ومداخل القرى، في الوقت الذي كان العمل الاستخباراتي الإسرائيلي يجري خلف الستار، لكشف المنفذين.

في اليوم الثالث لتنفيذ العملية (3 تشرين أول/ أكتوبر) اعتقل الاحتلال أربعة شبّان، وفي اليوم الذي تلاه، عدد من الشبان يرتدون زيًا مدنيًا يدخلون مستشفى نابلس التخصصي، وكان معهم شاب مصاب بوعكة صحية. وما إن وصلوا الطابق الثاني من المستشفى، حتى أشهروا أسلحتهم في وجه الممرضين ومرافقي المرضى، ليتيقّن الجميع أن قوّة من "المستعربين" اقتحمت المكان.

دخلت القوة إلى أحد الغرف، واعتقلت شابًا يدعى كرم المصري، كان مصابًا في يده، وانسحبوا بعد ذلك..

اقرأ/ي أيضًا: "عيون الحرامية".. استعادة الانتفاضة الثانية

اتهمت مخابرات الاحتلال الشبّان الخمسة المعتقلين، بالوقوف خلف العملية، وهو ما أثبتته مجريات تحقيقات ضباط الشاباك، وكشف الاحتلال عقب ذلك عن توصله للمنفذين بهذه السرعة، بسبب إصابة الشاب كرم برصاصة في يده أثناء تنفيذ العملية، وهو الخيط الذي كشف ملابسات الهجوم الفدائي.

بحسب ما كشفه جهاز الشاباك الإسرائيلي، فإن يحيى الحاج حمد، وكرم المصري، وراغب عليوي، هم من نفّذ العملية، وسمير كوسا سائق المركبة التي استقلها المنفذون، بالإضافة إلى أمجد عليوي المخطط للعملية،  كذلك زيد عامر وهو المسؤول عن مراقبة المنطقة خلال التنفيذ، والصحافي المريض بسام السايح.

نسف وهدم الاحتلال بيوت ستة منهم، كان آخرها منزل الأسير أمجد الليلة الماضية، عدا عن منزل الأسير السايح، كونه لم يعترف أمام محكمة الاحتلال بالتهم الموجهة له.

أمجد علوي وراغب عليوي وكرم المصري وبسام كوسى ويحيى الحاج حمد، حوكموا بالسجن المؤبد مرتين، مضافًا إليها 30 سنة،  فيما لا يزال عامر والسايح في سجون الاحتلال دون محاكمة.

تبعت عملية "إيتيمار" انتفاضة القدس، ومضى عليها عام كامل، نُفذت فيه عشرات العمليات الفدائية، ما بين إطلاق نار وطعن ودهس، في الوقت الذي هدمت فيه قوات الاحتلال عشرات المنازل لتحذير الفدائيين الفلسطينيين من تنفيذ العمليات، إلا أن كلّ محاولات الاحتلال باءت بالفشل، فالعمليات الفدائية مستمرة، وكان الشهيد مصباح أبو صبيح آخر المنفذين، والاحتلال يتجهز لهدم منزله.

اقرأ/ أيضًا: 

"طريق الثوار خضرا".. تطويع الجبال الفلسطينية

"هبة القدس" على الحيز الإعلاني في فلسطين

إن شئتم أن تسمّوها انتفاضة