الترا فلسطين | فريق التحرير
أثار قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، الذي يلزم دولة الاحتلال بفرض التجنيد الإجباري على الشباب الحريديم (المتشددين دينيًا) في ظل غياب قانون ينص على ذلك، عاصفةً بين المؤيدين والمعارضين. وطرح تساؤلات حول احتمال أن يؤدي هذا القرار إلى انهيار حكومة نتنياهو، التي تعتمد بشكل كبير على الأحزاب الحريدية.
ويفسر الصحفي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، أنس أبو عرقوب، لـ"الترا فلسطين" فحوى قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، بأن قضاة المحكمة العليا التسعة قضوا بالإجماع بأمرين أساسيين؛ الأمر الأول هو أنه يجب على جميع الشبان الحريديم أداء الخدمة العسكرية فورًا، ولن يكون هناك إعفاء من التجنيد كما طلبت الحكومة سابقًا بتمديدٍ حتى يتم سنّ قانون يشرع ذلك. واعتبارًا من يوم أمس، سيتم الشروع في إرسال أوامر الاستدعاء للتجنيد وفقًا للمقترح الذي قرره الجيش. الأمر الثاني، وهو مهم جدًا، هو أن الدعم المالي الذي حصل عليه طلاب المدارس الدينية بعد الإعفاء سيتوقف، وهذا يعني أن الأمر المؤقت الذي أوقف التمويل أصبح دائمًا، ولا مزيد من التمويل للمدارس التي لا يؤدي طلابها الخدمة العسكرية.
الحاخام موتكا بلوي: المحكمة العليا الإسرائيلية تتصرف مثل محاكم لاهاي، هناك "معاداة للسامية، وهنا معاداة السامية ذاتها"
وبعد ساعات من صدور الحكم القضائي، أعلنت المستشارة القضائية للحكومة أنه يتوجب على الجيش إرسال أوامر استدعاء للتجنيد لـ 3000 آلاف شاب حريدي، تنفيذًا لمخطط الجيش لتجنيد الحريديم.
وجاءت ردة فعل ممثلي الأحزاب الحريدية المشاركة في الائتلاف الحكومي عنيفة من الناحية اللفظية. فقد صرح الحاخام ووزير شؤون القدس والتراث، مائير بوروش، من حزب يهدوت هتوراة الحريدي، بأن "إسرائيل" ستنقسم إلى دولتين إثر هذا الحكم القضائي.
لكن الأهم في تصريحات بوروش هو ما لم يقله، وما لم تتضمنه بيانات الإدانة الصادرة عن القادة السياسيين الحريديم لهذا الحكم القضائي؛ لقد أدانوا المحكمة العليا، لكنهم امتنعوا حتى الآن عن التهديد بحل الحكومة. فهم يعولون على قانون التجنيد الجديد الذي تسعى الحكومة لتشريعه، والذي قد يعيد الدعم المالي لمن لا يؤدون الخدمة العسكرية والمدارس التي يدرسون فيها، وهذا يمكن أن يتم فقط عبر إقرار قانون ثابت، وهو أمر إشكالي، لأن هناك الكثير من الاعتراضات على مقترح قانون التجنيد داخل الائتلاف الحكومي.
وشرح الحاخام موتكا بلوي، من قادة حزب "ديغل هتوراة"، للقناة 13 العبرية شروط الشباب الحريديم الذين قد يوافقون بشكل فردي على التجنيد، قائلاً: "من لا يدرس التوراة، وهو حريدي حقيقي، سيتحقق من أن الجيش قادر على استيعابه وتوفير الظروف الملائمة من الناحية الروحانية. أي أن يدخل الجيش كحريدي ويُنهي خدمته كحريدي"، وأضاف أن المحكمة العليا تتصرف مثل محاكم لاهاي، هناك "معاداة للسامية، وهنا معاداة السامية ذاتها".
حزبا "شاس" و"يهدوت هتوراة" تناقشان إمكانية الانسحاب من الحكومة ودعمها من الخارج "حسب الحاجة"
ولا يقتصر رفض تجنيد الحريديم على الأحزاب الحريدية فقط. فقد هاجم أرئيل كيلنر، عضو الكنيست عن حزب الليكود، القرار القضائي قائلاً: "من يعتقد أن الأحكام القضائية التي تأتي من فوق ستغير الواقع في الأسفل، فإنه لا يفهم شيئًا، لا في التاريخ ولا في التفاعلات الاجتماعية. للأسف، في دولة إسرائيل هناك من يسعون إلى فتح جبهة جديدة، الجبهة الداخلية بيننا، لتكون بيننا حرب داخلية دائمة".
لكن أبرز المرحبين بالقرار كان يائير لابيد، زعيم المعارضة في الكنيست، حيث قال: "لا مزيد من الإعفاء للحريديم. إعفاء الحريديم من التجنيد ليس قانونيًا، ويجب على وزارة الجيش تطبيق القانون بإصدار أوامر استدعاء للتجنيد لعشرات الآلاف من الشبان الحريديم الذين تهربوا من الخدمة العسكرية حتى الآن. لقد انتهت الألاعيب، وانتهت المؤامرات، وولّت تلك الأيام التي كان فيها أولئك الذين يصرخون 'نموت ولا نخدم في الجيش'، وهناك من يموتون لأنهم يخدمون في الجيش".
وكشفت الإذاعة العبرية العامة أن حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراة" تناقشان إمكانية الانسحاب من الحكومة ودعمها من الخارج "حسب الحاجة"، وعلّق الصحفي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، أنس أبو عرقوب، على هذا النبأ قائلاً: "الأحزاب الحريدية ليست معنية بإجراء انتخابات نيابية عامة مبكرة في هذه المرحلة، لأن هامش المخاطرة في هذه الحالة كبير جدًا، وأضاف أنه "في حال وصول المعارضة إلى سدة الحكم، سيكون من الصعب تشريع قانون دائم يضمن مواصلة الإعفاء وتمويل المدارس الدينية".
وشرح أبو عرقوب أن غالبية خبراء الشؤون الحزبية والسياسية في إسرائيل يرجحون أن الأزمة الحالية لن تؤدي إلى انهيار الحكومة. حيث سيلجأ نتنياهو إلى خطوات للتخفيف من حدة القرار القضائي، مستغلًا حقيقة أنه يستند إلى تنفيذ مخطط الجيش لاستيعاب الشبان الحريديم. وسيؤثر نتنياهو على يوآف غالنت للاكتفاء بتنفيذ الخطة التي أقرها الجيش، التي تقوم على تجنيد 3000 شاب سنويًا. وبالتوازي، سيتم تسريع تشريع قانون دائم يشرّع الإعفاء، بعد أن ألغت المحكمة الإعفاء القائم على أوامر مؤقتة. وبذلك، سينجح نتنياهو أيضًا في إعادة التمويل للمدارس والمعاهد الدينية.
أكد محلل الشؤون الحزبية والكنيست في القناة 13، سيفي عوفديا، أن المخرج الوحيد المتاح حاليًا أمام الحكومة في هذه الأزمة يكمن في تشريع قانون التجنيد الجديد، لكن هذا القانون يواجه رفضًا من جانب أربعة أعضاء على الأقل من حزب الليكود، الذين يعتزمون التصويت ضده.
وذكر مراسل الشؤون الحزبية في التلفزيون الإسرائيلي، ميخائيل شيمش، أن نتنياهو حذر عضو الكنيست من الليكود، يولي إدلشتين، قائلاً: "إذا قمت بتعقيد قانون التجنيد، فسوف تؤدي إلى حل الحكومة".
القناة 12 العبرية: الشعور السائد بين مكونات الائتلاف الحكومي وفي صفوف المعارضة هو أن القرار القضائي لن يؤدي إلى انهيار الحكومة على الأقل خلال العام المقبل
ورأت مراسلة الشؤون السياسية الحزبية في القناة 12، دفينا لئيل، أن الشعور السائد بين مكونات الائتلاف الحكومي وأيضًا في صفوف المعارضة هو أن القرار القضائي الصادر عن المحكمة العليا، القاضي بتجنيد الشبان الحريديم، لن يؤدي إلى انهيار الحكومة على الأقل خلال العام المقبل.
وقال الحاخام شلومو محفوظ، عضو مجلس حكماء شاس توراة، صباح اليوم الأربعاء في مقابلة مع إذاعة "كول باراما"، إنه حتى الشخص الذي لا يدرس في مدرسة دينية لا يُسمح له بالانضمام إلى الجيش لأنه سوف يصبح "مرتدًا". وأشار الحاخام أيضًا إلى قرار المحكمة العليا الذي يقضي بضرورة تجنيد جميع طلاب المدارس الدينية وحرمان هذه المدارس من الميزانيات، قائلاً: "هذا ليس القرار المجحف الأول الذي يستهدف اليهود. لقد حاول فرعون القضاء على اليهود، وكذلك فعلت حماس وقبلها الرومان. من المؤكد أن المحكمة العليا ستقول إنه من الضروري فرض التجنيد، فهم لا يفهمون ما هي التوراة على الإطلاق". وعن حرمان المدارس الدينية من الميزانيات، قال الحاخام: "إنهم لصوص".
ومن بين الحاخامات الذين هاجموا القرار، رئيس مجلس التوراة في شاس، الحاخام موشيه مايا، الذي قال في مقابلة مع إذاعة "كول باراما": "التجنيد في الجيش تحريف للدين، لدينا قانون واضح ينص على أنه لا يجوز لعضو المدرسة الدينية التجنيد في الجيش، إذا دخلوا إلى قاعات المدارس الدينية لتجنيدنا، فسوف نعارض، حتى الشخص الذي لا يدرس في مدرسة دينية لا يُسمح له بالتجنيد في الجيش الإسرائيلي، لأنه إذا لم يكن هناك طلاب يكرسون حياتهم لدراسة التوراة، فسيكون هناك المزيد من الضحايا في الحرب. دورنا في الحرب هو الدراسة والتعلم، وعندها فقط سيخيف الله أعداءنا".