بفرشاة أسنان ومواد تنظيف خاصّة يعمل زكريا عاشور (25 عامًا) من حي الزيتون المُدمّر جنوب شرق غزة، في تنظيف الأوراق النقدية المهترئة، وإعادة بعض البريق لها كي تصبح صالحة للتداول مرّة أخرى في أسواق القطاع الذي أنهكته الحرب المستمرّة منذ أقل من عام بقليل.
أوراق نقدية اهترأت وتمزّقت خلال الحرب على غزة، وبات التجّار لا يقبلونها، فيعمل زكريا عاشور على صيانتها وإعادتها للتداول مقابل بضع شواقل
يقول زكريا عاشور لـ "الترا فلسطين" إنه تعلّم كيفيّة التعامل مع مواد التنظيف الكيميائية من رجل كبير في السّن، وقد تشجّع لترميم الأوراق النقدية المهترئة، خاصة أنها تُخفف من معاناة المواطنين، سيما وأنّ التجّار باتوا يرفضون قبول الأوراق النقدية المهترئة، أو يقومون بشرائها بمبالغ تصل إلى نصف أو ثلثي قيمتها.
وحال استمرار الحرب، وإغلاق البنوك لأبوابها، دون استبدال الأوراق النقدية التالفة والمهترئة والتي ظلّت قيد التداول على مدار أشهر الحرب، ما زاد معاناة النازحين، وصعّب إمكانيّة شرائهم حاجيّاتهم من الأسواق.
ولا تقتصر أزمة الأوراق النقدية المهترئة على تلك التي يتم تداولها في الأسواق، بل تمتدّ إلى الرواتب التي يتلقاها الموظفون في غزة، والذين يتفاجأون حين استلامها ببعض الأوراق النقدية المهترئة والممزقة، ويواجهون صعوبة كبيرة في عمليات الشراء والتداول.
مراحل التنظيف
عن مراحل تنظيف وترميم الأوراق النقدية المهترئة، يوضح عاشور أن المرحلة الأولى تبدأ بتثبيت الورقة النقدية فوق سطح طاولة بواسطة مادة لاصقة، تمنح الورقة النقدية ملمسًا خشنًا وقوامًا أكثر قوة من ذي قبل.
وفي المرحلة الثانية يضع زكريا عدة نقاط من مادة كيميائية سائلة فوق سطح الورقة النقدية، ثم يبدأ توزيعها على حواف الورقة بواسطة فرشاة أسنان بحذر شديد، وذلك لتنظيف الورقة من الأوساخ التي علقت بها. وفي المرحلة النهائية يتم تمرير الورقة النقدية داخل جهاز يضم دولابين من الجلد المقوى ملتصقان ببعضهما البعض، لتخرج الورقة من الجهة الأخرى بصورة جيّدة، مقارنة بما كانت عليه.
ويتقاضى الشاب العشرينيّ شيقلان مقابل تنظيف "ورقة العملة وإعادتها للحياة". ويقول إن العائد الماليّ يعينه في إعالة شقيقه من ذوي الاحتياجات الخاصة، ووالدته، وشقيقته، وأطفالها الخمسة الذين يتواجد والدهم في النزوح جنوب القطاع.
وبدا أمير صلاح (40 عامًا) سعيدًا بعد أن تمكن من تنظيف 4 ورقات نقدية من فئة 20 شيقلًا، وورقة واحدة من فئة 100 شيقل، لدى الشاب عاشور. وقال لـ "الترا فلسطين" إنّه يحاول منذ أسابيع شراء بعض الاحتياجات بهذه الأوراق النقدية، غير أن جميع الباعة رفضوا استقبالها بمجرد رؤيتها.
ويلفت صلاح إلى أن أحد الصرّافين عرض عليه شراء أوراقه النقدية من فئة 20 شيقلًا بـ 15 شيقلًا، والورقة فئة 100 شيقل بـ 70 شيقلًا، "الأمر الذي رفضته، واعتبرته استغلالًا".
وخلقت حرب الإبادة الإسرائيليّة المستمرّة على قطاع غزة، مهنًا جديدة، مع استمرار الاحتلال في إغلاق معابر القطاع، ومنع إدخال المستلزمات الحياتيّة، ومن بين تلك المهن إعادة رتق الأحذية التي وصلت أسعارها أرقامًا غير مسبوقة.