وجّه رسّامو كاريكاتير انتقادات طالت منظمي معرض "كاريكاتير.. فلسطين وياسر عرفات" الذي افتُتح الأحد (23 كانون ثان/ يناير) في متحف الزعيم الفلسطينيّ الراحل برام الله، غير أنّ انتقادات أخرى وجّهها ناشطون، ولاحقًا كوادر في حركة فتح، أدّت لتغيير لم يتوقعه المنظمون، انتهى بإزالة لوحات من على جدران المعرض.
احتجاجات بدأت على إقصاء رسامين على خلفيّة سياسيّة، وتدحرجت لإزالة رسومات من على جدران المعرض بتهمة الإساءة لعرفات
وكان رئيس الحكومة محمد اشتيّة افتتح المعرض الذي شارك فيه رسّامون من 43 دولة، نشر على صفحته الرسميّة أنّ "من الصعب جدًا على الإنسان أن يضع خطًا فاصلًا بين فلسطين وياسر عرفات، في هذا المكان تتداخل فلسطين مع الزعيم القائد ويتداخل معها الذي فنى روحه من أجلها، وسعيد جدًا أن روح ياسر عرفات ما زالت موجودة في قلب العالم، وذكراه في قلب كل محبي السلام وكل متابعي ومؤيدي فلسطين، وهذا عكس نفسه في لوحات هذا المعرض"، غير أنّ الضجة التي حصلت لاحقًا أدت لحذف المنشور عن صفحته، مثلما حصل مع منشورات أخرى مشابهة.
الانتقادات في البداية كانت في إطار ما قيل إنّه إقصاء أو استثناء لرسّامين بسبب انتماءاتهم السياسيّة، وهذا ما عبّر عنه صراحة رسّام الكاريكاتير محمد سباعنة، مشيرًا إلى أنه وبعد تواصله مع بعض زملائه الرسامين علم أنه تم استثناؤهم لانتماءاتهم السياسية وأعمالهم، الأمر الذي دعاه لمقاطعة الافتتاح، وطلب لاحقًا سحب عمله المشارك في المعرض.
إقصاء أو استثناء لرسّامين بسبب انتماءاتهم السياسيّة
ويبيّن سباعنة في حديثه لـ "الترا فلسطين" أنّه تحفّظ من البداية على نيّة القيّمين على متحف ياسر عرفات إقامة معرض لرسوم الكاريكاتير يقتصر على مشاركة فنانين فلسطينيين في متحف داخل فلسطين، الأمر الذي رأى أن "لا فائدة مرجوّة منه" إذا لم يشارك فيه رسّامون عالميون، لأن مشاركتهم فيه ستكون مهمة، وبمثابة شكر لهم على تضامنهم مع قضية فلسطين.
ويقول إنه وبعد أن زوّد المتحف بقائمة طويلة من الفنانين الفلسطينيين والدوليين لمراسلتهم، علم بأن إدارة المتحف أوكلت مهمة التنسيق للمعرض لأناس لا يصلحون لهذا الموقع، ويفتقرون لما يؤهلهم إصدار حكم على الأعمال المشاركة، وفق قوله.
سباعنة: مهمة التنسيق للمعرض أوكلت لأناس لا يصلحون لهذا الموقع، وغير مؤهلين لإصدار أحكام على الأعمال المشاركة
وأضاف أنّه احتج قبل نحو عام على طريقة التواصل مع الفنانين المشاركين، وأبلغ إدارة المتحف أن آلية الاختيار غير صحيحة، وأن المفترض أن يتم فتح باب التسجيل للمشاركة، وأن يكون هناك لجنة فنيّة تقيّم الأعمال المشاركة، ورأى أنّ وجود بعض الأسماء المشاركة يعدّ "إهانة" لفلسطين التي شتموها سابقًا.
وفيما يخصّ الضجة التي أثيرت لاحقًا باعتبار أن بعض الأعمال الفنية المشاركة تسيء للرئيس الراحل ياسر عرفات، فقال إنّ "هذا الجدل صحي" غير أنّ من نسّق للمعرض هو من يقع على عاتقه الخروج بتوضيح مهنيّ يحافظ على معنى العمل الكاريكاتيري الفلسطيني والعالمي وبنفس الوقت يرد الاعتبار للناس.
واعتبر رسّام الكاريكاتير محمد سباعنة أنّ المعرض غاب عنه أعمال فنية إبداعية، وبعض الرسوم المشاركة "لا تليق بالكاريكاتير"، ومردّ ذلك من وجهة نظره أنّ "المنظمين اهتموا بالعدد، والدول المشاركة أكثر من القيمة الفنية للأعمال المشاركة".
اقرأ/ي أيضًا: متحف يوثق حياة الرئيس عرفات
رسّام الكاريكاتير أسامة نزّال والذي طالته سهام النقد وإن بطريقة غير مباشرة، قال في حديثه لـ "الترا فلسطين" إنه لم يكن المسؤول عن تنسيق أمور المعرض، وأنه فقط كان صاحب فكرة إقامة معرض كاريكاتير دوليّ داعم للقضية الفلسطينية، داخل فلسطين.
أسامة نزال: لم نقص أحدًا، والأعمال التي أقصتها اللجنة الفنية كان فيها "تهوّر" و"إساءة" لرمز عرفات
ومن وجهة نظر نزّال فإن القصة ليست قصة معرض كاريكاتير في متحف ياسر عرفات، بل إن الأمر مرتبط بحملة تشويه ومهاجمة لشخصه، وربما للنشاط، باعتبار أن من يقفون وراءها يعتقدون أنّ التعامل فيما يخصّ الكاريكاتير يجب أن يكون من خلالهم حصرًا.
أمّا النقطة مثار الخلاف والمتمثلة بعدم السماح بمشاركة رسامين لتوجهاتهم السياسية وبسبب خلافهم الشخصي مع نزال، فقال إن هذا الكلام غير صحيح، وأنه لم يتم إقصاء أي فنان، كما أنه ليس هو من حدد المشاركين، لأنّ متحف ياسر عرفات هو من أشرف ونسّق للمعرض. ورأى أنّ الأعمال التي أقصتها اللجنة الفنية كان في "تهوّر" و"إساءة" لرمز ياسر عرفات.
الرسومات التي اعتبرت مسيئة بحق عرفات، وعمّقت الجدل حول المعرض وأفضت إلى إزالتها من على جدرانه، كانت بدأت على "فيسبوك" ثم انتقلت بعد ذلك لتأخذ منحى آخر عبّر عنه قيادات في حركة فتح، وكوادرها في رام الله، ودفعت بالمتحف لإصدار بيان توضيحي.
عن ذلك، يقول نزال إنّ "فن الكاريكاتير يعني التلاعب بالملامح لإيصال رسالة معيّنة، وفن الكاريكاتير يختلف عن الفن التشكيلي وفن البورتريه أو أي فن آخر"، وأضاف "نحن في المعرض ارتأينا أن نرى ياسر عرفات بعيون فنانين دوليين، بريشة صيني وألماني وجنوب افريقي، وهذه الرسالة التي نود أن يراها الناس، وهذا هو فن الكاريكاتير".
أسامة نزّال: القصة ليست قصة معرض كاريكاتير، بل حملة لتشويهي
وطالب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، اللواء توفيق الطيراوي في بيان بمحاسبة منظمي معرض الكاريكاتير واصفًا فعلتهم بـ "الشنعاء"، واعتبر أن محاسبتهم "واجب وطني"، كما طالب بطردهم من المؤسسة والمتحف فورًا، وتقديمهم للعدالة بتهمة الإساءة لصورة ورمزية وتاريخ "أبو عمار".
وقال القيادي الفتحاوي الذي فُصل مؤخرًا من الحركة، ناصر القدوة، إن القائمين على مؤسسة ياسر عرفات الآن غير شرعيين وغير أمينين عليها، مدللًا على قوله بمعرض الكاريكاتير الذي وصفه بـ "المسيء"، وأشار إلى أنّه حذّر سابقًا من أنّ المؤسسة ومتحفها تم اختطافهما بالقوة من المسؤولين عنهما.
كما أظهرت صور ومقاطع فيديو كوادر من حركة فتح في رام الله وهم يقومون بإتلاف وإزالة صور كاريكاتير قالوا إنها تسيء للشهيد ياسر عرفات، وقالوا إن ذلك تم بعد ضغوط فصائلية وشعبية كبيرة.
وعلّقت حركة فتح (إقيلم نابلس) بالقول إن القائمين على معرض الرسوم المسيء للشهيد ياسر عرفات ارتكبوا حماقة كبيرة، ولا يوجد ما يبرر بقائهم في مؤسسة تحمل اسم الشهيد أبو عمار.
قيادات في فتح صرّحوا مُنددين بالمعرض، وطالبوا بإغلاقه ومحاسبة من حاولوا تشويه عرفات
أمّا القيادي في حركة فتح قدورة فارس، فقال إن معرض الرسومات الكاريكاتورية "عمل خبيث ومقصود وليس بريئًا"، وأضاف أن "هناك عملية تخديش وتبهيت لصورة الرمز والقائد أبو عمار في وعي ووجدان الأجيال الصاعدة". وأضاف أنه لا بد من وقف المعرض وإتلاف الرسومات، وتشكيل لجنة تحقيق حركية ومعاقبة المسؤولين عن "هذا العمل المشبوه والتشهير بهم"، وفق قوله.
من جهته، قال نائب رئيس حركة فتح محمود العالول إنّه "تم الحديث مع مؤسسة ياسر عرفات لإزالة جميع الرسوم الخاصة في الشهيد الرمز ياسر عرفات من المعرض وسيصدر توضيح من المؤسسة حول ذلك".
وجاء في البيان التوضيحي الذي أصدره "متحف ياسر عرفات" أنّ ما يتم عرضه من رسمات كاريكاتيرية في معرض (فلسطين وياسر عرفات) خضعت لنقاش وفحص، وعلى ذلك سُمح بنشر تلك الرسومات، كما أنه لم يتم نشر رسومات فيها جدل ديني أو عرقي.
متحف ياسر عرفات: أزلنا الرسومات التي لم تلق تفَهُّمًا من الرأي العام الفلسطيني
وتابع البيان أنّ الرسومات المعروضة وإذ كان بعضها جدليًا نوعًا ما، فإنها تُمثل وجهة نظر راسميها في كيفية دعمهم للقضية الفلسطينية، ومُناصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات، كما أنه تم رسم شخصية أبو عمار من منظورهم الفني والثقافي والاجتماعي الخاص بهم.
وأشار متحف ياسر عرفات، إلى أنه حريص كُل الحرص على الحفاظ على صورة وسيرة ومسيرة ياسر عرفات وهذا هو العرض المتحفي، وما تم نشره في المعرض لا يمسّ ياسر عرفات بشخصيته ورمزيته، ولكن فن الكاريكاتير من الفنون الجدلية والإبداعية، ومع ذلك فقد قمنا بمراجعة كل الرسومات المعروضة، وقمنا بإزالة كل الرسومات التي لم تلق تفَهُمًا من الرأي العام الفلسطيني.
اقرأ/ي أيضًا: