لا جديد أبدًا في القول إن إسرائيل تلاحق قيادات ونشطاء من صفوف حزب التجمع الوطني الديمقراطي داخل الخط الأخضر. وهذا اللاجديد يتأتى من مسيرة التجمع نفسه في حال التوقف لديها. ما يتضح أن أكثر من عقدين من العمل السياسي مرا على التجمع بعيدًا عن اليسر، والاستسهال النضالي، الذي يشوب كثيرًا من الجسم السياسي الفلسطيني في جغرافيات مغايرة أو في الجغرافيا عينها، بل جاءت سنوات التجمع كمحصلةٍ لتعبر عن سيرة احتكاكٍ سياسيٍ متلاحمٍ بمجريات الحياة الفلسطينية ضمن سياق الاستعمار. فرفض التجمع أن ينتهي في مصاف العمل النخبوي أو تنفيس الغضب السياسي خطابيًا بما لا يسمح بتراكم أية أثمانٍ أو منجزاتٍ نضاليةٍ، وهذا ما تترجمه مسيرة التجمع وتواجده في ساحات الفعل السياسي، وهو ما يترجم فعلًا كم وشكل الملاحقة المستمرة بحق التجمع مؤسسة ومناضليه.
أكثر من عقدين من العمل السياسي مرا على التجمع بعيدًا عن اليسر، والاستسهال النضالي، الذي يشوب كثيرًا من الجسم السياسي الفلسطيني
ولربما يشكل الحاصل في آخر الأيام من تصاعد التضييق الإسرائيلي بحق التجمع عبر استهداف قياداتٍ بعينها على طريق إقصائها الكلي من ساحة العمل والتأثير، عبر الملاحقة والاعتقال وإجراءات التحقيق والاحتجاز والتفتيش المتواترة صورةً للحربة الإسرائيلية في مواجهة التجمع. فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية دائمة الدأب في إيجاد مخارج مريحة لها، ومبررة من وجهة نظرها، "لإزاحة" من تشاء من الفضاءات الممكنة للعمل السياسي الذي تستشعر هذه المؤسسة مداه جيدًا وتعيه، خاصة بينن الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر، وأكثر تخصيصًا عندما ينظر هؤلاء إلى ذواتهم من ضمن الحصيلة العربية الفلسطينية الأوسع، وليس من باب الجماعات الأقلوية كما تشتهي المؤسسة الإسرائيلية لوعيهم.
عند كل جولةٍ من جولات الأمن الإسرائيلي وكل ما يسخره من إعلام وأفواه قيادية، من المستوى السياسي، عنصرية بالضرورة، لاستهداف التجمع، عملًا وأفرادًا، يتأكد مجددًا حجم النوايا الحاقدة التي تنطلق منها الحملات الإسرائيلية، وهذا ما يمكن تلمسه في مجريات الانتهاك/التنكيل الأخير بحق النائب العربي عن التجمع باسل غطاس، المعتقل تعسفيًا بعد أن جرد من حصانته البرلمانية التي استغنى عنها أمام حدة التصعيد وحرق الإجراءات التي شهدتها القضية المزعومة ضده، والذي جرد من حق التصويت في الكنيست أيضًا مضافًا لاعتقاله وتفتيش مكتبه.
وكذلك الحال مع النائب العربي عن التجمع أيضًا حنين زعبي، التي لا تملّها أفواه المحرضين الصهاينة، بل وتحملها من مخاطر على أمن إسرائيل ما يلزم حزبين وتنظيمًا سريًا أو أكثر لتحمله، والتي لم يوفرها غلعاد أردان وسط معمعة هجومه مع نتنياهو ويائير لبيد وأفيغدور ليبرمان وغيرهم على كل التجمع وعلى شخص الدكتور غطاس إثر الزوبعة المثارة ضده بداعي علاقته مع الأسرى الفلسطينيين. فاستغل أردان الضجة الهجومية ضد التجمع ليدخل حنين الزعبي ضمن قائمة مستهدفيه، وليصل به الأمر لمتابعة ما تنشره في "السوشال ميديا" ويسوق آراءها الوطنية والإنسانية ضدها، خاصة ما أبدته بشأن اعتقال زميلها غطاس وتعبيرها عن موقف التجمع، ومنه موقفها من نصرة نضال الأسرى الفلسطينيين والعرب.
لا يغيب أبدًا عن المخيال الإسرائيلي الأمني والإعلامي استحضار البورتريه كاملًا للتجمع، فمع تصاعد قضية غطاس عادت الشرائط الإعلامية الإسرائيلية لتنسج ما لم تنسه أساسًا ضد الحزب وقياداته وقيادات العمل الوطني في الداخل. فدائمًا بعد الحرص على توضيح أهمية اتخاذ الخطوات ضد عمل التجمع لا بد من التعريج على "شبح" عزمي بشارة الملازم للمخيال الإسرائيلي، عندما يتعلق الأمر بالعمل السياسي داخل الخط الأخضر وخاصة بشأن التجمع. ليمسي أي تقاربٍ أو علاقةٍ أو صلةٍ بالرجل جريمةًً بعينها، ولتصبح مثلًا صلة القرابة العائلية بين النائب غطاس وبشارة مصدر قلقٍ واتهامٍ يستحق غطاس الإقصاء الكلي عليها، مضافةً لسيل التهم والمكائد المكالة بحقه. فلم يخل استديو بث إسرائيلي تطرق لقضية غطاس إلا وشدد في استرجاع تجربة عزمي بشارة ونفيه القسري من فلسطين، وكذلك كونه مؤسس التجمع الوطني الديمقراطي وقريب غطاس في آن معًا، لتبقى اتهامات الأمن الإسرائيلي لقيادات التجمع مراوحةً بين دعم المقاومة ودعم المقاومين، بينما محورها واحدٌ لا يحيد عن الإقصاء السياسيي للفلسطينيين وقيادتهم داخل الخط الأخضر.
تعمد إسرائيل إلى ربط كل نشاطات قيادات التجمع الوطني بعزمي بشارة، حتى أصبحت أي صلةٍ بالرجل مصدر اتهام
إذن هو أحد فصول الحرب الإسرائيلية ضد التجمع الوطني الديمقراطي، فعلًا وإرثًا، لا أولها ولا آخرها، الرسالة الوحيدة المستقاة من فعل وتصريحات المستوى السياسي الإسرائيلي حيال التجمع ومن الحملة ضد غطاس والزعبي، ومن سيوضع في سلة الاستهداف معهم هي أن "إسرائيل لا تريدكم"، لا بالشكل الحالي ولا بأي شكل.
النشاط الفلسطيني مرفوض، والتضامن الفلسطيني الفلسطيني كذلك، ومن سابع الممنوعات على الفلسطيني التفكير بالسياسة. فاليوم يقف التجمع في مواجهة التغول البوليسي الإسرائيلي ويتلقى كل هذه الضربات والمكائد ببساطةٍ لأنه جسمٌ سياسيٌ فلسطينيٌ حيٌ يعيش قضايا شعبه ووجعه، ولأنه يمارس السياسة من موقعه الفلسطيني قبل كل شيء، وما ترمي له الرسالة الإسرائيلية يمكن أن يكون أبعد من التجمع وحده، فالكل الفلسطيني يجب أن يبقى مهددًا ومقهورًا وبعيدًا مسافةً آمنةً لإسرائيل عن مجريات الفعل السياسي، حتى وإن كان في المساحات التي لا "تجرمها" القوانين الإسرائيلية.
اقرأ/ي أيضًا:
الهجمة سياسية.. دعوات لرص الصفوف دعمًا لـ"التجمع"